في شهر “أكتوبر الوردي”: كشف اليوم أملُ الغد…

الالتزام بالفحص الذاتي والفحص الشعاعي هو الخط الدفاعي الأول للوقاية. أغلب الحالات تُكتشف في مراحل مبكرة، ما يجعل العلاج أكثر فعالية وفرص الشفاء مرتفعة جدًا.
كتبت هانية رمضان لـ”هنا لبنان”:
لم تكن عُلا تتخيّل أنّ لحظةً بسيطةً أمام المرآة ستغيّر مجرى حياتها.
كانت تستعد ليومٍ جديدٍ كأي أمٍّ منشغلةٍ بتفاصيل البيت وابتسامة ابنتها الصغيرة، حين لمحت تلك الكتلة الصغيرة في صدرها. لم تُدرك وقتها أنّها تلمس الخوف بعينه، ولا أنّها على وشك أن تكتشف في داخلها قوةً أكبر من كلّ وجع.
مرّت الأيام بين صمتٍ ودموعٍ وليلٍ طويلٍ تقاوم فيه فكرة المرض، لكنّها قاومت… وتحدّت. خاضت علاجها بشَعرٍ يتساقط وجسدٍ يتعب، لكن روحها بقيت واقفة، كزهرة وردية عنيدة تنبت من بين الحجارة.
واليوم، تتحدث عُلا بثقةٍ وهدوء، لتقول لكل امرأة: “الفحص المبكّر ليس مجرّد إجراءٍ طبي… بل وعدٌ بالحياة”.
أمّا منال، فكانت من النساء اللواتي حملن الابتسامة على الرغم من الألم. أصيبت بسرطان الثدي منذ سنوات، وتعافَت بعد رحلة علاج طويلة. لكنّها عادت لتواجه المرض من جديد، مرّاتٍ عدّة، حتى أنهكها في النهاية، ورحلت.
تروي والدتها بصوتٍ تخنقه الدموع: “كانت منال دايمًا تقول لي: ما بخاف من السرطان، بخاف ما يكون عندي وقت كافي حتى أعيش مع أولادي. كانت قوية، بتضحك وهي راجعة من جلسة العلاج، وتطمّن البنات إنو كل شي منيح”.
قصة منال ليست نهايةً، بل وصية لكل امرأة أن تكون يقظة، محبّةً لذاتها، حريصةً على صحتها.
في “أكتوبر الوردي”، لا نكتفي بإضاءة الشوارع والمباني، بل نحاول أن نُضيء القلوب. أن نُذكّر كلّ امرأة بأنّ الجمال لا يُقاس بالشَّعر أو بالملامح، بل بالشجاعة التي تسكن عينيها. هو شهر التوعية، لكنّه أيضًا شهر الحبّ، والأمل، والانتصار على الصمت والخوف.
لبنان… بين التوعية والمبادرات
منذ الأيام الأولى من شهر تشرين الأول، شهد لبنان اهتمامًا واسعًا بهذا الملف الصحي الحيوي.
أطلقت وزارة الصحة العامة الحملة الوطنية للتوعية تحت شعارٍ واحدٍ يردّده الجميع: “الفحص المُبكر يُنقذ الحياة”.
وشاركت في الحملة مستشفيات حكومية وخاصة ومراكز طبية عديدة، قدّمت حسوماتٍ وتسهيلاتٍ لإجراء الفحوصات الوقائية، من الفحص الذاتي إلى الصورة الشعاعية (الماموغرام).
كما شاركت الجمعيات المدنية والبلديات في حملاتٍ توعويةٍ ميدانية.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن لبنان سجّل ما بين عامَي 2017 و2022 نحو 33.576 إصابةً جديدةً بالسرطان من مختلف الأنواع، بينها 13.034 حالةً في عام 2022 وحده.
ويأتي سرطان الثدي في المرتبة الأولى بنسبة 16.6% من إجمالي الحالات المسجّلة، ما يجعله التحدّي الأكبر صحيًا واجتماعيًا بين النساء اللبنانيات.
في عام 2015 مثلًا، أُحصيت 2.473 إصابة بسرطان الثدي، أي ما يعادل 36.6% من إجمالي إصابات النساء بالسرطان، وقرابة 20% من مجمل الحالات في لبنان.
وعلى الرغم من هذه الأرقام، فإنّ الجانب المُشرق يكمن في أن معظم الحالات تُكتشف اليوم في مراحل مبكّرة بفضل حملات التوعية والفحص الدوري، ما يرفع معدّلات الشفاء إلى مستوياتٍ عاليةٍ جدًا.
في حديثٍ خاص لموقع “هنا لبنان”، أوضحت الدكتورة في الجراحة النسائية والتوليد نادين الشامي أنّ “الورم أو الكتلة التي تُكتشف في الثدي ليست دائمًا سرطانية، لكنها تحتاج إلى متابعةٍ دقيقة”.
وأضافت أنّ سرطان الثدي هو الأكثر شيوعًا بين النساء، ويحدث نتيجة تكاثرٍ غير طبيعي لخلايا أنسجة الثدي. وكلّما تأخر التشخيص، ازدادت احتمالات الانتشار، حيث يمكن للخلايا السرطانية أن تُعدّل الدورة الدموية في الجسم وتؤثر في وظائفه.
وتُشدّد الشامي على أن الوقاية تبدأ من الوعي:
1 – الفحص الذاتي الشهري للثدي.
2 – إجراء الصورة الشعاعية (الماموغرام) بشكلٍ دوري، كل سنتَيْن من عمر الثلاثين إلى الخمسين.
3 – تجنّب التدخين والكحول، لأنّهما من أبرز العوامل المؤثرة في الإصابة.
4 – ممارسة الرياضة والحركة اليومية التي تقي الجسم من تكاثر الخلايا غير الطبيعية.
“الصورة الشعاعية لا تؤذي، بل تُنقذ”، تؤكد الشامي: “لا يوجد أي خطرٍ من الجهاز المستعمل للفحص، بل هو وسيلة آمنة وسريعة تساعدنا على اكتشاف الورم قبل ظهور الأعراض”.
ثم ختمت الشامي بأن “الالتزام بالفحص الذاتي والفحص الشعاعي هو الخط الدفاعي الأول للوقاية. أغلب الحالات تُكتشف في مراحل مبكرة، ما يجعل العلاج أكثر فعالية وفرص الشفاء مرتفعة جدًا”.
في زمنٍ يُرهقنا فيه الازدحام والخوف من الغد، تأتي قصص النساء مثل عُلا ومنال لتذكّرنا أنّ الأمل لا يحتاج إلّا إلى بضع دقائق من الوعي، وخمس دقائق من الفحص.
“أكتوبر الوردي” ليس لونًا فحسب، بل رسالة.
رسالة إلى كلّ امرأة تقول:
افحصي… أحبّي نفسك… وامنحي الحياة فرصةً إضافيةً لتستمر.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() في بيروت… حفريات تُثقل كاهل الطرقات والبلدية توضح: “بدها شويّة صبر” | ![]() فوضى المرور في لبنان.. و “اليازا” تحذّر: لا رقابة فعلية! | ![]() بعد حادثة “المجمّع الترفيهي”… هل لا يزال الصّيف آمنًا لأطفالنا؟! |