كركي: لا تعديل في آلية صرف التعويضات حاليًا… والضمان “يقلب” الصفحة نحو إصلاح متكامل


خاص 15 تشرين الأول, 2025

نحن مع العدالة لكلّ مضمون، ومع الحلول الواقعية التي تضمن استدامة الصندوق وحقوق الناس في آنٍ واحدٍ. المطلوب إصلاح حقيقي يحمي تعويضات العمر من الضياع.

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

في خضمّ الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها لبنان منذ سنوات، تبقى تعويضات نهاية الخدمة واحدة من أكثر الملفات حساسيةً وتعقيدًا، لما تمثّله من أمان اجتماعي للمضمونين وركيزة أساسية في حياة عشرات آلاف المُتقاعدين الذين أفنوا عمرهم في سوق العمل.
لكن مع انهيار الليرة وتآكل القدرة الشرائية، تحوّل هذا الحقّ المكتسب إلى هاجس يومي لدى من أنهوا خدمتهم، خصوصًا بعد أن خسر كثيرون منهم أكثر من 90% من قيمة تعويضاتهم نتيجة صرفها على السعر الرسمي القديم (1500 ليرة للدولار).

وخلال الأيام الماضية، عاد الملف إلى واجهة النقاش العام بعد تداول معلومات عن نيّة “الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي” صرف التعويضات على أساس سعر صرف جديد يبلغ 89 ألف ليرة للدولار الواحد، في خطوةٍ وُصفت بأنها “تصحيح جزئي للغبن التاريخي” الذي لحق بالمضمونين.
إلا أنّ هذه المعلومات سرعان ما نفاها المدير العام للصندوق الدكتور محمد كركي، الذي أكّد في حديث خاص لـ”هنا لبنان” أنّ “لا جديد في هذا الإطار حتى اللحظة، وما يتمّ تطبيقه هو الآلية المعمول بها حاليًا داخل الصندوق”.

آلية الصرف ثابتة… والليرة هي المرجع الوحيد

وأوضح كركي أنّ طريقة احتساب التعويضات لم تتبدّل، وهي تستند إلى الأجر الأخير بالليرة اللبنانية مضروبًا بعدد سنوات الخدمة.
وأضاف بحزم: “نحن لسنا معنيين بسعر الصرف. الضمان يقبض بالليرة ويدفع بالليرة، وما يُصرف للمضمون هو على أساس راتبه الأخير بالعملة الوطنية. لا نتعامل بالدولار لا قبضًا ولا دفعًا، لأن القانون واضح في هذا الشأن”.

القانون في البرلمان… والتمويل موضع الخلاف

وعن الاقتراح المطروح حاليًا في مجلس النواب تحت عنوان “التسوية العادلة لتعويضات نهاية الخدمة”، أوضح كركي أنّ القانون ما زال قيد النقاش في اللجان النيابية الخاصة، وأنّ جلسةً ستُعقد في البرلمان لمتابعة البحث فيه، “لكن حتى الآن لم يصدر أي قرار نهائي بشأنه”.
وأكّد كركي أنّ إدارة الضمان تؤيّد مبدأ إنصاف المضمونين الذين تركوا الخدمة خلال الأزمة أو تضررت تعويضاتهم بفعل الانهيار، إلّا أنّ التحدّي الأكبر يكمن في تحديد الجهة التي ستموّل أي تسوية محتملة.
وقال: “القانون المُقترح ينصّ على تقاسم الكلفة مناصفةً بين أصحاب العمل والدولة، من دون أن يُحمّل الصندوق أي عبء إضافي، ما يجعل مسألة التمويل محور النقاش الأساسي اليوم”.

بين إنصاف المتقاعدين وحماية العاملين

وفي موازاة ذلك، حذّر كركي من أنّ أي تعديل جذري في طريقة احتساب التعويضات قد يؤدّي إلى إجحافٍ بحقّ أكثر من 450 ألف أجير ما زالوا في الخدمة، مشدّدًا على أنّ “المعادلة لا يمكن أن تُحلّ على حساب فريق لصالح آخر”.

وأضاف: “نحن مع إنصاف مَن تضرّر، لكن لا يمكن تصحيح الظلم بظلمٍ جديد. المطلوب حلّ متوازن ومستدام يحفظ حقّ المتقاعدين من دون أن يهدّد استقرار الصندوق”.

نحو إصلاح شامل وحماية مستدامة

أما عن موقف إدارة الصندوق، فأكد كركي أنّ الضمان وضع رؤيةً متكاملةً لمعالجة ملف نهاية الخدمة، تمّ عرضها أخيرًا أمام “لجنة المؤشر”، وتقوم على الحفاظ على آلية احتساب التعويضات المعمول بها حاليًا بالتوازي مع الإسراع في إنجاز المراسيم التطبيقية لقانون التقاعد والحماية الاجتماعية الذي أُقرّ أواخر العام الماضي.

وختم كركي: “نحن مع العدالة لكلّ مضمون، ومع الحلول الواقعية التي تضمن استدامة الصندوق وحقوق الناس في آنٍ واحدٍ. لا نريد أن نعد أحدًا بسعر صرف أو رقم، بل بإصلاح حقيقي يحمي تعويضات العمر من الضياع”.

البرلمان والنقابات… بين الدعم والتحفّظ

في المقابل، تؤكد مصادر لـ”هنا لبنان” أنّ اقتراح “التسوية العادلة” يحظى بدعم سياسي واسع، خصوصًا من الكتل التي ترى فيه خطوةً ضروريةً لإنصاف نحو 70 ألف متقاعد خسروا الجزء الأكبر من مدّخراتهم.
لكن هذه المصادر تُقرّ بأنّ العقدة الأساسية تبقى ماليةً بامتياز، إذ لم يتمّ بعد الاتفاق على آليةٍ واضحةٍ للتمويل، في وقتٍ تُعاني فيه الخزينة العامة من عجز مزمن.

أمّا النقابات العمالية، فترى أنّ موقف إدارة الضمان متوازن، لكنّها تدعو إلى ترجمة النوايا إلى أفعال، مطالبةً الدولة بأن تتحمّل مسؤولياتها تجاه المضمونين الذين دفعوا اشتراكاتهم طوال حياتهم.
وبين حسابات السياسة وضغوط الشارع، يبدو أن ملف تعويضات نهاية الخدمة يسير ببطءٍ نحو الحلّ، لكنّه لا يزال رهينة المعادلة اللبنانية الدائمة: الحقّ واضح، والقدرة على تنفيذه مؤجلة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us