بين الحوافز والواقع السوري… عودة النازحين لا تزال بطيئة!

عودة النازحين ستتوسّع فقط إذا تحسّن الوضع المعيشي والاقتصادي في سوريا، وتوفّرت فرص العمل والخدمات الأساسية من مياه وكهرباء، وبدأت عملية إعادة الإعمار، والخطوة الأولى لأي عودة فعلية تكمن في إجراء إحصاءٍ دقيقٍ لعدد النازحين السوريين في لبنان.
كتبت بشرى الوجه لـ”هنا لبنان”:
منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، عاد ملفّ النزوح السوري إلى واجهة الاهتمام اللبناني والدولي، ومع كلّ حديث عن “العودة الطوعية”، تبقى الأرقام الفعلية محلّ جدل، في ظلّ تفاوت الروايات حول عدد العائدين وظروفهم.
وفي الوقت الذي تحاول فيه الأمم المتحدة، بالتعاون مع الحكومة اللبنانية، تشجيع العودة عبر تقديم حوافز مالية ومساعدات لوجستية، لا تزال العودة الفعلية محدودةً جدًا لأسباب معيشية وأمنية واقتصادية داخل سوريا.
حول هذه المعطيات، قدّم الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين قراءةً رقميةً وواقعيةً للمشهد، مُقدّرًا أعداد العائدين الفعليين من لبنان إلى سوريا.
وأكد شمس الدين، في حديثٍ لـ”هنا لبنان”، أنّ عودة النازحين السوريين إلى بلادهم ما زالت محدودةً على الرغم من التغيّرات التي شهدتها الساحة السورية بعد سقوط نظام الأسد.
وقال إنّ أقلّ من عشرة آلاف سوري عادوا إلى سوريا واستقرّوا هناك بشكل دائم، مشيرًا إلى أنّ “أعدادًا أكبر قامت بزيارة سوريا لتفقّد الأوضاع ثم عادت إلى لبنان بسبب الظروف الاقتصادية والخدماتية الصعبة التي لا تزال تشهدها البلاد”.
وأضاف أنّه “ابتداءً من شهر حزيران الماضي، ظهرت ديناميّة جديدة تمثّلت باتفاق بين الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية، إذ بدأت المنظمة الدولية تقديم حوافز مالية للعائدين تشمل 400 دولار للعائلة و100 دولار للفرد، إلى جانب المساعدة في النقل، فيما يقوم الأمن العام اللبناني بإعفاء العائدين من جميع المخالفات السابقة شرط ألا يعودوا مُجدّدًا إلى لبنان”.
وأوضح شمس الدين أنّ هذه الخطوة ساهمت في انطلاق موجةٍ محدودةٍ من العودة خلال شهر آب، إذ وصلت الأعداد، “في أحسن الأحوال، إلى نحو 30 ألف شخص”، لافتًا إلى أنّ “الدولة اللبنانية تتوقّع وصول العدد إلى 200 ألف حتى نهاية العام، لكنّ هذا يبقى مستبعدًا في ظلّ بقاء الأوضاع الاقتصادية والخدماتية في سوريا غير مؤهّلة بعد لاستقبال أعدادٍ كبيرةٍ من العائدين”.
وأشار إلى أنّ “الوضع في لبنان، على الرغم من الصعوبات، يبقى أفضل من الناحية المعيشية والخدماتية، لذلك لا يمكن الحديث عن عودة جماعية واسعة النطاق، إذ إنّ ما جرى حتى الآن يقتصر على نحو عشرة آلاف عادوا بمبادراتٍ فرديةٍ، وقرابة 30 ألفًا عادوا في إطار التنسيق بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة والحكومة السورية”.
في المقابل، لفت شمس الدين إلى أنّه “بعد سقوط النظام السوري، نزح إلى لبنان أكثر من 70 ألف سوري ولبناني كانوا مُقيمين منذ عقود في مناطق مثل حمص وكانوا يُعتبرون من مؤيّدي النظام، وهم لا يزالون في لبنان حتى اليوم على الرغم من امتلاكهم عقارات وبيوت في سوريا”.
وأكد شمس الدين على أنّ “عودة النازحين ستتوسّع فقط إذا تحسّن الوضع المعيشي والاقتصادي في سوريا، وتوفّرت فرص العمل والخدمات الأساسية من مياه وكهرباء، وبدأت عملية إعادة الإعمار”، مضيفًا أنّ “الخطوة الأولى لأي حلّ فعلي تكمن في إجراء إحصاءٍ دقيقٍ لعدد النازحين السوريين في لبنان، لأنّنا حتى اللحظة لا نعرف ما إذا كان العدد الفعلي مليونين و200 ألف أو مليونين و500 ألف، أو غير ذلك”.
وختم شمس الدين مشيرًا إلى أنّ النازحين الذين عادوا إلى سوريا ينتمون إلى مختلف المناطق اللبنانية، وليس فقط إلى المناطق الحدودية مثل عرسال والبقاع الأوسط، ما يدلّ على شمولية هذه العودة وإن كانت لا تزال محدودةً من حيث الحجم.