لبنان العادل: مكافحة الفساد طريق المساواة وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة


خاص 21 تشرين الأول, 2025

لا بدّ أن تكون الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد أيضًا استراتيجيةً للمساواة وحقوق الإنسان، تُعيد الثقة بين المواطن والدولة، وتجعل من الشفافية مدخلًا إلى العدالة، ومن العدالة جسرًا إلى مجتمعٍ لا يُقصي أحدًا، مهما كانت إعاقته أو ضعفه.

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

في وطنٍ أنهكته الأزمات السياسية والإدارية، تبرز الحاجة إلى استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد وتعزيز المساواة كأولويةٍ أخلاقيةٍ قبل أن تكون سياسية. فالإصلاح الحقيقي لا يُقاس بعدد القوانين أو الخطط، بل بقدر ما يضمن كرامة المواطن وحقوق الفئات المهمّشة، وفي مقدمتها الأشخاص ذوو الإعاقة الذين يعانون من تهميشٍ مزدوج: فساد الدولة وإهمال المجتمع.

الفساد ليس مجرّد اختلاسٍ للمال العام، بل هو تعطيلٌ لمبدأ العدالة في توزيع الموارد، وإفراغٌ للقوانين من مضمونها. فالقانون 220/2000 الذي يُفترض أن يؤمّن الحقوق الأساسية للأشخاص ذوي الإعاقة، بقي حبرًا على ورق بسبب ضعف المساءلة وغياب الإرادة السياسية. إنّ الفساد الإداري والمالي يحرم هذه الفئة من الوصول إلى التعليم، والعمل، والرعاية الصحية، والخدمات العامة، ويحوّلهم من مواطنين فاعلين إلى ضحايا لنظامٍ عاجز عن تطبيق أبسط مبادئ الشفافية.

ضعف مفهوم الشمولية في السياسات العامة يُضاعف هذه المعاناة، إذ لا تزال المباني الحكومية غير مهيّأة، والمصاعد بلا أنظمة مساعدة، والمواقع الإلكترونية الرسمية غير متاحةٍ لجميع الفئات. كما يفتقر العديد من الموظفين إلى التدريب اللازم للتعامل مع ذوي الإعاقة، ما يعكس قصورًا إداريًا وأخلاقيًا في آن. فالإدماج ليس مجاملةً اجتماعيةً، بل التزام وطني وقانوني يجب أن يُترجم في كل قطاع من قطاعات الدولة.

على المستوى القانوني، لا يكفي وجود النصوص إن غابت المراسيم التطبيقية. فالقوانين المتعلقة بالشفافية والوصول إلى المعلومات لا تزال معطّلةً، والحاجة ملحّة إلى إصلاح تشريعي يضمن تمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة في المؤسّسات العامة والهيئات المُنتخبة، وإلى إجراءات عملية مثل تعيين كاتبٍ مرافقٍ لهم في مباريات مجلس الخدمة المدنية. كما يجب مواءمة التشريعات الوطنية مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD)، لتأمين التزام لبنان الدولي بمبادئ المساواة وعدم التمييز.

وتُعدّ الشفافية المالية حجر الزاوية في أي استراتيجية إصلاحية. فبناء بنية تحتية ميسّرة وخدمات رقمية متاحة يتطلّب تمويلًا مستدامًا يُدار بآليات رقابية دقيقة، مع ضمان توجيه الأموال إلى المشاريع الفعلية لا إلى المحسوبيات. ويمكن للهوية الرقمية الوطنية أن تكون أداةً حيويةً في هذا المسار، من خلال قاعدة بيانات موحّدة تسهّل تحديث المعلومات وضمان وصول الخدمات بعدالة.

كما يُفترض أن تشمل الاستراتيجية الوطنية بناء القدرات الإدارية والتوعوية عبر برامج تدريبية للموظفين العامين، وتخصيص وحدات داخل الوزارات تُعنى بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. ويجب إشراك هذه الفئة في صياغة السياسات العامة ومراقبة تنفيذها، فالشمولية لا تتحقّق بالقرارات الفوقية بل بالمشاركة الفعلية. وتواكب هذه الجهود حملات توعية وطنية تغيّر الثقافة العامة وتُعزّز قيم المساواة والاحترام.

إنّ مكافحة الفساد ليست مجرّد شعار إصلاحي، بل هي الطريق الحقيقي نحو المساواة. فحين تُدار الموارد بشفافية، وتُحترم القوانين، وتُتاح الفرص بعدالة، يُصبح لبنان أقرب إلى دولة المواطَنة والكرامة. لذلك، لا بدّ أن تكون الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد أيضًا استراتيجيةً للمساواة وحقوق الإنسان، تُعيد الثقة بين المواطن والدولة، وتجعل من الشفافية مدخلًا إلى العدالة، ومن العدالة جسرًا إلى مجتمعٍ لا يُقصي أحدًا، مهما كانت إعاقته أو ضعفه.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us