قانون السّير حيٌّ على الورق… ميتٌ على الطّرق!

الأرقام الصّادمة لضحايا حوادث السير يتحمّل مسؤوليّتها السّائقون المستهترون والجهات الرّسميّة المتقاعسة. وإذا أردنا تعداد الأسباب فهي تبدأ بالتلهّي على الهاتف أثناء القيادة، السّرعة والتهوّر، عدم ارتداء حزام الأمان أو الخوذة الواقية، القيادة عكس السّير أو تحت تأثير الكحول… ولا تنتهي بحالة الطّرقات المزرية، وغياب الإشارات المروريّة العاملة والإنارة والفواصل الوسطيّة المُضاءة
كتب إيلي صروف لـ”هنا لبنان”:
لا يزال مسلسل حوادث السّير يكتبُ فصولًا دمويّةً جديدة، مخلِّفًا ندوبًا أو إعاقات أو جروحًا لا تندمل لدى معظم العائلات اللّبنانيّة. مسلسلٌ بلا نصٍّ ولا نهاية والأكيد بلا إضاءة، أبطاله ضحايا من مختلف الفئات والانتماءات، الدّيكور موزَّع بين إشاراتٍ مروريّةٍ معطّلة وأعمدة إنارة مطفأة وحُفرٍ مخفيّة، أمّا الإخراج فيتقاسمه الإهمال وتبعاته من جهة، وغياب معايير السّلامة المروريّة وما يتعلّق بها من جهةٍ ثانية.
أكثر من 207 ضحايا سقطوا نتيجة 1511 حادث سير خلال النّصف الأوّل من العام 2025، بزيادة نسبتها 34 بالمئة مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب قوى الأمن الدّاخلي. كما سجّل شهر آب 2025 وحده سقوط نحو 60 قتيلًا وفقًا لإحصاءات “غرفة التحكم المروري”. بدورها، تشير أرقام “الدّوليّة للمعلومات” إلى أنّ ما بين نهاية شهر آب عام 2024 والفترة ذاتها من العام الحالي، سُجّل ارتفاعٌ بنسبة 28% في عدد حوادث السّير، و29% في عدد القتلى.
هذه الأرقام الصّادمة يتحمّل مسؤوليّتها السّائقون المستهترون والجهات الرّسميّة المتقاعسة. وإذا أردنا تعداد الأسباب الّتي أوصلت إلى هذه النّتائج المقلقة، فهي تبدأ بالتلهّي على الهاتف أثناء القيادة، السّرعة والتهوّر، عدم ارتداء حزام الأمان أو الخوذة الواقية، القيادة عكس السّير أو تحت تأثير الكحول… ولا تنتهي بحالة الطّرقات المزرية، وغياب الإشارات المروريّة العاملة والإنارة والفواصل الوسطيّة المُضاءة.
لا شكّ أنّ تطبيق قانون السّير بحزمٍ وجدّيّة، يشكّل خطوةً أولى أساسيّة في مسار فَرمَلة عدّاد الضّحايا على طرقات الموت. هذا القانون الّذي أُقرّ سنة 2012 وبدأ تطبيقه عام 2015، بعد سنواتٍ من العمل التشريعي، هدفَ إلى تحديث وتنظيم حركة السّير في لبنان، بما يتناسب مع التطوّرات العالميّة في مجال السّلامة المروريّة. لكن التنفيذ لم يلاقِ حجم الكوارث الّتي نشهدها على الطّرق، والحواجز الموقّتة الّتي تُقام بين الحين والآخر، سواء لضبط السّيّارات والدرّاجات النّاريّة غير المسجّلة أو مخالفات الزّجاج الدّاكن غير المرخّص أو غيرها، ليست كافية وتأثيرها محدود.
غرامات بلا تأثير وقانون بلا تطبيق
بعد فترةٍ من الموت السّريري، أُعيد إنعاش تطبيق قانون السّير، مع تسطير القوى الأمنيّة محاضر ضبط بحقّ عددٍ من السّائقين بسبب استخدام الهاتف أثناء القيادة، وقد بلغت قيمة الغرامة مليونَي ليرة لكلّ مخالف. مع التذكير أنّ المادّة 42 من قانون الموازنة العامّة لعام 2024، قضت بمضاعفة قيمة الغرامات الواردة في قانون السّير، بحيث تُضرب كلّ من المبالغ المحدّدة بعشرة أضعاف، على ألّا تقلّ قيمة الغرامة في مطلق الأحوال عن 250 ألف ليرة لبنانيّة.
هذا الإجراء الّذي لاقى استحسانًا، لا يجب أن يبقى وحيدًا، بل أن يُستكمَل بتطبيقٍ صارمٍ لقانون السّير. في هذا الإطار، يلفت مؤسّس ومدير جمعيّة “اليازا” للسّلامة المروريّة زياد عقل، في حديث لـ”هنا لبنان”، إلى أنّ “استخدام الهاتف أثناء القيادة يُعدّ مخالفةً خطيرةً جدًّا، والسبّب الأوّل لحوادث السّير في لبنان والعالم ككل، ومن هنا أهميّة التوعية حول هذه المشكلة والتشدّد في تطبيق القانون”.
ويعتبر أنّ “نسبة تطبيق قانون السّير ضئيلة جدًّا، ما يزيد الفوضى الّتي تتجسّد بمخالفاتٍ كبيرة، كما أنّ الجهات المعنيّة تسطّر محاضر متعلّقة ببعض مخالفات السّير، لكنّها ليست بالغة الأهميّة. في حين أنّ ما يعنينا ويهمّنا هو فرض غرامات تطال المخالفات الأبرز الّتي تسبّب الحوادث وتهدّد سلامة النّاس، مثل القيادة عكس السّير، تجاوز الإشارات الضّوئيّة، أو نقل الحمولة غير القانونيّة”، مركّزًا على “ضرورة إجراء مراجعة شاملة لكلّ الغرامات الواردة في القانون، لأنّها أصبحت زهيدة بعد التغيّرات الّتي طرأت على سعر العملة، وتطبيقها على جميع المواطنين من دون استثناء”.
ويؤكّد عقل أنّ “على وزارة الدّاخليّة والبلديّات الاضطلاع بدور أكثر فعاليّة على صعيد السّلامة المروريّة، ويجب أن تكون لقوى الأمن الدّاخلي قدرة أكبر على تطبيق القانون بشكل أفضل، وهذا ما نطالب به باستمرار. هذا فضلًا عن ضرورة أن تُعيد هيئة إدارة السّير والآليّات والمركبات العمل بالمعاينة الميكانيكيّة الإلزاميّة”. مع الإشارة إلى أنّ مراكز المعاينة أُقفلت في أيّار 2022، ما انعكس ارتفاعًا بعدد السّيّارات والآليّات المهترئة أو أقلّه غير المستوفية للشّروط، الّتي تشكّل تهديدًا يوميًّا للسّلامة العامّة.
لائحة الخطوات العاجلة والضّروريّة لوقف المآسي المروريّة، ليست خافية على أحد، لكن المطلوب وضعها قيد التنفيذ سريعًا، بعيدًا عن التأجيل والمماطلة اللّذين يسيطران على مختلف مفاصل الدّولة وقراراتها. وتتحرّك “اليازا” في هذا السّياق، إذ يوضح عقل أنّ “الجمعيّة تتعاون بشكل كبير مع وزارة الدّاخليّة ومع مختلف البلديّات، بهدف تحسين وتطوير السّلامة المروريّة على الطّرقات”، مبيّنًا أنّ “العديد من البلديّات المنتخَبة حديثًا جدّيّة وتقوم بجهود لتأمين السّلامة المروريّة، وعلى مختلف البلديّات وسلطات الوصاية عليها وضع هذا الملف على سلّم أولويّاتها”.
لا يَملك المسؤولون ترف الوقت للمماطلة في تطبيق قانون السّير وتفعيل نظام الغرامات الموجعة على المخالفين. فطرق لبنان تحوّلت مصيدةً للأرواح، وعدّاد الموت يرتفع بوتيرةٍ مخيفة، نتيجة تقصير وإهمال أجهزة الدّولة، الفوضى المستشرية، والتفلّت من أيّ احترام أو التزامٍ بالقانون. فهل سيتحمّل المعنيّون والسّائقون على حدّ سواء مسؤوليّاتهم، لكبح النّزيف على الطّرقات؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() لبنان يستقبل بابا الفاتيكان: رسالة سلام في لحظة مصيريّة | ![]() بين التلوّث والتدخين ونمط الحياة غير الصحي… لبنان يتصدّر بالسرطان! | ![]() التنمّر في لبنان: بين الألم الصّامت والتشريع المُنتظر! |