أوهام الانتحار المستعاد

الآتي أصعب. فالوهم لم يسقط، والقيادات ما زالت تتعامل مع الانتحار السياسي والعسكري كخيار مشروع أو كممر إجباري نحو “النصر”. لكن الحقيقة البسيطة تبقى أنّ الأوطان لا تُبنى على الانتحار، بل على العقل والمسؤولية وقراءة الواقع كما هو، لا كما يُراد له أن يكون
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
قد تنفع العودة إلى صباح السابع من تشرين الأول لتبيان حجم الرهان على الأوهام، وإلى أين قادت أصحابها. فذلك اليوم لم يكن مجرد حدث أمني أو عسكري، بل محطة كاشفة لوهم الانتصار قبل وقوعه، ولحسابات بُنيت على الإنكار بدل القراءة الواقعية للميدان ولتوازنات القوى.
يروي قائد الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني أنّ السيد حسن نصرالله قرر فتح جبهة الإسناد في الجنوب اللبناني، لكنه أجّل العملية إلى نهاية عطلة الأسبوع “كي لا يُربك الجنوبيين الذين يقصدون قراهم كل سبت وأحد”. قرار اتّكل على معادلة مفادها أنّ إسرائيل لا تريد حربًا كبرى، لكن النتيجة كانت عكس التقدير، ودُفع ثمنها قتلى ودمار وضربة للاقتصاد والناس.
ويكشف مسؤول لبناني أنه فور وقوع هجوم 7 تشرين، جرى تواصل مع الإدارة الأميركية، فأبلغ وزير الخارجية أنتوني بلينكن حكومة ميقاتي: “لا تتدخلوا، ونحن نضمن أنّ إسرائيل لن تمسّ لبنان”. لكن النار وصلت إلى الجنوب، والبلاد دخلت في مواجهة طويلة، فيما تراجعت الضمانات الأميركية تدريجيًا حتى تلاشت.
محور طهران راهن على عدم حصول هجوم بري في غزة، وكان رهانًا خاطئًا. راهن على أنّ نظام الأسد خرج نهائيًا من دائرة الخطر، وكان الرهان ناقصًا. ثم راهن على أنّ إسرائيل لن تذهب إلى حرب مع حزب الله، وأنّ الرد سيكون محدودًا، لكن تطورات الأشهر الماضية أثبتت أنّ هذا الرهان أيضًا يقود إلى الانتحار.
واليوم يتكرر المشهد. إسرائيل تعيد ترتيب صفوفها لاستئناف الحرب، فيما حزب الله يتحدث عن استعادة كامل قوته العسكرية، من دون أن يغيّر ذلك في قواعد الاشتباك أو في مسار الانزلاق التدريجي نحو الحرب. مشهد يعيد الذاكرة إلى أيلول 2024، حين ساد هدوء هشّ سبق العاصفة.
الآتي أصعب. فالوهم لم يسقط، والقيادات ما زالت تتعامل مع الانتحار السياسي والعسكري كخيار مشروع أو كممر إجباري نحو “النصر”. لكن الحقيقة البسيطة تبقى أنّ الأوطان لا تُبنى على الانتحار، بل على العقل والمسؤولية وقراءة الواقع كما هو، لا كما يُراد له أن يكون.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() جوزاف عون وتحدّي الإنقاذ! | ![]() قاآني.. خطاب الإنكار واستغلال “الحزب” كأكياس رمل | ![]() هل لبنان بعد غزّة؟ |