الحرب آتية… هبَّت رياحها؟!

الحزب نقل قادته الميدانيين إلى أميركا الجنوبية ليتولّوا تأمين شحنات مالية له لمساعدته على تمويل محاولة نهوضه مجدّدًا بعدما ضيَّقت عليه إسرائيل الخناق في لبنان بقصف معدات الحفر في المصيلح، كما ضيَّقت عليه قيادة الرئيس أحمد الشرع الخناق في سوريا بمصادرة كل ما هو مُعَدّ للتهريب إلى لبنان.
كتب محمد سلام لـ “هنا لبنان”:
على مدى 43 عامًا، عُرِفَ “حزب الله” بأنّه عدوّ أميركا الأول في الشرق الأوسط انطلاقًا من لبنان، بدءًا بخطف إحدى مجموعاته بأمر من إيران رئيس الجامعة الأميركية في بيروت ديفيد دودج في 19 تموز عام 1982 وتسليمه إلى القيادة الخمينية في طهران لتستخدمه في الضغط على أميركا لكشف مصير أربعة إيرانيين تَزعم أنّ القوات اللبنانية اختطفتهم على حاجز البربارة في شمالي لبنان أثناء محاولتهم الهرب إلى سوريا من الاجتياح الإسرائيلي.
واستمرّ “حزب الله” في تصعيد عدائه مع أميركا عبر تفجير السفارة الأميركية في بيروت مرتَيْن وخطف ثم قتل الضابط في مشاة البحرية الأميركية الكولونيل ويليام هيغنز العامل مع اليونيفيل في جنوب لبنان وتفجير مقرّ ثكنة قوة حفظ السلام الأميركية (المارينز) في بيروت ما أسفر عن مقتل 388 شخصًا بينهم 242 أميركيًا.
وبقي “حزب الله” محافظًا على مرتبة عدو أميركا الأول في الشرق الأوسط انطلاقًا من لبنان إلى أن نقل مؤخرًا قرابة 400 شخص من مسؤوليه الميدانيين مع عائلاتهم إلى فنزويلا، كولومبيا، البرازيل والإكوادور فارتقى أيضًا إلى مرتبة “عدو الولايات المتحدة على حافتها الجنوبية” حيث يحتفظ بعلاقات مميزة مع أعداء واشنطن ويحظى بامتيازات الحصول على حقوق ملكية مناجم ذهب في فنزويلا بالتعاون مع عدو أميركا الأول الرئيس نيكولاس مادورو المُتحالف مع كوبا وروسيا والصين وإيران.
فهل ستحارب واشنطن “حزب الله” في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط معًا بالتحالف مع إسرائيل والأوروبيين “الراغبين” وبصمت عربي يرقى إلى مستوى عدم الاعتراض، كي لا نقول التأييد، خصوصًا بعد تصريحات سفير أميركا لدى تركيا وموفدها إلى سوريا ولبنان توم باراك الملوِّحة بحربٍ في لبنان إذا تخلَّفت أو تعثَّرت المنظومة الحاكمة في مهمة تجريد “حزب الله” من سلاحه؟
الكشف عن انتقال “ميدانيي” حزب الله وعائلاتهم إلى أميركا اللاتينية سبق منشور باراك المُسهَب على منصة “إكس” وتحذيره من أنّ فشل لبنان في نزع سلاح “حزب الله” قد يدفع إسرائيل إلى تحرّك عسكري أحادي، معتبرًا أنّ العواقب ستكون “خطيرةً للغاية”.
وتوقَّع باراك اندلاع “مواجهة كبرى في “لحظة قوة إسرائيل وضعف الحزب المدعوم من إيران”، ما سيعزله سياسيًا مع دخول لبنان أجواء التحضير للانتخابات النيابية المقررة في شهر أيار عام 2026.
وحذَّر باراك من أنّ أي تأجيل للانتخابات سيُفهَم على أنّه “محاولة لتمكين “حزب الله” من ترسيخ سيطرته وتجنُّب المحاسبة على دمار الحرب” عبر إجراء الانتخابات في ظلّ احتفاظه بسلاحه ما سيؤثر في حظوظ المعارضة الشيعية بالفوز أو قدرتها أساسًا على الترشُّح لمنافسة “عدو” مسلَّح قتل العديد من رموزها.
الأجواء المرجَّحة لاندلاع حربٍ ضد “حزب الله” في لبنان تزامنت مع مناورات تُجريها قوات إسرائيل البرية والبحرية والجوية على حدودها الشمالية مع لبنان وعلى طول الساحل اللبناني من رأس الناقورة جنوبًا إلى مصبّ النهر الكبير في شمال لبنان، وتصاعد الغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف للحزب في جنوب لبنان ووادي البقاع الشرقي، كما مع تطوّر مُلفت في أداء المُسيّرات الإسرائيلية في أجواء بيروت.
وفي هذا الإطار، لاحظ دبلوماسي مُعتَمَد لدى إحدى البعثات في لبنان أن مُسيَّرتين إسرائيليتين حلقتا الإثنين لأكثر من 7 ساعات فوق منطقة “خليج الزيتونة” (Zeitouneh Bay) في بيروت مع تركيز على حركة اليخوت من وإلى المارينا السياحية.
ولفت الدبلوماسي العربي إلى أن إحدى المسيَّرتين بقيت مُحلِّقةً فوق الخليج ومُركِّزةً على المرفأ السياحي (المارينا) فيما تنقَّلت الثانية لمتابعة اليخوت المغادرة والعائدة.
وشدَّد الدبلوماسي على القول “إنّها كانت ملفتةً جدًا هذه المهمة التي ترصد للمرة الأولى هدفًا غير عسكري، بل يمكن أن يكون هدفًا ماليًا كاستلام أموال أو ذهب أو ألماس من إحدى البواخر خارج المياه الإقليمية اللبنانية ونقلها إلى لبنان”.
وأضاف: “لن يشكَّ أحد بيخت سياحي يُمارس ركَّابه هواية صيد السمك، لكنّ المهمة تعكس على الأرجح اهتمام مَن يديرون اليخت السياحي بنقل الأموال، سواء بغية التبييض إذا كان المنقول نقدًا، أو التمويل إذا كان المنقول ذهبًا أو ألماسًا”.
وكانت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” قد ذكرت أن السلطات الكولومبية اعتقلت عام 2008 شبكة تهريب مخدرات وغسيل أموال على صلة “بحزب الله”، قبل أن يعترف تاجر المخدرات الكولومبي من أصل لبناني وليد مقلّد بعد ثلاثة أعوام بالتعاون مع الحزب في تجارة الكوكايين.
كما كشف “معهد راند الأميركي” (RAND) المتخصّص بسياسة الاستخبارات والتخطيط بعيد الأمد والإرهاب، أنّ منظمات إجرامية تعمل في المثلّث الحدودي للبرازيل والأرجنتين والباراغواي، تُموِّل أنشطة “حزب الله”، مشيرًا إلى أنّ ملايين الدولارات يتلقّاها الحزب من أسد أحمد بركات المُدرَج على لوائح الإرهاب الأميركية، والمعروف بتعاملاته في مجال المخدرات، “والذي حصل على خطاب شكر من أمين عام الحزب (السابق) حسن نصر الله شخصيًا لتبرُّعه السخي لما يسمَّى صندوق شهداء المقاومة”.
يُذكَر أن “حزب الله”، ردًّا على اتهامه بتلقّي تمويل عبر الاتجار بالمخدرات وتبييض الأموال، يُصِرُّ على أنّه يحصل على مساعدات مالية من إيران ومُتبرِّعين وعبر مشاريع خيرية تديرها جمعيات تابعة له، ربّما كجمعية “رسالات” التي علَّقت الحكومة اللبنانية ترخيصها مؤخرًا لمخالفتها شروط السماح بنشاط “لحزب الله” في منطقة الروشة ببيروت.
وأدلت بريطانيا بدلوها في اتهام حزب الله بتلقّي أموال قذرة والتعاطي بتبييض الأموال.
وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية في 19 نيسان عام 2023 تقريرًا يزعم أنّ “حزب الله” يستخدم “الفن والاتجار بالقطع الفنية والألماس كغطاء لعمليات غسل أموال وتوفير التمويل اللازم، وهو ما دفع بريطانيا إلى فرض عقوبات على شخص يتاجر في القطع الفنية لصالح الحزب.
وجاء في تقرير الغارديان أنّ المدعو ناظم أحمد، الذي تعتبره الولايات المتحدة المُموِّل المالي الشخصي للأمين العام “لحزب الله” حسن نصر الله، يُشتبَه في قيامه بغسل أموال قذرة يمتلكها الحزب، … لذلك وضعته وزارة الخزانة البريطانية على قائمة العقوبات واتُّهِمَ في الولايات المتحدة باستخدام مجموعته الفنية، والتي تضمنت روائع بابلو بيكاسو وأنتوني غورملي وآندي وارهول، في أعمالٍ غير مشروعة.”
الدبلوماسي العربي شدَّد على ضرورة متابعة نشاط اليخوت المغادرة للمرافئ السياحية إلى خارج المياه الإقليمية اللبنانية لمعرفة ما إذا كانت تلتقي بقطعٍ بحرية وتتسلّم منها شحنات غير شرعية لتُساهِم في تمويل “حزب الله”.
وأوضح أن الحزب نقل قادته الميدانيين إلى أميركا الجنوبية ليتولّوا “تأمين شحنات مالية له لمساعدته على تمويل محاولة نهوضه مجدّدًا بعدما ضيَّقت عليه إسرائيل الخناق في لبنان بقصف معدات الحفر في المصيلح كما ضيَّقت عليه قيادة الرئيس أحمد الشرع الخناق في سوريا بمصادرة كل ما هو مُعَدّ للتهريب إلى لبنان”.
وشدَّد على أن إسرائيل تُعِدُّ لعملية عسكرية كبرى في لبنان عبر إنزالات مظلية على قمم سلسلتي الجبال الشرقية والغربية وتحريك دبابات إلى سهل البقاع من دون اللجوء إلى التشطير الأفقي الذي يُعتَمَد في حالات الاجتياح عبر جبهات عريضة، على أن يتولّى سلاح البحر تنظيف الساحل من المواقع الإرهابية.
فهل ستصدُقُ توقّعات الدبلوماسي العربي العتيق عن هبوب ريح الحرب وسُمومِها؟!.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() ماذا ينتظر لبنان بعد سلام غزة؟ | ![]() سوريا تحرّرت ولبنان بقي محتلًّا | ![]() من انتصر ومن انهزم على صخرة الروشة |