رئيس الجمهورية رجل الدبلوماسية الهادئة في الزمن الصعب


خاص 30 تشرين الأول, 2025

قد لا يقدّم الرئيس عون نفسه زعيمًا سياسيًا، بل حارسًا للوحدة الوطنية ومسؤولًا عن منع الحرب مهما كانت الضغوط، ورجل المهمّات المعقّدة في الزمن الصعب، والرجل المناسب الذي افتقده لبنان منذ زمن.

كتبت إليونور أسطفان لـ”هنا لبنان”:

في ظلّ الظروف الدقيقة التي يعيشها لبنان، وسط أزمات سياسية واقتصادية وأمنية متشابكة، يبرز دور رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون كعنصر توازنٍ أساسيّ في المشهد اللبناني. فمنذ انتخابه في كانون الثاني 2025 بعد فراغ رئاسي دام أكثر من عامين، اتّضح أنّ الرجل القادم من المؤسسة العسكرية يحمل معه نهجًا مختلفًا في مقاربة الملفات الوطنية، يقوم على تدوير الزوايا وتكثيف الاتصالات الداخلية والخارجية لتجنيب لبنان الانزلاق إلى حربٍ جديدةٍ.

تشير مصادر سياسية متابعة إلى أنّ الرئيس عون أدرك منذ اليوم الأول لتسلّمه مهامّه أن عهده لن يكون سهلًا. فلبنان الخارج من سنوات من الانقسام السياسي والتدهور الاقتصادي، يحتاج إلى قيادةٍ تُعيد الثقة بين المكوّنات الداخلية وتُرمّم العلاقات مع الخارج التي تدهورت في العهود السابقة نتيجة اصطفاف لبنان في محورٍ مقابل محورٍ آخر.

يعرف اللبنانيون أنّ أيّ خلاف سياسي يمكن أن يتحوّل إلى أزمة تهدّد السلم الأهلي. ومن هنا برزت أهمية أسلوب الرئيس عون في “تدوير الزوايا”، أي تقريب وجهات النظر وتخفيف حدّة المواجهة بين القوى المتنازعة.
فقد بادر منذ أسابيعه الأولى إلى جمع ممثلي الكتل السياسية في القصر الجمهوري لمناقشة الوضع في الجنوب اللبناني وسبل تثبيت الاستقرار، مؤكدًا أنّ “لبنان لا يحتمل حربًا جديدةً”. كما أجرى سلسلة لقاءات تشاورية غير معلنة مع القوى النيابية لتسهيل إقرار مشاريع اقتصادية ومالية أساسية، في مقدّمها قانون إعادة هيكلة المصارف.
وعلى الصعيد الأمني، ترأس العماد عون اجتماعات طارئة للمجلس الأعلى للدفاع لمواكبة التوتّرات الحدودية والتظاهرات الشعبية، مشدّدًا على ضرورة التعامل مع الشارع “بحكمة وضبط أعصاب”، تفاديًا لأي صدام داخلي.

هذا على الصعيد الداخلي، أمّا على الصعيد الخارجي، فلم يُوفّر الرئيس عون مناسبةً إلا وطرح فيها الأزمة اللبنانية، حيث أطلق سلسلة اتصالات دبلوماسية واسعة هدفها تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية واستقطاب دعم دولي لاستقراره.
فالرئيس عون حمل الملف اللبناني إلى أعلى المنابر وجعله ملفًا أساسيًا على طاولات البحث الدولية، انطلاقًا من تمسّكه بعلاقات لبنان التاريخية ورفضه تحويل أراضيه إلى ساحة نزاعٍ بالوكالة، مشدّدًا على أهمية دور الرئاسة في الحفاظ على السلم الأهلي ودعم الحوار الوطني.

وقد ساهمت سياسة التهدئة التي انتهجها الرئيس عون في احتواء التوتّر الجنوبي خلال الصيف الماضي، وتفعيل آلية مراقبة الحدود وتثبيت وقف إطلاق النار، وتعزيز التنسيق بين الجيش والأجهزة الأمنية، فتمّت السيطرة على حوادث أمنية محدودة كادت أن تتفاقم في البقاع والشمال.

وسط كلّ هذه الجهود، لا تزال أمام الرئيس عون تحدّيات جسيمة. فالضغوط الإقليمية على لبنان تتزايد، والانقسام الداخلي لا يزال قائمًا، والاقتصاد يرزح تحت عبء الانهيار المالي. كما أنّ مسألة السلاح غير الشرعي تبقى عقدةً أساسيةً أمام استكمال بناء الدولة القوية. لكنّ الرئيس يواصل، بحسب مقرّبين منه، التعويل على الحوار والاعتدال كطريقٍ وحيدٍ لتجنّب الفوضى، فهو مصمم على المحافظة على ما تبقّى من استقرار عبر الهدوء والدبلوماسية والحكمة.

قد لا يقدّم الرئيس عون نفسه زعيمًا سياسيًا، بل حارسًا للوحدة الوطنية ومسؤولًا عن منع الحرب مهما كانت الضغوط، ورجل المهمّات المعقّدة في الزمن الصعب، والرجل المناسب الذي افتقده لبنان منذ زمن.

وبينما تبقى التحدّيات مفتوحةً، يعلّق اللبنانيون آمالهم على أن ينجح رئيسهم في ترسيخ ثقافة الدولة والحوار، ليبقى لبنان بمنأى عن الحرائق المشتعلة في الإقليم، وتبقى الرئاسة مركز توازنٍ وسلامٍ في وطنٍ يحتاج إلى الكثير من الحكمة كي يبقى واقفًا.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us