من يحرّر لبنان من قبضة “السلاح”؟!


خاص 3 تشرين الثانى, 2025

المساعي اللبنانية إلى التفاوض، تبدو في نظر إسرائيل مجرّد محاولاتٍ شكليةً لا تلقى آذانًا صاغيةً. فتل أبيب ماضية في مشروعها لفرض منطقة آمنة جنوب الليطاني، خالية من أي نشاط عسكري يهدّد مستوطنيها.

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

لا يتقدّم اليوم على الساحة اللبنانية ما هو أهم من وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على الأراضي اللبنانية. غير أنّ هذه الاعتداءات تتغذّى من المناخ الداخلي نفسه، ومن المواقف التصعيدية لـ”حزب الله” التي تُضعف الدولة وتنتقص من سيادتها وتُقوّض ما تبقّى من مؤسّساتها.

فمصادرة قرار الحرب والسلم وتوريط لبنان في مشاريع المقاومة وحروبها العبثية، انتقلت إلى مرحلةٍ جديدةٍ مع محاولة الحزب فرض شروطه في زمن السلم، والحلول محلّ الدولة، بل وإملاء توجّهاته على المسؤولين وتقييد خياراتهم في التعامل مع الأزمة الراهنة مع إسرائيل.

في المقابل، تتواصل الانتهاكات الإسرائيلية بلا توقّف، تطال البشر والحجر، ولا تُغفل بطبيعة الحال مخازن السلاح. كلّ ذلك يجري وسط حراك دبلوماسي ناشط لموفدين دوليين يسعون إلى إعادة القرار اللبناني إلى مؤسّسات الدولة، وتحرير البلاد من قبضة السلاح غير الشرعي.

إلّا أنّ المعضلة الكبرى تبقى في مقاربة “حزب الله” لأي تفاوض مع إسرائيل باعتباره إذعانًا لشروطها، فيما يرى الطرفان – الحزب وتل أبيب – أن ما لم يُنتزع في الحرب لا يمكن التنازل عنه على طريق التفاوض. وبين هذين الموقفين، يضيع اللبنانيون التوّاقون إلى قيام دولة حقيقية تضع حدًّا لارتباط مصيرهم بأجندات الخارج ومصالح القوى الإقليمية، قبل أن تشكّل مُزايدة البعض في الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية توريطًا متماديًا للبنان.

وتبرز المفارقة في تبدّل مواقف الحزب نفسه. فبينما أبدى سابقًا مرونةً في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، في مرحلةٍ كانت فيها إيران تسعى إلى كسب ثقة المجتمع الدولي، نجده اليوم يتشدّد في الرفض، انسجامًا مع الموقف الإيراني الرافض للحوار مع واشنطن واستمرار طهران في تخصيب اليورانيوم. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بوضوح: “لن نقبل بنزع سلاحنا، وما لم يُنتزع بالحرب لن يُمنح بالسياسة”.

وإذا كان من حقّ إيران أن تعتمد ما تراه مناسبًا لمصالحها، فليس من المقبول أن يواصل “حزب الله” رهن لبنان بسياساتها الخارجية، وتحويله ورقة تفاوض في صراعاتها. فكما أعلن عراقجي، “إيران لا تميل إلى الحوار المباشر مع واشنطن، والتقدّم ممكن فقط عبر مفاوضات غير مباشرة”، وهي المعادلة التي يحاول الحزب تكريسها على الساحة اللبنانية.

على الضفة الأخرى، يواصل الموفد الأميركي إلى لبنان وسوريا توم بارّاك، ضغوطه على الطبقة السياسية، محذّرًا من أنّ “الوقت يضيق أمام لبنان”، ومشدّدًا على ضرورة “حصر السلاح سريعًا”. وقد ألمح في أكثر من مناسبة إلى أنّ لبنان بات “دولةً فاشلةً”، فيما تواصل إسرائيل قصف مواقع الحزب في الجنوب، وسط تهديدات متكرّرة من وزير الدفاع الإسرائيلي بأنّ “حزب الله يلعب بالنار”، في ظلّ تلكؤ السلطات اللبنانية عن تنفيذ التزاماتها ونزع سلاح “الحزب”.

أمّا المساعي اللبنانية إلى التفاوض، فتبدو في نظر إسرائيل مجرّد محاولاتٍ شكليةً لا تلقى آذانًا صاغيةً. فتل أبيب ماضية في مشروعها لفرض منطقة آمنة جنوب الليطاني، خالية من أي نشاط عسكري يهدّد مستوطنيها. ويُفسَّر في هذا الإطار رفضها لا بل تجاهلها محاولة لبنان إشراك مدنيين في لجنة ترسيم الحدود البرية، إلى جانب الوفد العسكري العامل ضمن آلية مراقبة وقف الأعمال العدائية “الميكانيزم”.

لقد تجاوزت إسرائيل منذ زمن مرحلة البحث عن اعترافٍ عربي بها. فـ”اتفاقات أبراهام” ومؤتمر السلام في شرم الشيخ رسّخا حضورها كدولةٍ قائمةٍ ومعترفٍ بها في العالمَيْن العربي والإسلامي. أمّا لبنان، فيغرق أكثر فأكثر في حساباته الضيّقة وصراعاته الداخلية، وهو أسير قرارات “حزب الله” وخياراته التي باتت تتجاوز حدود الوطن. إنّ التفاوض، أكان مباشرًا أم غير مباشر، لن يوقف الاعتداءات الإسرائيلية ما دامت التهديدات الصادرة من “الحزب” تجد صدى لدى المسؤولين اللبنانيين. فالمعضلة الحقيقية لا تكمن في إسرائيل وحدها، بل في عجز الدولة عن التحرّر من وصاية السلاح، واستعادة قرارها الحرّ. ومن هنا يبدأ الطريق نحو الحلّ.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us