المحاكمات من داخل “رومية” عدالة أسرع واكتظاظ أقلّ!

شكّل نقل المحاكمات إلى سجن “رومية” خطوةً إصلاحيةً جريئةً تعزّز العدالة السريعة وتخفّف الاكتظاظ في السجون، بما يرسّخ ثقة السجناء والمجتمع بجدّية القضاء اللبناني وفعّاليته، وتُعدّ هذه التجربة رائدة في معالجة أزمة السجون في لبنان، إذ تُسهم في تنظيم عمل القضاء وتحسين ظروف العدالة.
كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:
عكست مسألة نقل المحاكمات إلى داخل سجن “رومية” المركزي نجاح القضاء اللبناني في تحقيق نقلةٍ نوعيةٍ على صعيد الإسراع بالبت في الملفات العالقة. فانتقال الهيئات الثلاث التابعة لمحكمة جنايات جبل لبنان إلى سجن رومية، سهّل عملية الفصل في مئات الدعاوى وضمان حق السجناء في محاكمةٍ عادلةٍ ضمن مهلة زمنية معقولة.
المشروع الذي أطلقته وزارتا العدل والداخلية، بالتعاون مع نقابتَيْ المحامين في بيروت والشمال، وموّله الاتحاد الأوروبي بكلفة مليونين ونصف المليون دولار، يُتيح إجراء المحاكمات من داخل قاعات خاصة في سجن رومية مُجهّزة بوسائل تقنية وأمنية حديثة تضمن حضور القضاة والمحامين والموقوفين بأمان.
المبنى المستحدث تبلغ مساحته 1300 متر مربع، ويضمّ العديد من المكاتب المخصّصة للقضاة والمحامين، وممرّات آمنة لسَوْقِ الموقوفين، وقاعة محكمة مجهّزة بأقفاص من زجاج مضادّ للرصاص. كما يمكن للسجين الذي يشعر بأيّ خطر أن يخضع للاستجواب عبر نظام المحاكمة عن بُعد من خلال شاشة خاصة.
وبحسب مصدر قضائي، “تُعدّ هذه التجربة رائدةً في معالجة أزمة السجون في لبنان، إذ تُسهم في تنظيم عمل القضاء وتحسين ظروف العدالة، وترسّخ مبدأ العدالة السريعة التي تُعتبر من ركائز حقوق الإنسان”.
وأضاف المصدر أنّه “تمّ عقد جلسات متتالية ومكثّفة تمكّنت من خلالها هيئات المحكمة من إنجاز مئات الملفات، سواء على مستوى الاستجوابات والاستماع إلى الشهود وعرض الأدلّة، أو على صعيد إصدار الأحكام في القضايا العالقة، وقد شمل ذلك إطلاق سراح عشرات الموقوفين والنظر في طلبات إخلاء سبيل عدد كبير منهم، ما يُظهر بوادر إيجابية أولية نحو تخفيف الاكتظاظ في السجون، ولا سيما في سجن رومية، ورفع المظلومية عن السجناء الذين ما زالوا موقوفين منذ سنوات طويلة”.
حماية أمنية للقضاة والمحامين والسجناء
وأوضح ممثّل نقابة المحامين، المحامي جوزيف عيد، لـ “هنا لبنان” أنّ “محكمة الجنايات في بعبدا تعمل حاليًا بثلاث هيئات: الأولى برئاسة القاضي إيلي حلو، والثانية برئاسة القاضية زلفا الحسن، والثالثة برئاسة القاضية رانيا يحفوفي. وقد تمكّنت هذه الهيئات من الفصل في مئات الدعاوى خلال فترة زمنية قصيرة”، موضحًا أنّ عملها يتوزّع بين ثلاثة أيام في الأسبوع، و”أنّه خلال شهر واحد قبل العطلة القضائية، عُقدت 16 جلسة تمّ النظر خلالها في 422 ملفًا، أُنجز نحو 230 منها، أي أكثر من نصفها”.
وأشار عيد المُشرف على عمل المحكمة، إلى أنّه “تمّ خلال هذه الفترة سوق نحو 400 موقوف، ولم يُسجّل غياب أيٍّ منهم، فيما توفّرت الحماية الأمنية الكاملة لحضور القضاة والمحامين”.
وأضاف “أنّ النسبة الأكبر من الموقوفين موجودة في سجن رومية المركزي، كما أنّ معظم الدعاوى القضائية تتبع لمحكمة جبل لبنان، ومن هنا جاء قرار نقل محاكم بعبدا إلى رومية بمعدّل ست ساعات عمل أسبوعيًا للمحاكم الثلاث”. وأوضح أن “هذه الخطوة ستُعمّم لاحقًا على محاكم أخرى، لما لها من أثر مباشر في تقليص نسبة الاكتظاظ في السجون، الذي بات يشكّل قنبلةً موقوتةً صحيةً وأمنيةً وغذائيةً، إذ تجاوزت نسبة الاكتظاظ في رومية 340%، فيما تبلغ نسبة الموقوفين من دون محاكمات نحو 83%”، مُشدّدًا على “أنّ النقابة تسعى إلى تحقيق العدالة السريعة وتفعيل المادتَيْن 108 و111 من قانون أصول المحاكمات الجزائية المتعلقتَيْن بإخلاء السبيل وتحديد مدّة التوقيف الاحتياطي”.
وتيرة سريعة وإخلاء 60 موقوفًا
وبحسب مصدر قضائي آخر تحدّث إلى “هنا لبنان”، فإنّ المحاكم والجلسات شهدت وتيرة عمل سريعة وفعّالة على صعيد الاستجوابات والمحاكمات المتعلّقة بمئات الموقوفين، ما انعكس ارتياحًا في الأوساط القضائية، وساهم في بثّ الاطمئنان لدى السجناء الذين باتوا واثقين من أنّ ملفاتهم تسير بجدّية نحو الحل والمعالجة.
وأضاف المصدر: “أبلينا بلاءً حسنًا في موضوع نقل الجلسات إلى داخل سجن رومية، وقد بتّت المحاكم حتى الآن بطلبات إخلاء سبيل أكثر من ستين موقوفًا، ونسعى إلى نقل هذه التجربة إلى سجون أخرى مثل طرابلس وزحلة والنبطية. هذا الأمر قيد البحث مع وزارة الداخلية وإدارة السجون لتأمين غرف مخصّصة للمحاكم، بالتعاون مع نقابتَيْ المحامين أيضًا”.
هل تُنقل جلسات “العسكرية”؟
أمّا فيما يتعلّق بإمكانية نقل جلسات المحكمة العسكرية إلى سجن رومية، فأوضح المصدر أنّ “هذا الموضوع نوقش بشكلٍ موسّعٍ مع الجهات المختصّة، وقد أبدت المحكمة العسكرية تجاوبًا، لكنّها أوضحت أنّها لا تواجه صعوبةً في سوق الموقوفين إليها، وبالتالي لا مشكلة في استمرار جلساتها في مقرّها الحالي. كما أنّ نقل هيئة المحكمة العسكرية إلى سجن رومية غير ممكن لأسبابٍ عدّةٍ، منها أنّ المحكمة تعقد يوميًا عشرات الجلسات وتبتّ بعشرات الدعاوى التي تضمّ مدعى عليهم غير موقوفين، وغالبية هذه القضايا هي جرائم جنحية، ما يجعل من المستحيل أن يتوجّه المدعى عليه غير الموقوف إلى سجن رومية لمحاكمته هناك”.
شكّل نقل المحاكمات إلى سجن رومية خطوةً إصلاحيةً جريئةً تعزّز العدالة السريعة وتخفّف الاكتظاظ في السجون، بما يرسّخ ثقة السجناء والمجتمع بجدّية القضاء اللبناني وفعاليته.
مواضيع مماثلة للكاتب:
ضابط و”قاضية” يستوليان على أموال مغترب لبناني | سجناء لبنان غاضبون من الاتفاق.. والسوريون يخشون الاستثناءات | فضل شاكر يطوي معاناة “اللجوء”… وهذا هو مسار محاكمته |




