لِماذا يُمكن للشباب اللبناني أن يكونَ المحرّك الحقيقيّ لمكافحة الفساد؟!


خاص 4 تشرين الثانى, 2025

مشروع الشباب هو أن يطلب معلومةً مكتوبةً، يُراقب مناقصةً واحدةً، يُعدّ ضبوطة بيانات بسيطة، ويُبلغ بلاغًا موثّقًا — كلٌّ منها حجارة لبناء سقف شفافيّة ونزاهة عالية. فكلّما تحوّلت المسارات من شعارات إلى مؤشّرات، انكمشت “مساحات الظل” التي سمحت بانبثاق الهدر والزبائنيّة.

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

في لبنان اليوم، حيث يظهر الرقم 22/100 على مؤشّر مدركات الفساد لعام 2024 وترتيب 154 من أصل 180 دولة، لا تُشكّل هذه الأرقام مجرّد إحصاءاتٍ، بل نداءً عاجلًا لجيلٍ شابٍ يملك القدرة على تحويل الوعود التشريعية إلى ممارسات يومية قابلة للقياس.

الحقّ بالمعلومة… نحو عادة مدنيّة: بصدور قانون حقّ الوصول إلى المعلومات رقم 28/2017 (مع تعديلاته)، أصبح بإمكان كلّ طالبٍ أو ناقدٍ أو ناشطٍ أن يطلب وثائق من الوزارات أو البلديّات ضمن شروط واضحة. ولكنّ التنفيذ يُشير إلى تفاوتٍ كبيرٍ بين المؤسّسات: بحسب التقرير السنوي الأول لـ”الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” (National Anti-Corruption Commission – NACC) لعام 2023، ليست كل الإدارات مُلزَمةً بعد بالنشر أو الاستجابة خلال الآجال القانونية. لذا، يمكن للأندية الطالبيّة تنظيم حملات “طلبات معلومة” وقياس زمن الاستجابة، ونشر “تصنيفات امتثال” للإدارات، كأداة ضغط مدنيّة فعّالة.

حماية المبلّغين… من النصّ إلى الواقع: يُعدّ قانون حماية كاشفي الفساد رقم 83/2018 خطوةً مهمّةً، لكنّ التحليل القانوني – الجماهيري يُشير إلى “ثغراتٍ في الميزانيّة والتنسيق” تُعيق فعاليّة الحماية كاملةً. على الشباب والناشطين أن يصيغوا نماذج بلاغات مُبسّطة، ويعملوا مع عيادات قانونية طلابيّة لتسهيل التبليغ الآمن، وتوثيق الحالات التي أدّت إلى تحقيقات أو إصلاحات، ممّا يُعزّز الثقة بأن النظام ليس ورقيًّا فقط.

تتبّع الذمّة والمصالح… نحو خرائط واضحة: قانون التصريح عن الذمّة والمصالح رقم 189/2020 يوفر إطارًا رهن التنفيذ، لكنّ العمل الجامعي ـ الحقوقي يمكن أن يُحوّله إلى أداة مراقبة منتظمة: تحليل السجّلات، المقارنات بين التصاريح والمناقصات، ورسم “خرائط تضارب المصالح” تُنشر كملفّ مفتوح للجميع.

الشراء العام: البوّابة الكبرى للنزاهة: يُعدّ قانون الشراء العام رقم 244/2021 محطةً إصلاحيّةً أساسيّةً، لكنّه ما زال يتعامل مع تأخيرات تنفيذية (تقرير كانون الثاني 2024 يُشير إلى بطءٍ “progress is slow” في إنجاز اللّوائح التنفيذيّة والمنصّة الإلكترونية). هنا تدخل الفرق الطالبيّة والمُختبرات الجامعيّة — قانون محاسبة، واقتصاد — لتراقب عدد المناقصات ذات عرض واحد، وتدقيق آجال الاعتراض، ثم تنشر تقريرًا فصليًا يُقارَن بالماضي ويقترح توصيات.

الرقابة البياناتيّة: أدوات جاهزة للتنفيذ: منصّة “IMPACT” المفتوحة بياناتيًّا تُتيح بناء لوحات متابعة تحمل مؤشّراتٍ مؤسّساتيّةً وزمنيّةً قابلة للعرض البصري. يُمكن لطلاب المعلوماتيّة والمحاسبة أن يصنعوا لوحة تحكّم “داشبورد” (Dashboard) تضع بين يَدَيْ المواطن العادي صورةً دقيقةً لأداء البلديّات/الوزارات — خطوة تُحرج الإدارات وتساعد الصُحافة والنيابة والمجلس النيابي.

الإصلاح المالي والمعايير الدوليّة: إنّ إدراج لبنان في القائمة الرماديّة لـ”FATF” والتعديلات المقترحة على قانون السريّة المصرفيّة (بما يوسّع صلاحيات الرقابة على الحسابات) تجعل مكافحة الفساد شرطًا ليس أخلاقيًا فقط، بل اقتصاديًا ومُفصليًا. يُمكن للشباب أن ينتبه إلى هذا الربط: كلّ معاملة عامّة شفّافة = ثقة مصارف = ودائع = استثمار.

بناء البنية التحتيّة المدنية: من الحراك إلى نظام دائم. اقتراح: عيادات قانونية طلابيّة، حاضنات “GovTech” تبتكر حلولًا للتوثيق والمراقبة، وحدات تدقيق مجتمعي داخل الجامعات تُخرِج تقارير مؤشّرات فصلية، وتتشاركها مع وسائل الإعلام والشركاء.

مؤشّرات قابلة للقياس (KPIs) في الفصل أو في السنة:

– عدد طلبات الوصول إلى المعلومات المُرسَلة والمُجابَ عليها، ومتوسّط وقت الاستجابة.

– نسبة الجهات (وزارات، بلديّات، مؤسّسات عامة) التي نشرت خطط الشراء/نتائج المناقصات.

– عدد المناقصات المعروضة لمرّة واحدة ونسبتها من الإجمالي.

– عدد البلاغات المُقدّمة إلى “NACC” أو النيابة العامة، وعدد التي انتهت بإجراءات.

– عدد المشاريع الصحافيّة/الجامعيّة المبنيّة على بيانات مفتوحة، منشورة ومُشارَكة، مع رابط الملفّ الكامل.

– أخلاقيّات العمليّة من القاعدة إلى القمّة: لا يكفي أن نطلب النزاهة من الآخرين، بل نُمارسها في الانتخابات الطالبية، في إدارة صندوق النادي، في الامتحانات الجامعيّة، في رفض الزبائنيّة (wasta). حين تصبح النزاهة عادةً يوميّةً، تكتسب المطالَبة بها شرعيّة أكبر.

خلاصة نهائية للتنفيذ: القوانين متوفّرة، والمنصّات تعمل، والمعايير الدوليّة تضغط. لكنّ الفارق الحقيقي اليوم يكمن في “كيف يجعل الشباب هذه الأدوات عادةً؟”. مشروع الشباب هو أن يطلب معلومةً مكتوبةً، يُراقب مناقصةً واحدةً، يُعدّ ضبوطة بيانات بسيطة، ويُبلغ بلاغًا موثّقًا — كلٌّ منها حجارة لبناء سقف شفافيّة ونزاهة عالية. كلّما تحوّلت المسارات من شعارات إلى مؤشّرات، انكمشت “مساحات الظل” التي سمحت بانبثاق الهدر والزبائنيّة. لبنان بحاجةٍ  —  وليس خصومي  —  إلى جيلٍ شابٍّ يتحوّل من منتظِر إلى ناشط منظّم، من متلقٍّ إلى صانِع تغييرٍ ملموسٍ، هنا والآن.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us