شطب رساميل المصارف يُطيّر الودائع: سعيد في مواجهة شروط صندوق النقد حمايةً للمودعين

خاص 6 تشرين الثانى, 2025

وضع حاكم مصرف لبنان كريم سعيد النقاط على الحروف بإعلانه أنّ الأزمة في لبنان ليست ماليةً، بقدر ما هي أزمة نظام وقع القطاع المصرفي ضحيتها، هذا ما قاله سعيد بصراحة خلال جلسة مجلس النواب المخصّصة لمناقشة مشروع موازنة عام 2025، بتأكيده أن “الأزمة هي أزمة نظامية (Systemic Crisis)، وليست أزمة قطاع مصرفي بحدّ ذاته”.

وليس بعيدًا عن كلام سعيد، ما قاله وزير المال ياسين جابر أمام مؤتمر اتحاد المصارف العربية المنعقد الخميس 18 أيلول 2025، حين أوضح أنّ “الأزمة الأخيرة اختلفت عن سابقاتها لتشمل كامل النظام المصرفي، من خلال انضمام المصرف المركزي إلى عناصر الأزمة، وأصبحت أيضًا أزمة نظام مالي بعد أن اتخذت الحكومة اللبنانية في نيسان 2020 قرارًا بالتوقّف عن سداد ديونها المُحرّرة بموجب سندات دولية متداولة بالعملة الأجنبية”.

تصريحات سعيد وجابر تحدّدان بوضوح لا لبس فيه هوية الأزمة في لبنان، فيما تأتي هذه التصريحات في وقتٍ تدفع بعض الأوساط السياسية إلى “الخنوع” للشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي، كحلٍّ وحيدٍ لإخراج لبنان من أزمته وإنقاذه.

وفي مواجهة هذه التبعية لصندوق النقد، برز موقف الحاكم كريم سعيد، بتبنّيه توجّهًا إصلاحيًا مختلفًا يهدف إلى حماية أموال المودعين ولحماية أيضًا ما تبقّى من ثقة بالنظام المصرفي.

غير أنّ هذا التوجّه الإصلاحي، الذي يقوم على مقاربة واضحة لناحية إيجاد حلٍّ عادلٍ وتدريجيٍّ لأزمة المودعين ووضع خطة إصلاحيّة شاملة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، استفزّ الدوائر المالية والسياسية المقرّبة من صندوق النقد، ما دفعها لشنّ حملة شعواء على الحاكم.

قانون النقد والتسليف واضح… معالجة الودائع مسؤولية الحكومة!

في سياق كلّ ما سبق، عاد قانون النقد والتسليف ليحسم حدود دور مصرف لبنان في الأزمة: فالمصرف مستقلّ وفق المادة 13، ومهمّته وفق المادتَيْن 70 و72 تقتصر على الحفاظ على الاستقرار النقدي والمصرفي، لا تحمُّل خسائر الدولة. كما تؤكد المواد 81 إلى 92 أنّ تمويل الدولة استثناءٌ ظرفي، فيما تُلزم المادة 113 الحكومة بإعادة رسملة المصرف إذا أصبح رأس ماله سلبيًا.

وعلى الرغم من وضوح هذه الأحكام، تتجه الضغوط الدولية نحو تجاهل مسؤولية الدولة عن الخسائر، عبر دفع صندوق النقد إلى خطةٍ تقوم على شطب رساميل المصارف وتحميل المودعين القسم الأكبر من الفجوة، مع تعويضٍ لا يتجاوز 75 مليون ليرة لكلّ مودع، ما يعني عمليًا تصفية المصارف وإنشاء مصارف جديدة بلا التزامات تجاه الودائع القديمة.

ويتفاقم الخلاف حول دينٍ بقيمة 16.5 مليار دولار يُطالب به مصرف لبنان الدولة، كانت قد استخدمته وزارة المالية لتمويل استحقاقات و”يوروبوندز” مقابل قيد دينٍ موقت، قبل أن تتراجع عن الاعتراف به بعد انهيار سعر الصرف.

كما يجري الحديث عن “تدقيقٍ رجعيٍّ” منذ 2017 بلا معايير واضحة، ما يفتح الباب للمزيد من تبرير شطب الودائع، في ظلّ تغييب المصارف والمودعين عن مفاوضات ردم الفجوة المالية.

في هذا السياق، يأتي التحذير من تجاهل أسئلةٍ أساسيةٍ: من يسدّد الودائع في حال تطيير المصارف والإتيان بمصارف جديدة؟ هل تتحمّل المصارف الجديدة هذه التكلفة؟ وكيف تُحفظ علاقة المصارف بالمراسلة الدولية؟ ومن سيموّل الاقتصاد في مرحلة التعافي؟

باختصار، الأزمة اليوم ليست فقط فجوة مالية، بل معركة حول مَن يتحمّل الكلفة: الدولة كما يفرض القانون… أم المودعون الذين يدفعون الثمن منذ 2019؟.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us