رائد خوري يحذّر: تطيير المصارف والودائع “كارثة” تهدّد الاقتصاد اللبناني


خاص 8 تشرين الثانى, 2025

المصارف والمودعون في صفٍّ واحدٍ وكلاهما أصحاب حق، لأنّهما الدائنان للدولة وللمصرف المركزي. لا يمكن تجاوزهما في صياغة الحلول، ولا يمكن تحميلهما مسؤولية أزمة تسبّبت بها الدولة عبر سياساتها المالية والإنفاق العشوائي، فالدولة هي المستفيد الأكبر من الأزمة.

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

في ظلّ الانهيار المالي المستمرّ وتفاقم الخسائر التي لم تُحسم وجهة توزيعها بعد، تتّجه الأنظار مجدّدًا إلى المفاوضات العالقة بين الحكومة اللبنانية و”صندوق النقد الدولي”، وسط تضارب في المقاربات الرسمية حول كيفية معالجة الأزمة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.

لا يُراعي صندوق النقد الدولي خصوصيّة الوضع اللبناني المعقّد، الذي يختلف جذريًا عن تجارب الدول الأخرى، وأنّ تطبيقها بحرفيّتها قد يؤدي إلى تدمير ما تبقّى من القطاع المالي. وهنا يعود الحديث بقوّة عن مستقبل المصارف اللبنانية، وعن مشاريع لإعادة هيكلتها أو استبدالها بمصارف جديدة، ما يثير قلق المودعين والعاملين في القطاع ويطرح تساؤلات حول مدى واقعية هذه الطروحات وقدرتها على استعادة الثقة.

في هذا السياق، يوضح وزير الاقتصاد الأسبق رائد خوري، في حديث لموقع “هنا لبنان”، “أنّ مقاربة صندوق النقد الدولي للأزمة اللبنانية، والتي تتضمّن تحميل الجزء الأكبر من الخسائر للقطاع المصرفي وتطيير الرساميل والمصارف والودائع تمهيدًا لإنشاء مصارف جديدة، تبقى في إطار الطرح النظري البعيد عن الواقع اللبناني”. وقال خوري إنّ “صندوق النقد يسعى فعليًا إلى تحميل القطاع المصرفي الجزء الأكبر من الخسائر، لكن ذلك لا يعني إطلاقًا أنّ لبنان سيسير عشوائيًا خلف طروحاته، فلكلّ بلد خصوصيّته، ولا يمكن نسخ حلول خارجية على واقع مختلف جذريًا كلبنان”.

وأضاف: “المطلوب اليوم قبل كل شيء توحيد الموقف اللبناني بين وزارة المالية ووزارة الاقتصاد ومصرف لبنان وجمعية المصارف ورئاسة الحكومة. فالصندوق يتعامل مع دولةٍ واحدةٍ، لا مع أطراف مُتناحرة. وكلّما كان الموقف الداخلي متماسكًا وموحدًا، كانت المفاوضات أقوى وأكثر جدوى. وقد أثبتت التجارب أنّ الصندوق عدّل مواقفه أكثر من مرة عندما واجهه الجانب اللبناني بحجج منطقية ورؤية واضحة تخدم مصلحة الاقتصاد الوطني”.

وأوضح أن صندوق النقد “ليس سلطةً يمكنها أن تملي قراراتها، بل جهة تفاوضية قابلة للأخذ والردّ”، مشدّدًا على أنّ “الصندوق نفسه يعترف بأن الأزمة اللبنانية غير مسبوقة في تاريخ الأزمات المالية المعاصرة، إذ لم يشهد العالم يومًا انهيارًا مُتزامنًا في الدولة والمصرف المركزي والقطاع المصرفي كما حصل في لبنان”.

وتابع: “من هنا، لا يمكن للصندوق أن يُسقط على لبنان وصفاته الجاهزة التي اعتمدها في دول أخرى مثل الأرجنتين أو اليونان، لأنّ الظروف مختلفة تمامًا. ففي الأرجنتين مثلًا، لم يفلس البنك المركزي ولم يتخلّف عن الدفع، بينما الوضع في لبنان أكثر تعقيدًا وتشابُكًا بكثير”.

وحول تداعيات أي محاولة لتصفية المصارف القائمة أو استبدالها بمصارف جديدة، اعتبر خوري أنّ “هذا الطرح كارثي ومُدمّر، لأنه سيؤدّي إلى انقطاع العلاقات مع المصارف المراسلة في الخارج وإغلاق الحسابات الدولية، ما يعني شللًا كاملًا للحركة المالية والاقتصادية في البلاد. كما أنّ إنشاء مصارف جديدة لن يكون الحلّ السحري، لأن استعادة الثقة والعلاقات الدولية تتطلّب سنوات طويلة”. وأشار إلى أن “المصارف اللبنانية ليست مجرّد مؤسسات مالية، بل تشكّل ركيزةً أساسيةً للاقتصاد الوطني وتضمّ نحو 15 ألف عائلة من العاملين، وتملك خبرةً تراكميةً تمتدّ لعقود. هذه البنية لا يمكن محوها بجرّة قلم أو عبر مشروع مرتجل”.

أمّا بالنسبة لقانون إعادة هيكلة المصارف، فأوضح خوري أن “القانون أُقرّ في مجلس النواب بعد طعن جزئي تمّ قبول جزء بسيط منه، ما جعله نافذًا. وهو عمليًا مرتبط بإقرار قانون الفجوة المالية الذي ما زال قيد النقاش بين الحكومة وصندوق النقد”. وأضاف: “ما جرى من إعادة تعديل للمشروع في مجلس الوزراء وإحالته مجددًا إلى مجلس النواب خطوة تكشف عن خلل في احترام المسار المؤسّساتي”.

وانتقد خوري بشدّة إقصاء ممثلي القطاع المصرفي والمودعين عن النقاشات المتعلقة بمستقبل القطاع، قائلًا: “المصارف والمودعون في صف واحد وكلاهما أصحاب حق، لأنهما الدائنان للدولة وللمصرف المركزي. لا يمكن تجاوزهما في صياغة الحلول، ولا يمكن تحميلهما مسؤولية أزمة تسبّبت بها الدولة عبر سياساتها المالية والإنفاق العشوائي”. وأضاف: “الدولة هي المستفيد الأكبر من الأزمة، لأنها خفّضت عمليًا دينها بالدولار (اليوروبوندز 33 مليار دولار) وبالليرة بما يوازي مليارات الدولارات، بالإضافة إلى تراجع قيمة رواتب القطاع العام، فيما المودعون والمصارف هما اللذان دفعا الثمن الحقيقي”.

وختم خوري مؤكدًا أنّ “أي مقاربة جدّية للأزمة يجب أن تقوم على الحوار والشراكة مع أصحاب الحقوق، أي المودعين والمصارف. صياغة القوانين من دون إشراكهما تعني استغباءهما وتجاوز العدالة. الحلول الأحادية لن تُعيد الثقة، بل ستُعمّق الانهيار وتُبقي لبنان في دوامة فقدان المصداقية”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us