الحزب “يبلف” الدولة!

“الحزب” أصبح الآن يبحر بسفينته عكس الرياح داخلياً وخارجياً، وكشف استطلاع جرى أنّ المزاج الشيعي العام وتحديداً الجنوبي هو مع عودة الاستقرار إلى الجنوب كي يُتاح لسكّان المناطق الحدودية العودة إلى بلداتهم وقراهم للعمل على إعادة الإعمار بما توفّر من إمكانات
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
نزل “حزب الله” أمس بكل ثقله النيابي مستكملاً الحملة التي افتتحها في “الكتاب المفتوح” الخميس الماضي تحت عنوان رئيسي: بقاء سلاح الحزب ورفض المفاوضات التي يستعد لبنان لإجرائها مع إسرائيل. كما يستعدّ الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم للإطلالة غداً الثلاثاء كي يثبّت كل عناوين الحملة كي يضعها حداً فاصلاً في التعامل مع الحكم. لكن في المقابل، كانت المعطيات الرسمية ولا سيما التي صدرت عن رئيسي الجمهورية والحكومة في إطار جلسة مجلس الوزراء الأخيرة وما تلاها تؤكّد أنّ قطار تنفيذ قرار حصرية السلاح يمضي قدماً نحو هدفه المنشود. وأتى التقرير الذي عرضه قائد الجيش العماد رودولف هيكل في الجلسة ليؤكد أنّ خطة حصر السلاح أنجزت الكثير جنوب نهر الليطاني، وباشر الجيش إجراءاته في ما يتعلق بمنطقة شمال النهر، ما استحقّ التصفيق من الوزراء عندما انتهى العماد هيكل من تلاوة التقرير.
يسأل المراقبون في ظل الحملة التي باشرها “حزب الله”، عمّا ستحقّقه في ظل تصاعد العمليات العسكرية التي تنفذها إسرائيل ضدّ عناصر الحزب ومراكزه من الجنوب إلى البقاع؟ ولم يقتصر الضغط على ما تشنّه إسرائيل من غارات. بل ترافق أيضاً مع إطلالة لوكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية جون هيرلي على لبنان أمس حاملاً ملفاً بدأت تردّداته تتوسّع. فقد قال هيرلي عشية وصوله إلى بيروت، إنّ الولايات المتحدة تسعى للاستفادة من “فرصة سانحة” في لبنان تستطيع فيها قطع التمويل الإيراني عن “حزب الله”، والضغط على الأخير للتخلي عن سلاحه. وفي مقابلة أجريت معه في وقت متأخر من الجمعة، ذكر وكيل وزارة الخزانة الأميركية، أنّ إيران حوّلت نحو مليار دولار إلى “حزب الله” هذا العام، رغم مجموعة من العقوبات الغربية التي أضرّت اقتصادها.
وأضاف خلال المقابلة مع “رويترز” في إسطنبول، إحدى محطات جولة إقليمية له تهدف إلى زيادة الضغط على إيران: “المفتاح في ذلك هو التخلص من النفوذ والسيطرة الإيرانية التي تبدأ بكل الأموال التي يضخونها لـ”حزب الله”.
وتجيب أوساط أمنية بارزة على السؤال عما سيحققه “حزب الله” في حملته المضادة على مسار الحل في لبنان فتقول، إنّ الحزب ومن ورائه إيران يسعيان بكل ما أوتيا من قوة إلى شراء الوقت كي يتم تأجيل استحقاق إنهاء الدور المسلح للحزب، على غرار ما تمضي إليه الأمور في غزة التي باتت على موعد مع نزع سلاح حركة “حماس”.
وقالت إنّ قدرة الجيش اللبناني تتيح له الإمساك بزمام الأمن في كل لبنان بفضل الإمكانات التي بدأت تتنامى بين يديه والتي ستشهد تطوراً جوهرياً في المدى المنظور.
بدورها، قالت أوساط سياسية بارزة في الوسط الشيعي أنّ “حزب الله” أصبح الآن يبحر بسفينته عكس الرياح داخلياً وخارجياً. وكشفت عن استطلاع جرى إعداده أفاد أنّ المزاج الشيعي العام وتحديداً الجنوبي هو مع عودة الاستقرار إلى الجنوب كي يُتاح لسكّان المناطق الحدودية العودة إلى بلداتهم وقراهم للعمل على إعادة الإعمار بما توفّر من إمكانات. ولفتت هذه الأوساط إلى أنّ من جرى استطلاعهم أجمعوا على أولوية الاستقرار على شعار استمرار المواجهة ربطاً بالقضية الفلسطينية.
تؤكد وقائع المواقف أمس هذا التوجه الذي ظهر في الاستطلاع المشار إليه. ففيما صرّح أمس تباعاً نواب “حزب الله”: رئيس “تكتل بعلبك الهرمل” حسين الحاج حسن، حسن فضل الله، علي عمار وعلي فياض ضدّ ما تقوم به الحكومة بما يؤدي إلى “فتح الباب أمام اتفاقية أمنية تتجاوز القرار الدولي، وتفرّغ السيادة اللبنانية من مضمونها، وتُمهّد لإدخال لبنان في مسار التطبيع مع العدو الإسرائيلي”، أطلّ المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل بلغة مختلفة كلياً عن لغة نواب الحزب قائلاً: “ثوابتنا هي حماية هذه الأرض والدفاع عنها وعن الدولة ومؤسساتها وفي مقدمتها الجيش اللبناني”.
يلفت المراقبون إلى أنّ مأزق لبنان مع “حزب الله” هو ترجمة لأزمة سلوك النظام الإيراني الذي ما زال يسعى لاستعادة نفوذه الإقليمي الذي تهاوى بشكل مريع ولا سيما في الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل عليه في حزيران الماضي. وكما يفعل “حزب الله” حالياً في لبنان، يفعل شقيقه في العراق حالياً. وتفيد آخر الأنباء من بغداد أنّ “كتائب حزب الله” تواصل تحديها للسلطات العراقية ومفوضية الانتخابات، عبر رفضها الصريح لنزع سلاحها، رغم تأكيدات حكومية وسياسية على ضرورة حصره بيد الدولة. وقال المتحدث باسم “الكتائب” جعفر الحسيني: “سيبقى سلاحنا الشيعي بأيدينا، وهو سلاح شرعي ومنضبط”. وأضاف أنّ “للشيعة الوصاية الكاملة على العراق، شاء من شاء وأبى من أبى”، على حد تعبيره.
بالعودة إلى لبنان، سأل أمس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة في عظة الأحد: “ماذا تنتظر دولتنا لتحزم أمرها وتتخذ الخطوات المناسبة من أجل إخراج لبنان واللبنانيين من حالة المراوحة واليأس إلى آفاق فجر جديد يحلم به الجميع؟”. تجيب الأوساط الأمنية البارزة المشار إليها آنفا: “عندما يحين الوقت، يستطيع الجيش أن ينفّذ أوامر السلطة السياسية فيمنع أي سلاح غير شرعي في كل لبنان، بما في ذلك سلاح “حزب الله”، ولن يقف في وجهه عندئذ أي معترض”.
إنها مسألة وقت. فهل سينتهي كل اعتراض “حزب الله” الحالي على مسار الحل إلى “عاصفة في فنجان؟”
تعتقد الأوساط الأمنية أنّ “حزب الله” يمارس الآن “البلف” في مواجهة مسيرة الدولة، ولكنه لن ينجح في النهاية!
مواضيع مماثلة للكاتب:
سلاح الحزب للبيع! | إسرائيل لـ”حزب الله”: الجنوب للمشاة فقط | الضاحية: لتسليم سلاح “الحزب” راجعوا قاآني! |




