لجنة إدارة مؤقتة لمرفأ بيروت: من الفوضى إلى الحوكمة… ومن الانفجار إلى إعادة البناء


خاص 11 تشرين الثانى, 2025

إنّ تعيين لجنة إدارة مؤقتة لمرفأ بيروت هو الانتقال من إدارة الارتجال إلى إدارة القرار، من الفوضى إلى الحوكمة، ومن الانفجار إلى بداية إعمار جديد

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

يشكّل مرفأ بيروت الشريان الاقتصادي الأهم للبنان، إذ كان قبل انفجار الرابع من آب يستقبل أكثر من 70% من واردات البلاد ويؤمّن جزءًا أساسيًا من حركة التجارة وسلاسل الإمداد. الانفجار لم يدمّر جزءًا كبيرًا من البنية التحتية فحسب، بل كشف أيضًا خللًا بنيويًا في إدارة هذا المرفق الحيوي، وغياب منظومة واضحة للسلامة وتخزين المواد الخطرة، وتداخل السياسة مع الإدارة اليومية. ما ظهر بعد الكارثة لم يكن انهيار مستودعات، بل انهيار نموذج حوكمة بأكمله.
من هنا تبرز ضرورة تعيين لجنة إدارة مؤقتة بصلاحيات استثنائية، خطوة لا تُعدّ مجرد إجراء إداري، بل تحوّل استراتيجي لإنقاذ المرفأ وإعادة بنائه على أساس الشفافية والكفاءة. فالإدارة التقليدية أثبتت فشلها عبر سنوات طويلة من المحاصصة والتجاذبات، بينما الجهات الدولية والمانحة تربط أي تمويل أو دعم بإصلاح جذري في أسلوب إدارة المرفأ. لجنة مؤقّتة بصلاحيات واضحة تستطيع اتّخاذ قرارات سريعة وعمليّة، بعيدًا عن الحسابات السياسية وضغوط المصالح.
تكمن أهمية هذه اللجنة في قدرتها على إدارة مرحلة انتقالية حساسة تبدأ بمسح تقني شامل للأضرار، تحديد الأولويات، وإطلاق مناقصات شفافة لإعادة تأهيل الأرصفة والمستودعات، مع وضع نظام صارم للسلامة والتعامل مع المواد الخطرة وفق معايير المرافئ الدولية. كما تستطيع اللجنة إدارة الإيرادات وفق قواعد حوكمة واضحة، وتخصيصها لإعادة الإعمار، مع نشر تقارير مالية وفنية للرأي العام لضمان الشفافية واستعادة الثقة الداخلية والخارجية.
الأمر لا يتعلق بإعادة إعمار المرفأ فقط، بل بإعادة صناعة القرار داخله. فاعتماد نموذج الإدارة الحديثة للمرافئ، حيث تبقى الدولة مالكة للبنية التحتية وتُستقدم شركات تشغيل عالمية متخصصة، يسمح برفع الإنتاجية، وزيادة الإيرادات، وتخفيف التدخل السياسي في تفاصيل التشغيل. هذا النموذج يطبق في أهم الموانئ العالمية، ويعتمد على فصل الأدوار بين الملكية والتشغيل، وبين التخطيط والتنفيذ.
إلى جانب ذلك، تستطيع اللجنة إدخال التحوّل الرقمي في إدارة حركة البضائع والتخليص الجمركي، وهو ما يقلّل الوقت والكلفة ويحدّ من التهرّب والفساد، ويحوّل المرفأ إلى مركز لوجستي ذكي قادر على المنافسة إقليميًا. اعتماد الرقمنة والتشغيل الاحترافي يعني أنّ الإيرادات ستتّجه إلى الخزينة وإلى مشاريع التطوير، بدل أن تضيع في شبكة مصالح غير معلنة.
نجاح اللجنة المؤقتة سيعيد تموضع مرفأ بيروت كمرفق تنافسي في شرق المتوسط، يخلق وظائف جديدة، ويجذب استثمارات لوجستية وتقنية. هذه الخطوة ليست فقط لإعادة إعمار مرفأ تضرّر، بل لإعادة بناء ثقة كادت تُفقد؛ ثقة المواطنين بالدولة، وثقة العالم بقدرة لبنان على إدارة مرافقه الحيوية بمهنية.
إنّ تعيين لجنة إدارة مؤقتة لمرفأ بيروت هو الانتقال من إدارة الارتجال إلى إدارة القرار، من الفوضى إلى الحوكمة، ومن الانفجار إلى بداية إعمار جديد. فالمرفأ ليس مشروع بنى تحتية فحسب، بل رمز لقدرة لبنان على النهوض عندما تتوفر الإرادة والإدارة الصحيحة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us