الأزمة النّظاميّة تنخر لبنان… فأي سبيل للخروج منها؟!


خاص 12 تشرين الثانى, 2025

السّلاح غير الشّرعي وعدم حصره تمامًا في يد الدّولة اللبنانيّة، يمنع الجهات الدّوليّة من الاستثمار في لبنان. والمشكلة في البلد نظاميّة، ومن التّافه والسّخيف تصوير الموضوع وكأنّه محصور فقط بتعثّر المصارف.

كتب إيلي صرّوف لـ”هنا لبنان”:

بين الجدّيّة والخلافات، والإصلاحات والملاحظات، لا يزال الاتفاق المزمَع إبرامه بين لبنان و”صندوق النّقد الدّولي” يصارع طواحين الشّروط المُلزمة والضّغوط الدّوليّة. ومعه، يُجابِه بلد التناقضات أزماتٍ متفرّعةً ومترابطةً في آنٍ واحدٍ. فعلى الرغم من محاولات السّلطة الفصل بين الملفَّين الاقتصادي والمالي من جهةٍ، والسّياسي والأمني من جهةٍ أخرى، إلّا أنّ كلّ الملفّات باتت مرتبطةً بشكلٍ أو بآخر بعنوان عريض هو حصر السّلاح بيد الدّولة.

على وَقع الأزمة الاقتصاديّة الطّاحنة الّتي عصفت بلبنان اعتبارًا من عام 2019، وما رافقها من انهيارٍ في قيمة العملة الوطنيّة والقطاع المصرفي واحتجازٍ للودائع، وبعد إعلان حكومة حسان دياب تعثّرها عن سداد سندات “اليوروبوندز” في آذار 2020، وهو أوّل تخلّفٍ عن السّداد في تاريخ البلد… بدأت المفاوضات الرّسميّة بين لبنان وصندوق النّقد الدّولي (IMF) في نيسان من العام نفسه، لوضع برنامجٍ اقتصاديٍّ شاملٍ يُعيد الاستقرار المالي والنّقدي إلى البلد المُنهك.

ومع تقدّم المحادثات والاجتماعات، أُعلن في نيسان 2022، اتفاقٌ مبدئيٌّ على مستوى الموظّفين بين لبنان والصّندوق، على برنامج مدّته أربع سنوات بقيمة تُقارب 3 مليارات دولار، شرط تنفيذ لبنان لحزمة إصلاحاتٍ هيكليّةٍ محدّدةٍ، شملت إقرار تشريعات أساسيّة مثل قوانين السرّيّة المصرفيّة، و”الكابيتال كونترول”، وإعادة هيكلة المصارف؛ وتحرير سعر الصّرف وغيرها.

حاولت الدّولة اللبنانيّة (أو ما تبقّى منها) أن تكون التلميذ النّجيب والمُطيع، فأقرّت سلّةً من الإصلاحات الماليّة الضّروريّة والقوانين الإصلاحيّة، الّتي اشترط صندوق النّقد وضعها على سكة التنفيذ، في ظلّ جُملةٍ من الخلافات السّياسيّة والاقتصاديّة الدّاخليّة. إلّا أنّه وعلى الرغم من التقدّم النّسبي، لم يُوقَّع الاتفاق النّهائي بعد، لأنّ الـ”IMF” ما زال يشترط تنفيذ إصلاحاتٍ ماليّةٍ ومصرفيّةٍ أساسيّةٍ، في طليعتها إقرار قانون “الفجوة الماليّة”.

المفاوضات بين الرّضوخ والسّيادة

ووسط الضّبابيّة الّتي تُحيط بالاتفاق، والاجتماعات القديمة – الجديدة الّتي تخيّم عليها المطالب المُكرَّرة، يبرز نوعٌ من الرّضوخ أو “الانبطاح” أمام صندوق النّقد، وتصويره وكأنّه المُنقذ الوحيد للبنان، في حين أنّ كلّ المعطيات تؤكّد أنّ المشكلة الّتي يواجهها البلد ليست في قلّة الموارد، بل في هدر الفرص، وغياب الإرادة والإدارة الرّشيدتَيْن والرّؤية المستقبليّة الواضحة والسّليمة للاقتصاد الوطني.

لا شكّ في أنّ تحديد هويّة الأزمة بوضوح، يُشكّل نقطة الانطلاق في مسار الألف ميل، للوصول إلى برّ الأمان الاقتصادي. فنحن أمام أزمة نظاميّة متعدّدة الأبعاد، تتطلّب حلولًا تُشارك فيها كلّ الجهات وعلى رأسها الدّولة ومصرف لبنان والمصارف.

وكان حاكم المركزي كريم سعيد قد ذكر، خلال جلسةٍ لمجلس النّواب خُصّصت لمناقشة مشروع الموازنة العامّة لعام 2025، أنّ “الأزمة هي أزمة نظاميّة (Systemic Crisis)، وليست أزمة قطاع مصرفي بحدّ ذاته”، بحسب الأمين العام لجمعيّة مصارف لبنان فادي خلف في تشرين الأوّل الماضي.

كما شدّد سعيد، خلال زيارته الرّابطة المارونيّة مطلع حزيران الماضي، على أنّ “الأزمة القائمة هي بطبيعتها أزمة نظاميّة، نتجت من تراكم الاستدانة العامّة لسنوات طويلة، أجرت خلالها المصارف استثمارات وتوظيفات مُفرطة في الدّيون السّياديّة، في ظلّ تراخي مصرف لبنان في تطبيق الأنظمة”.

وهنا يشير المحامي والخبير في الشّؤون القضائيّة مارك حبقة لـ”هنا لبنان” إلى أنّ “المشكلة في لبنان ليست متعلّقةً فقط بمسألة أموال المودعين في المصارف، كما يتمّ الإيحاء به وغسل أدمغة اللبنانيّين. فتعثّر المصارف وأموال المودعين، مرتبطَيْن بعامل أساسي هو الأزمة النّظاميّة الّتي تحدّث عنها سعيد، والمتمثّلة في أربعة أسباب أساسيّة”.

ويشرح أنّ “السّبب الأوّل هو عدم وجود تشريع صحّي وصحيح في لبنان. وكان بإمكان هذا التشريع أن يعالج عدّة أزمات، قبل الوصول إلى تعثّر المصارف وتبخّر أموال المودعين. أمّا السّبب الثّاني فهو الافتقار إلى سياسةٍ قضائيّةٍ تتمثّل في تشريع عدّة قوانين، قبل التعثّر وبعده، كان بإمكانها أن تؤدّي إلى حماية أموال المودعين. وهذا يُظهر أنّ هناك أحكامًا مُتناقضةً وغير مبنيّةٍ على قوانين ثابتة وواضحة تجاه النّاس”.

ويلفت حبقة إلى أنّ “العامل الثّالث هو عدم وجود سياسة محاسَبة واضحة تبدأ من رأس الهرم إلى أسفله، تستطيع إعادة لبنان إلى مسار تطبيق مبدأ الشّفافيّة، الّذي يسمح بدوره بعودة تدفّق الاستثمارات إلى لبنان”، مُبيّنًا أنّ “السّبب الرّابع هو غياب سياسة اقتصاديّة واضحة مبنيّة على اتفاق ما بين الحكومة ومجلس النّواب، تسمح بإعادة تحريك عجلة الاقتصاد. وهذا مرتبط بالعديد من العوامل، أهمّها الشّفافيّة في القضاء، الجباية السّليمة المنتظمة من مختلف الموارد الاقتصاديّة ما يُحسّن من وضع ماليّة الدّولة، وتوافر أفكار جديدة تشجّع المستثمرين سواء اللبنانيّين أو الأجانب، على استثمار أموالهم في لبنان”.

كما يشدّد على أنّ “السّلاح غير الشّرعي وعدم حصره تمامًا في يد الدّولة اللبنانيّة، يمنع الجهات الدّوليّة من الاستثمار في لبنان”، مركّزًا على أنّ “المشكلة في لبنان نظاميّة، ومن التّافه والسّخيف تصوير الموضوع وكأنّه محصور فقط بتعثّر المصارف”.

ويرى حبقة ختامًا أنّه “ليتمكّن لبنان من النّهوض مُجدّدًا، يجب أن يرتكز إلى شفافيّة واضحة في قضائه ووزاراته، وأن يكون هناك تناغمٌ في الحُكم عبر الحكومة والمجلس النّيابي، لخلق فرص واستثمارات جديدة وتحفيز ثقة المواطنين”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us