حروب وتغيير خرائط أربع دول عربية


خاص 13 تشرين الثانى, 2025

أميركا لم تهدد لبنان بعقوبات إذا لم ينفذ أجندة جمع سلاح الميليشيات، بل أفهمته، وبوضوح، أنها ستدير ظهرها لما ستنفّذه إسرائيل ضد حزب إيران المسلّح على كامل أرض لبنان، ما قد لا ينتهي من دون الإلتحاق بما سيشمل دول الشرق الأوسط الأربع من تغيير متوقع في خرائطها

كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

شبكة حروب تشتعل في ثلاث قارات تؤشر فرضيات حلولها بناءً على شراستها إلى استحالة عودة مكوناتها لعيش مشترك أو حسن جوار ما يؤدي إلى تضييق أو توسعة مساحات الكيانات المتقاتلة أو حتى إلغاء بعضها كما يحصل في حقبات ما بعد الحروب الكونية.
أبرز مظاهر التقسيم والعداء واستحالة العيش المشترك أو حسن الجوار تظهر من مسار الحرب الشرسة المندلعة في قارة أوروبا بين روسيا وأوكرانيا والتي تعود جذورها إلى العام 2014 عندما حاول الأوكرانيون الخارجون من الإتحاد السوفياتي البائد التحالف مع الغرب والإنضمام إلى حلف شمالي الأطلسي.
اتهمت موسكو أوكرانيا باضطهاد المواطنين الناطقين بالروسة وبدأت المناوشات عبر الحدود وبعد ثماني سنوات، وتحديداً في 24 شباط العام 2022 ، غزت روسيا أوكرانيا واحتلت 20% من مساحتها ما أسفر عن مقتل وجرح مئات آلاف الأوكرانيين وتهجير الملايين ما خلّف أكبر كارثة سكانية في الدول الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
خريطة أوروبية جديدة ستظهر عندما تنتهي هذه الحرب كما ظهرت خريطة أوروبية جديدة عندما انتهت حروب تقسيم يوغوسلافيا بعد انهيار الإتحاد السوفياتي فتفكّكت ما بين العامين 1991 و 2008 إلى سبع دول مستقلة هي سلوفينيا، كرواتيا، البوسنة والهرسك، صربيا، الجبل الأسود، مقدونيا الشمالية، وكوسوفو.
عرفت قارة أفريقيا صلحاً استثنائيا وتوقيع إتفاقية سلام بين إثيوبيا وإريتريا برعاية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في جدة في 16 أيلول العام 2018 بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد منهية ثلاثة عقود من الحروب قضى خلالها في ظروف مجهولة عثمان صالح سبي رئيس جبهة التحرير الإريترية العروبية-الليبرالية التي لم تكن على علاقة ود مع الجبهة الشعبية لتحرير إريترتيا بقيادة أسياس أفورقي.
توصف وفاة سبي بأنها “غامضة” لأنه ارتحل بتاريخ 4 نيسان العام 1987 في مستشفى بمدينة القاهرة بعد أن أمضي ثلاثة أيام في العناية الفائقة تلت خضوعه لجراحة في الجيوب الأنفية.
في رحلة معه من بيروت إلى بور سودان سنة 1977 أخبرني عثمان رحمه الله أنّ مسؤولين في دولة أوروبية كان قد طلب منهم تزويد جبهته بالسلاح نصحوه بأن “يتصل بإسرائيل التي قد يكون لديها مصلحة في دعم جبهته ضد جبهة أسياس أفورقي الملتبسة، فهي مسيحية-شيوعية يدعمها الفاتيكان والإتحاد السوفياتي في نفس الوقت وهي تحصل على سلاحها من موسكو.”
أجابهم بأنّ “أفورقي من جذور أفريقية وهو تربية بعثات تبشيرية مسيحية، أنا عربي مسلم لا أتواصل مع إسرائيل حتى لو رغبت في التواصل معي”. وبعد فترة علمت منه أنّ جبهته تسلمت من منظمة التحرير الفلسطينية “في السودان دعماً تسليحياً مدعوماً خليجياً”.
فمن قتل عثمان صالح سبي في المستشفى المصري، السوفياتي أم الإسرائيلي؟
بالرغم من الصلح الذي تحقق بمبادرة سعودية، تستمر الحروب الأهلية الشرسة في ليبيا والسودان منذ أكثر من عقد من الزمن، ولا يتوقع وصولها إلى نهايات وحدوية الطابع نظراً للمجازر التي ارتكبتها الأطراف المتصارعة ضد بعضها البعض ما يحول دون لقائها معاً مجدداً على أرض واحدة وبصفة مواطني دولة واحدة.
استقرت الحرب الأهلية الليبية التي اشتعلت إثر سقوط نظام معمر القذافي في تشرين الأول من العام 2011 على أربعة تنظيمات هي حكومة تحالف مجلس النواب والجيش الليبي ومقرها طبرق، حكومة المؤتمر الوطني العام الإسلامية ومقرها مدينة طرابلس وتضم مجموعات مسلحة تحت قيادة المشير خليفة حفتر، حكومة الإنقاذ الوطني التابعة للمؤتمر الوطني العام، إضافة إلى عدة مناطق تسيطر عليها شراذم تنظيمات منحلة وبلطجية الأزقة.
باختصار شديد، لا يوجد أي توقعات توحي بحلول تعيد ليبيا إلى وحدتها وسيادتها نظراً لتعدد وتضارب ولاءات القوى المتصارعة.
أما السودان فيبقى أرض صراعات واقتتال منذ انفصال جنوبه ذي الغالبية السكانية المسيحية عن شماله ذي الغالبية السكانية المسلمة، في العام 2011 وتدور الصراعات الحالية بشكل رئيسي منذ 15 نيسان العام 2023 بين القوات المسلحة بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحمّيدتي. شمل القتال، إضافة إلى العاصمة الخرطوم، ولايات الشمال والجنوب والشرق والغرب وأدى إلى هجرات مدنية عدة هرباً من القتل والإغتصاب.
وقُدرت خسائر الحرب السودانية لدى الطرفين بما لا يقل عن 20 ألف قتيل وملايين الجرحى و 5،5 ملايين نازح داخلي و مليون و500 ألف لاجئ إلى الخارج.
تشكك المصادر المتابعة ومراكز الدراسات والدول المحادة للسودان بإمكانية عودة المكونات المتصارعة إلى العيش معاً في دولة واحدة خصوصاً بعد فشل سابق لقوات من الإتحاد الأفريقي في فصل متقاتلين.
أما قارة آسيا فإنّ حروبها تجمع التناقضات، إذ تضم صراعات داخلية بالتوازي مع صراعات إقليمية ذات بعد دولي، وقد تبدأ الصراعات نتيجة عوامل خارجية تنعكس داخليا أو بالعكس.
ما يعنينا من نزاعات قارة آسيا ومحيطها صراعات ما يعرف بدول الشرق الأوسط ويشمل المنطقة الممتدة من مصر، وتركيا ، وقبرص غربًا إلى إيران والخليج العربي شرقًا، ومن تركيا وإيران شمالًا إلى اليمن وسلطنة عُمان جنوبًا.
خريطة الشرق الأوسط السياسية لا تقتصر على بلدان قارة آسيا بل تضم أيضاً بلدان شمال إفريقيا والمناطق التي تطل على البحر الأحمر والخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط وبحر العرب، ما يجعلها إضافة إلى كونها تقاطع طرق يربط العالم، خزاناً للثروات الطبيعية النفطية والغازية والمعدنية.
دول الشرق الأوسط الآسيوية هي العراق، سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين، إيران، تركيا، المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، قطر ، سلطنة عمان، اليمن، البحرين، الكويت، تضاف إليها دول شمال أفريقيا العربية وهي المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، ومصر والسودان.
واقعياً ما يجمع الدول الـ 20 التي يتكون منها الشرق الأوسط، بما فيها تركيا، أنها من بقايا الدولة العثمانية، أما الدولة الحادية والعشرون أي فارس، أو إيران الحالية، فكانت مدار صراع دائم مع الدولة العثمانية التي لم تحتلها بكاملها، بل سيطرت على أجزاء منها كانت فارس تستعيدها.
ما زالت فارس، أو إيران الحالية، في حالة نزاع مع غالبية دول الشرق الأوسط منذ نجاح ثورة آية الله الخميني في العام 1979 وإقامة نظام الولي الفقيه الذي تم تأسيسه في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث أصبح “المرشد الأعلى” هو أرفع سلطة دينية وسياسية في البلاد.
وما أن أكملت إيران تأسيس الحرس الثوري المكلّف بمهمتي تصدير الثورة، أي عقيدة النظام، وحماية السلطة حتى مدت نفوذها إلى أربع دول عربية تعتبر أنّ تواجدها فيها يشكل خطوطاً أمامية للدفاع عن نظامها.
وقد سبق أن فاخرت إيران بأنها تحكم أربع عواصم عربية هي بغداد، دمشق، صنعاء، وبيروت. كان ذلك قبل أن يطيح الرئيس أحمد الشرع بالتحالف الأسدي-الفارسي في سوريا في أوائل كانون الأول العام 2024 ما قطع تواصلها مع بقية الدول العربية، وحوّل أتباعها إلى أهداف برسم الإزالة بعدما كانوا مرجعيات للسيطرة والتحكم بعرب الشرق الأوسط.
العراق، الذي تفصله عن إيران حدود مشتركة يبلغ طولها 1،281 كيلومتراً، يعيش حالة نزاع مستمرة بين معسكرين، يضم أحدهما المكونات العربية والكردية والطائفية غير الشيعية في مواجهة شرعنة وسيطرة ميليشيات الحشد الشعبي التابعة لمرشد إيران، وسط أنباء عن فصائل شيعية عربية ستقاطع الإنتخابات المقبلة ما يتوقع أن ينعكس تراجعاً للقوى التابعة لإيران، يمكن أن يدخل العراق في نزاع داخلي.
أما سوريا فتعيش زهو استقبال الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض للرئيس أحمد الشرع الذي صار حليف أميركا وفرنسا وبريطانيا ودول الخليج وتركيا، وصارت أميركا توجه انتقادات للبنان الذي تتهمه بأنه متلكّئ في تنفيذ مهمة نزع سلاح حزب الله وتجفيف تمويله، التي تعتبرها شرطاً إلزامياً لا يُقدّم أي دعم للبنان من دون تحقيقه.
أميركا تعتبر أنّ لبنان يتلكّأ في تنفيذ الشرطين الإلزاميين بانتظار إيجاد تسوية لحزب الله لا تخرجه مهزوماً وتحفظ له ماء وجهه، خصوصاً في الإنتخابات النيابية المقبلة التي ترى أنها يجب أن تجري في موعدها المقرر في شهر أيار من دون وجود فصائل مسلحة على كامل الأراضي اللبنانية.
أميركا لم تهدد لبنان بعقوبات إذا لم ينفذ أجندة جمع سلاح الميليشيات، بل أفهمته، وبوضوح، أنها ستدير ظهرها لما ستنفّذه إسرائيل ضد حزب إيران المسلّح على كامل أرض لبنان، ما قد لا ينتهي من دون الإلتحاق بما سيشمل دول الشرق الأوسط الأربع من تغيير متوقع في خرائطها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us