النزوح يتواصل من الضاحية وبيع الشقق بأبخس الأثمان… البيئة الشيعية لـ”الحزب”: “كفى تدفيعنا ثمن حروب الآخرين”!


خاص 17 تشرين الثانى, 2025

الخسارة الأكبر وقعت على البيئة الحاضنة التي لم تعد تحمل هذه الصفة، فهي دفعت فواتير حرب غزّة أولًا، ولم تلاقِ سوى الخيبات، ما أدخل الإحباط إلى نفوسها خصوصًا أنّه من غير المسموح لها أن تنتفض في العلن أو أن تعبّر عن رفضها للوضع، لذا لم تجد أمامها سوى النزوح وبيع الأرزاق للخروج من الواقع الأليم.

كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:

اعتاد سكان الضاحية الجنوبية في بيروت على مغادرة منازلهم فجأة، ومع كل إنذار إسرائيلي يُعلنه أفيخاي أدرعي عن إخلاء مبنى سيُستهدف بالقصف لاحتوائه على مستودعات أسلحةٍ لحزب الله، ثم يعودون في اليوم التالي، لكن ومنذ فترة وبالتزامن مع تهديدات المسؤولين الإسرائيليين بتوسيع الحرب على لبنان، وبشنّ غاراتٍ على الضاحية الجنوبية، وبعضهم هدّد بتدميرها بالكامل في حال لم يُسَلَّمْ سلاح الحزب، الأمر الذي أطلق العنان لنزوحٍ كثيفٍ لسكان الضاحية منذ فترة، بعدما عانى سكان هذه المناطق الأمرّين جرّاء سقوط الضحايا وتدمير منازلهم وأرزاقهم.

هذه الحالة تُعتبر غير مسبوقةٍ نظرًا لتوالي التهديدات، ما دفع الأهالي إلى قصد المناطق الآمنة في بيروت وجبل لبنان والشوف وجزءٍ من الشمال، بالتزامن مع المُسيّرات التي تجوب أجواء المنطقة بشكلٍ يوميّ، الأمر الذي يُثير القلق والانزعاج والتوتّر، ما دفع قسمًا كبيرًا إلى النزوح في الآونة الأخيرة، مع إقفال بعض المصالح التجارية الكبيرة إذ انتقل مالكوها إلى مكان آمن لمواصلة أعمالهم، بدل دفع الأثمان الباهظة والخسائر بشكل يومي.

أمّا اللافت والمُفاجئ فكان عرض بعض الشقق والمحال التجارية من قبل مالكيها للبيع وبأبخس الأثمان، بحيث وصلت أسعار بعض الشقق إلى نصف سعرها وفق ما أشار بعض الأهالي في منطقتَيْ الأوزاعي والرويس لموقع “هنا لبنان”، وتحدثوا عن نزوحٍ يوميّ منذ أسابيع بات ظاهرًا للعلن، فيما كان يجري سابقًا بشكلٍ خفيّ وتحت غطاء المغادرة لأيام أو أسابيع قليلة. كما كان يجري سابقًا أي منذ أكثر من عام وتحديدًا منذ أيلول 2024، حين كانت الحرب في أوجها مع الغارات والقصف واستمرّت حتى تشرين الثاني الماضي مع إعلان الهدنة، لكن اليوم تُسيطر المخاوف والهواجس على قاطني هذه المناطق، لأنّ القصف المفاجئ وارد جدًّا على غرار ما جرى مرّات عدة، لذا يتفادى البعض حصول ذلك، مُفضّلًا المُغادرة نهائيًا وبيع منزله. وقد رُصدت في الأسابيع الماضية شاحنات تنقل الأثاث والأغراض المنزلية من مناطق الأوزاعي والغبيري وبرج البراجنة وحارة حريك وغيرها، في اتجاه مناطق الحازمية وبعبدا وجوارهما، خشيةً من اندلاع حرب جديدة بعد سماع مواقف الموفدين الغربيين، الذين ينقلون رسائل تهديدية صارمة بقصف مناطق الضاحية والبقاع والجنوب.

من جهةٍ أخرى، لوحظ الانخفاض الكبير في أسعار الشقق السكنية التي تراجع بعضها إلى النصف وأحيانًا أكثر، بحسب الموقع الجغرافي للشقة وخطورة الشوارع التي تقع فيه على سبيل المثال حارة حريك.

إلى ذلك، أدّت الهواجس الأمنية إلى تفاقم التململ داخل بيئة حزب الله، بسبب الأثمان التي دفعتها عن حروب الآخرين في مناطقها، والنتيجة فقدان جنى العمر وتوالي الخسائر، بعدما فهم الجميع أنّ السلاح لم يحمِ الحزب ولا البيئة ولا لبنان، الذي تدمّر تحت رنين الشعارات الفارغة والحروب العبثية، التي قلبت المزاج الشعبي الشيعي رأسًا على عقب، بعدما تعرّض لصدماتٍ فيما كان ينتظر البطولات التي جاءت مخيّبةً للآمال. وبالتّالي فكلّ ما يحصل اليوم من ازدواجيةٍ في مواقف الحزب لكسب المزيد من الوقت لم يعدْ له أي مبرّر، لأنّ الخسارة الأكبر وقعت على البيئة الحاضنة التي لم تعد تحمل هذه الصفة، فهي دفعت فواتير حرب غزّة أولًا، ولم تلاقِ سوى الخيبات، ما أدخل الإحباط إلى نفوسها خصوصًا أنّه من غير المسموح لها أن تنتفض في العلن أو أن تعبّر عن رفضها للوضع، لذا لم تجد أمامها سوى النزوح وبيع الأرزاق للوصول إلى خاتمةٍ تُنجيها من الواقع الأليم، والسكن في مكانٍ يُعيد إليها راحة البال بعد سنوات من المعاناة المفروضة عليها.

في سياقٍ متصلٍ، يُشيرُ أحد سكان منطقة الرويس لموقعنا، إلى أنّه عرض شقته للبيع عبر مواقع التواصل الاجتماعي بنصف سعرها أي بـ100 ألف دولار فيما هي تساوي 200 ألف، وذلك خوفًا من خسارتها بالكامل في حال عادت الحرب، ونفّذ الإسرائيليون تهديداتهم للمنطقة كإنذارٍ لتسليم سلاح الحزب، وقال: “أفضّل خسارة جزءٍ من ثمنها بدل فقدانها بالكامل، لكن لغاية اليوم لم يتّصل بي أحد، لأنّ شراء شقة في هذه المنطقة مغامرة خطيرة في هذه الظروف الاقتصادية الأمنية الصعبة”.

إشارة إلى أنّ الصفحات الإلكترونية المُتخصّصة بإعلانات بيع الشقق تبدو ناشطةً جدًا، لأنّ العروضات كثيرة لكنّ عمليات الشراء قليلة، على الرّغم من أسعارها المُغرية، ولم تصل إلى هذا الحدّ في وقتٍ سابقٍ، إذ تراجعت الأسعار في بعض المناطق إلى 40 في المئة من ضمنها “حي الأميركان”.

أمام هذه المأساة التي جعلت السكّان يتخلّون عن ماضيهم وحياتهم وينزحون إلى أماكن جديدة، لتمضية ما تبقّى من حياتهم ضمن جناح آمن يبحثون عنه، بعدما اُرغموا على الرحيل من بيئتهم خوفًا على حياة أبنائهم، كي لا يسقطوا ضحايا على أرضهم كفديةٍ لتحقيق مصالح دول أخرى.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us