الخطة “ب” كيف يستعدّ اللبنانيون بصمت لحربٍ قد تندلع في أي لحظة؟

تبقى الخطة “ب” طوق النجاة الوحيد، ويبقى الأمل في حصول تقدم على درب التفاوض والتسويات ونجاح الجهود الدبلوماسية لتجنيب لبنان فصلًا جديدًا من الحروب التي لا ترحم، وأن تنجح زيارة البابا لاوون أواخر الشهر وصلواته في حجب الحرب والتصعيد وأن تسود لغة العقل من أجل إحلال السلام.
كتبت إليونور أسطفان لـ”هنا لبنان”:
أسبوع يفصلنا عن 27 تشرين الثاني 2024 توقيت التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب بين لبنان وإسرائيل بعد حرب إسناد غزّة والتي كانت نتائجها كارثيّة، وسط توتر متصاعد يعيشه اللبنانيون وحالة ترقب وحذر وخوف من اندلاع حرب جديدة يعانون من تبعاتها منذ سنة، إذ إن السيناريوهات مفتوحة على وقع تصاعد التهديدات الإسرائيلية المتكررة للبنان يقابلها تصعيد كلامي من قبل حزب الله بأنه استعاد قوته العسكرية وبأنه مستعد للمواجهة.
تهديدات بضربات محدودة وموجعة، ومُسيّرات لا تفارق سماء لبنان وضغوطات دولية مستمرة، وعلى وقع هذه الاجواء يعيش معظم اللبنانيين صراعًا ظاهرًا عند البعض ومُبيتًا عند آخرين، إلا أن المشترك لدى الجميع هو حالة الرعب من جملة أمور أبرزها:
خسارة العام الدراسي وتفاقم أزمة الوضع الاقتصادي وخسارة البعض لأعمالهم ومنازلهم بعد إعادة ترميمها لا سيما في بيروت والضاحية والجنوب والبقاع خصوصًا على أبواب الشتاء، وعدم إعطاء بدلات الايجار عن سنة ٢٠٢٦ من قبل حزب الله بسبب تجفيف مصادر أمواله والعقوبات المفروضة، إضافة الى إنهيار الدولة واقتصادها وعدم مدّ يد العون من الخارج عقب التحذيرات المتتالية دوليًا وعربيًا.
جملة من القصص سمعناها عن مدى القلق والتوتر الذي يعيشه اللبنانيون الذين بدأوا يتصرفون وفق قاعدة خطة الطوارئ الذاتية أو ما بات يعرف بالخطة “ب” في حال أي تصعيد جديد. حقيبة مفتوحة وجاهزة دائمًا وجواز سفر يحوي فيزا صالحةً أو منزل مُستأجر في منطقة آمنة.
جورج الذي بقي في فرنسا وأعاد عائلته للعيش في لبنان في الشطر الشرقي من بيروت بعد الهرب إبان انفجار مرفأ بيروت، يؤكد لموقع “هنا لبنان” أنه يعيش حالة قلق دائم على عائلته والتي فضّل لها البقاء في لبنان من أجل الحياة الاجتماعية الصحية وتعلم اللغة العربية والتخفيف من المصاريف المعيشية المرتفعة، إلا انه يُبقي على الخطة “ب” بإعادة العائلة الى فرنسا في حال حدوث أي حرب أو ضربة عسكرية، ويقول إنه مضطر للسفر الى لبنان كل شهرين للاطمئنان مما يكلفه مصاريف مرتفعة ولا يعرف بعد ما إذا كانت الظروف ستسمح له بالقدوم في فترة الأعياد.
أمّا سمر التي تعيش في الضاحية الجنوبية بعد أن قامت بترميم منزلَيْها في الضاحية والجنوب فتعيش حالة استنفار دائم لا سيما أنها خسرت زوجها بسبب السرطان وهي مسؤولة عن عائلتها. وفي حديث لموقع “هنا لبنان” تقول إنها لم تعد تحتمل أصوات المُسيّرات والتهديد بالتصعيد مقابل تعنّت حزب الله الذي يأخذ المواطنين الى مصير مجهول. وعن خطتها تشير سمر الى أن الحقائب لا تزال جاهزةً وتحوي الاولويات لا سيما بعد الخروج من المنزل في العام 2024 بسرعة بسبب القصف المكثّف أو التحذيرات المتتالية بقصف أبنية، الا أن الوضع الآن مختلف وامكانية استئجار منزل في منطقة أخرى بات صعبًا نظرًا للوضع المالي المتردي.
محمد الذي غادر الضاحية في الحرب الأخيرة وبقي في البيت المستأجر بدأ تحضير باسبورات لأطفاله تحسبًا لأي طارئ، وتقديم طلبات للفيزا في إحدى السفارات، معربًا عن عدم قدرته على تحمل اندلاع حرب جديدة ومبديًا تخوفه من خسارة عمله بعد أن عاد من أفريقيا واستقر في لبنان.
نوال بدورها مستعدة لأي احتمال إذ إن خطتها في حال حدوث ضربة عسكرية التوجه الى منزل كانت استأجرته مع زوجها في إحدى المناطق الجبلية ولا تزال تدفع إيجاره شهريًا وفق منطق النزوح الداخلي، لكنّها اعربت عن استيائها من الوضع المزري والخوف الذي تعيشه مع أطفالها بسبب عدم حسم الأمور قائلة: “كم من المصائب سيتحمل اللبناني بعد كل ما حصل”.
هذا القلق الجماعي التوقّعي في زمن التهديدات يُلقي بظلاله نفسيًا على معظم اللبنانيين الذين ينتظرون الأعياد المقبلة وسط قلق من عدم قدوم أحبائهم لقضاء العطلة الى جانبهم.
وتؤكد الخبيرة النفسية والإجتماعية ساندي قاعوري لموقع “هنا لبنان” أنّ التوتر والخوف من الحرب لا يقل خطورةً عن القذائف والصواريخ التي تسقط يوميًا، لأن حالة القلق التي نشهدها ناتجة عن الخوف المستمر من المجهول ممّا يسبب بحسب الطب النفسي حالة خوف مفرط قد تؤدي الى حالات من الاضطراب. ونلاحظ ارتفاعًا ملحوظًا في نوبات الهلع، واضطرابات في النوم والأكل والصداع المزمن، وارتفاعًا في خفقان القلب مما يؤدي الى استخدام المهدئات عند الكبار. وبينما يحاول الأهل إخفاء توترهم عن أطفالهم إلا أن الأطفال، وهنا تكمن الخطورة، يتأثرون بشكل غير مباشر بمجرد معرفتهم بالتحضيرات التي يقوم بها هؤلاء الأهالي، وكذلك عند سماعهم لصوت المُسيّرات وتصفحهم لوسائل التواصل الإجتماعي، وهو ما نلاحظه على الأطفال والمراهقين في المدارس حيث نرى حالات صمت وهلع وخوف كثيرة أو حتى رفض الذهاب الى المدرسة وانعدام الأمان مما يستوجب تقديم الدعم النفسي والرعاية لهؤلاء الأطفال.
وفق ما تقدم نستنتج بأن لكل عائلة خريطة طريق للنجاة في حال تدهور الوضع الأمني، إلى جانب خطط اعتاد اللبنانيون تحضيرها مع كل حرب، بعد أن فقدوا الثقة بأن هناك دولة ستحميهم في حال حدوث أي طارئ أو حرب محتملة، إذ تبقى الخطة “ب” طوق النجاة الوحيد، ويبقى الأمل في حصول تقدم على درب التفاوض والتسويات ونجاح الجهود الدبلوماسية لتجنيب لبنان فصلًا جديدًا من الحروب التي لا ترحم، وأن تنجح زيارة البابا لاوون أواخر الشهر وصلواته في حجب الحرب والتصعيد وأن تسود لغة العقل من أجل إحلال السلام.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الرئيس جوزاف عون: رسالة إيجابية في وجه حملة التشويه | السفير ميشال عيسى… بداية مرحلة أميركية جديدة في لبنان! | التفاوض غير المباشِر… خطوة استراتيجية نحو الأمن والسلام في لبنان |




