في عيد الاستقلال.. رئيس الجمهورية يرفع راية المفاوضات والسلام

على السلطة اللبنانية أن تتمتّع بالشجاعة الوطنية الكافية كي تذهب إلى خوض مفاوضات تؤدّي أولًا إلى تحرير الأراضي اللبنانية وتثبيت الحدود الجنوبية، على أن يتّسعَ هذا الأمر إلى الحدود السورية فتنضبط الحدود بكاملها، وفي الوقت نفسِه تكون الدولة قد استردّت قرار الحرب والسلم وحصر السلاح بيدها وتمّ نزع الأسلحة غير الشرعية اللبنانية وغير اللبنانية من حزب الله ومن الفلسطينيين.
كتبت كارول سلوم لـ”هنا لبنان”:
مرةً جديدةً يُخاطب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون اللبنانيين والخارج بكلام صريح عن جاهزية لبنان للتفاوض والسلام. اختار الرئيس عون ذكرى الاستقلال ليُذَكِّرَ بمبدأَيْن أساسيَيْن بل بطرحَيْن لا ينفصلان عن ثوابتَ أساسيةٍ من المواقف الرئاسية.
شاء الرئيس عون تكرار هذه الثوابت انطلاقًا من إيمانه بأنْ لا بديل عن السلام وأنَّ التفاوض مسألة ضرورية ولكن هذه المرة عرض مبادرة قوامها هذه الجاهزية للتفاوض برعاية أممية على صيغة تضمن توقف الاعتداءات.
ليس في هذه المبادرة سوى تأكيد المؤكد أنّ رئيس البلاد يملك مهمةً واحدةً وهي إنقاذ البلاد والمحافظة عليها، وفي الأساس جاء خطاب الرئيس عون مُتكاملًا من حيث تسلسل الأحداث وصولًا إلى مجموعة الرسائل التي بعث بها إلى الداخل والخارج معًا.
وفي هذا السياق، يقولُ الكاتب والمحلل السياسي إلياس الزغبي لموقع “هنا لبنان”: “من الواضح أن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أكد على موقفه المعروف السابق والذي كرّره قبل أسابيع عن استعداد لبنان للتفاوض مع إسرائيل، واليوم تابع هذا الموقف وأوضح أنّ لبنان مستعد للتفاوض مع إسرائيل تحت رعاية أممية، هكذا سمّاها رعاية أممية ربّما يقصد رعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية تمامًا كما في لجنة “الميكانيزيم” وينقصها فرنسا. هذا الاستعداد اللبناني هو استعداد مبدئي طبعًا ويُدرك الرئيس والسلطة السياسية برمّتها أنْ لا خيار أمام لبنان إلّا هذا التفاوض وقد جرّب مسألة التصدّي العسكري وبالأسلحة لإسرائيل وكانت النتيجة معروفة، هزيمة موصوفة لحزب الله ومعه محور الممانعة بقيادة إيران. إذًا لبنان أمام خيار وحيد وهو التفاوض لاسترجاع حقوقِهِ أي انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس المحتلة أو أكثر وطبعًا إعادة تثبيت الحدود الدولية واتفاق الهدنة”.
ويضيف الزغبي: “ولكنَّ مسألة التفاوض مفتوحة هذه المرّة على أبعاد إضافية، الرئيس يقول إنّ التفاوضَ هو من أجل استعادة الحقوق اللبنانية في الأرض أي انسحاب الجيش الإسرائيلي وتثبيت الحدود. هذه المسألة طبعًا بديهية وأوّلية، لكنَّ الوضع العام النّاتج عن الحربَيْن الأخيرتَيْن أي حرب غزّة وحرب الإسناد اللَّتَيْن شنّهما حزب الله، هذا الوضع الناشئ يفتح الموضوع اللبناني على أكثر من تفاوضٍ تقنيّ يهدف فقط إلى تحرير الأرض الجنوبية المحتلة. المسألة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية مفتوحة على السلام في المنطقة، على كلّ هذا المشروع الذي يتبنّاه وأعلنه ويصرّ عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقد بدأت خطواته العملية في المرحلة الأولى في غزّة وستليها طبعًا على الرغم من بعض الإشكالات المرحلة الثانية وهذه المرحلة تعني خضوع غزّة لسلطة دولية يُشارك فيها الفلسطينيون وربما السلطة الفلسطينية بعد تعديلها وبعض العرب والدول الإسلامية تتقرر تسميتها لاحقًا ولكنّ الإدارة العامة ستبقى خاضعة طبعًا للمجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من خلال ما سُمِّيَ مجلس السلام لغزَّة”.
ويؤكد أن هذا الوضع في غزّة سينسحب حُكْمًا على الوضع في لبنان ولا يمكن للبنان أن يفرض شروطًا مسبقةً ثابتةً وجامدةً قبل المفاوضات. هو يستطيع أن يتمسّك بحقوقه خلال المفاوضات وبعد أن يُشفى من العقدتين التقليديتين يعني مفاوضات مباشرة وآخر من يوقع. هاتان العقدتان لم يعد هناك مجال للالتزام بهما، على لبنان أو السلطة اللبنانية المفاوِضة أن تتحرّر منهما كي تخوض مفاوضات فعلية وجدّية وذات أبعاد تؤدي إلى الاستقرار الفعلي، ربما تؤدّي إلى نوعٍ من التطبيع وإلى نوعٍ من الاتفاق الإبراهيمي وإلى نوعٍ من السلام. هذه مسألة مفتوحة ولكن أن يشترط لبنان مسبقًا أن تكون المفاوضات فقط من أجل سحب الجيش الإسرائيلي، فهذه المسألة صعبة التحقيق على الأقل والراعي العام للمفاوضات أي واشنطن معروف موقفها من هذه الناحية، فهي تريد أن تفتح طريق السلام في أكثر من اتجاه في الشرق الأوسط. هناك اتجاه في سوريا وهناك اتجاه في بعض دول الخليج العربي. هناك اتجاهات عديدة قد تصل في مرحلة متقدمة إلى إيران نفسها كي تخضع لمعادلة شهيرة أطلقتها الإدارة الأميركية الجديدة وهي “السلام بالقوّة” أي فرض السلام لأنّ السلام فقط بالمفاوضات وبالجلسات إلى طاولات مستطيلة أو مستديرة قد تمتدّ لسنوات ولا تؤدّي إلى شيء فعلي. القوة الإيجابية هنا هي التي تؤدّي إلى فرض السلام. تحت هذا المشهد الواسع، يندرج موقف لبنان من المفاوضات وعلى السلطة اللبنانية أن تتمتّع بالشجاعة الوطنية الكافية كي تذهب إلى خوض مفاوضات تؤدّي أولًا إلى تحرير الأراضي اللبنانية وتثبيت الحدود الجنوبية، على أن يتّسعَ هذا الأمر إلى الحدود السورية فتنضبط الحدود بكاملها، وفي الوقت نفسِه تكون الدولة قد استردّت قرار الحرب والسلم وحصر السلاح بيدها وتمّ نزع الأسلحة غير الشرعية اللبنانية وغير اللبنانية من حزب الله ومن الفلسطينيين وكلّ مجموعة تحتفظ بسلاحها في هذه المنطقة أو تلك”.
ويختم الزغبي: “المسألة إذًا مفتوحة على المفاوضات الواسعة وليس على المفاوضات المشروطة مُسبقًا. لبنان بعد الهزيمة النكراء التي حلت بحزب الله لم يعدْ في موقع فرض الشروط المسبقة بل هو في موقع السعي للحفاظ على حقوقه وهذا ما تعنيه المفاوضات الفعلية التي يجب أن تنشأ بين لبنان وإسرائيل برعاية دولية أممية أميركية”.




