الاستقرار المؤجَّل: الاغتيالات تُسقِط أقنعة الدويلة

عامٌ على التسليم باتفاق وقف النار المُذِلّ بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني 2024؛ تعمّدت خلاله إسرائيل إثبات تفردها في امتلاك القوة والمشروعية لاستكمال الحرب على “الحزب”. لكن ما فاتها أنّ لبنان تمكّن من تخطّي الشغور المؤسساتي، ويحاول منذ انتخاب رئيس جديد للجمهورية وضع حدّ لدويلة الحزب وتفرّده باحتكار قرار الحرب والسلم والتحكم بسياسة لبنان وموقعه
كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:
عشية الذكرى السنوية الأولى لتسليم “حزب الله” بحقّ إسرائيل المطلق في استهداف قادته ومنشآته العسكرية التي تشكّل خطراً على أمنها، يواجه لبنان واقعًا متعدد المخاطر: استمرار الضربات الإسرائيلية، تسويف حكومي في تنفيذ نزع سلاح الحزب، وضغط إقليمي متصاعد لتحجيم إيران وأذرعها في المنطقة. هذه العناصر لا تشكّل مجرد إخفاقٍ متزايد في منهجية “دويلة” حزب الله، بل تهديدًا مباشرًا لقدرة الدولة اللبنانية على استعادة سيادتها الأمنية والسياسية.
عامٌ على التسليم باتفاق وقف النار المُذِلّ بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني 2024؛ تعمّدت خلاله إسرائيل إثبات تفردها في امتلاك القوة والمشروعية لاستكمال الحرب على حزب الله. لكن ما فاتها أنّ لبنان تمكّن من تخطّي الشغور المؤسساتي، ويحاول منذ انتخاب رئيس جديد للجمهورية وضع حدّ لدويلة الحزب وتفرّده باحتكار قرار الحرب والسلم والتحكم بسياسة لبنان وموقعه. وقد دخل لبنان حقبة جديدة: حقبة استعادة الثقة والعمل على تحقيق مشروع قيام الدولة.
دولة تريد السلام، وحلّ النزاعات العالقة مع جيرانها بالطرق الدبلوماسية والسلمية. دولة لا تريد أن تحتفي باستقلالها الثاني بعد الثمانين (82 عاماً) في ظروف استثنائية، وعلى وقع الضربات الإسرائيلية والاغتيالات المتكررة. دولة تسعى إلى استعادة ثقة الداخل والخارج بمؤسساتها، بحيث لا يشعر المواطن بعجز الدولة عن بسط سلطتها وقرارها على كامل أراضيها. إعادة بناء الثقة هنا لا تحتاج شعارات، بل خطوات عملية تصون الاستقلال، وتحمي الحدود، وتؤمّن الانتظام المطلوب لمؤسسات الدولة وسلطاتها، مع التشدد في تذليل القيود البنيوية التي تمنع الجيش من القيام بدوره.
في هذا الإطار، تبرز أهمية خريطة الطريق التي أعلنها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، رغم أنّ حديثه عن “السلام” جاء مرتبطًا بعنوان زيارة الحبر الأعظم البابا لاوُن الرابع عشر إلى لبنان: “طوبى لفاعلي السلام”. وقد أشار الرئيس إلى أنّ اختيار هذا العنوان نابع من كون اللبنانيين شعبًا يؤمن بالسلام ويسعى إليه، ولأنّ المنطقة تتجه نحو مرحلة من الاستقرار يتوجب الاستعداد لها جيداً.
الاستعداد لمرحلة الاستقرار والسلام يقطع الطريق عملياً أمام أي مشاريع توسعية لإسرائيل أو محاولات فرض أمر واقع جديد في الجنوب. هذه المقاربة التي يحاول الرئيس ترسيخها تتطلب أن تتعامل الدولة بكل أركانها مع السلام من منطلق رؤيوي جريء، لا من خانة الضعف. فمشروع السلام، بل العمل على فرضه، يجب أن يشكّل أداة دفاعية تحاصر أطماع الخارج، وتُسقط ذرائع السلاح خارج الشرعية. فالسلام، بالمعنى السياسي، ليس معادلاً للضعف، بل انتقالٌ من منطق ردّ الفعل العسكري القاتل إلى منطق التخطيط الذي يحمي السيادة ويطمئن المواطنين.
غير أنّ هذا المسار لا يكتمل من دون معالجة الأسباب الأساسية للمعضلة التي تمنع قيام الدولة في لبنان، والتي لا بدّ أن تبدأ بالتحرر من الولاءات والمشاريع الخارجية التدميرية، وقطع الأذرع وطرق الإمداد بالسلاح والمال للميليشيات. لا يمكن للبنان أن يدخل مرحلة استقرار ويطلب من العالم معاملته كدولة طبيعية فيما قرار بعض مكوناته مرتهن للخارج. الدولة مطالبة اليوم بمقاربة عقلانية تُنهي ازدواجية القرار التي وفّرت بيئة خصبة لتنامي الأذرع الإيرانية وترسانتها خلال المرحلة الماضية، وبإطلاق عملية سياسية داخلية تضمن عدم شعور أي مكوّن لبناني بأنه خارج المعادلة الوطنية.
الواقع المُعايَش في لبنان بعد مرور عام على اتفاق وقف النار “المُذِلّ” يؤكد أن القرارات الدولية والاتفاقات لا يتم الالتزام بها. كما أنّ الهدف الأكثر واقعية، بل الأساسي، للحكومة والدبلوماسية اللبنانية هو تحويل وقف النار مع إسرائيل من حالة هشّة إلى واقع ثابت. من دون ذلك، ستبقى الاغتيالات والاستهدافات الإسرائيلية المتكررة شريكًا دائمًا في صناعة واقعٍ لا يريد لبنان تحمّله.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“رسول السلام” في لبنان… المسيحيّون بين استعادة الدور وصوغ السلام! | جدار إسرائيل يُدان… لكن الإنكار اللبناني للسلام أخطر! | السياسة في زمن السلاح: لبنان بين الحرب والعزلة |




