سلاح “الحزب” يجرّ لبنان إلى الدمار: التفكيك أو الحرب


خاص 25 تشرين الثانى, 2025

ثلاثون سنة واللبناني يدفع الثمن: الليرة سقطت، الاقتصاد تبخّر، المصارف انهارت، والدولة نفسها تحوّلت إلى هيكل فارغ.. بينما “الحزب” يتصرّف كأنّ لبنان مجرد ساحة من ساحات صراعه الإقليمي، وكأنّ حياة أربعة ملايين إنسان تفصيل صغير أمام أجندات لا علاقة لهم بها

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

لبنان يعيش اليوم على حافة انهيار كامل. ليس لأنّ اللبنانيين يريدون الحرب أو يبحثون عن مشكلة، بل لأنّ ميليشيا واحدة قرّرت أن تمسك برقبة البلد وتجرّه من كارثة إلى أخرى. ثلاثون سنة واللبناني يدفع الثمن: الليرة سقطت، الاقتصاد تبخّر، المصارف انهارت، والدولة نفسها تحوّلت إلى هيكل فارغ… بينما حزب الله يتصرّف كأنّ لبنان مجرد ساحة من ساحات صراعه الإقليمي، وكأنّ حياة أربعة ملايين إنسان تفصيل صغير أمام أجندات لا علاقة لهم بها.
الناس لم يعودوا قادرين على الاحتمال. سئموا من الحروب التي تُفرض عليهم، من العزلة التي خنقت البلد، من الشعارات التي لم تحمِ أحداً، ومن سلاح جلب الدمار أكثر مما جلب الحماية. اللبنانيون يريدون العيش مثل باقي البشر: استقرار، فرص، سلام، دولة طبيعية… لكن الحزب ما زال يصرّ على منطق الميليشيا، على لغة التهديد، على الاستقواء بسلاح أثبت أنه لا يحمي حتى قادته.
وما يزيد الصورة قتامة أنّ كل يوم يمرّ يكشف حجم المأزق: قيادات تُقتل داخل مخابئها، ضربات إسرائيلية متواصلة، انهيار مؤسسات الدولة، وضغط دولي غير مسبوق على لبنان لمعالجة ملف السلاح. لم يعد بإمكان أحد القول إنّ المشكلة سياسية فقط. المشكلة اليوم وجودية: إمّا دولة وإمّا ميليشيا. إمّا مستقبل وإمّا استمرار الغرق.
وسط هذا المشهد الملبّد، يبدأ المحلّلون السياسيون عبر “هنا لبنان” برفع الصوت، كل بطريقته، ليقولوا الحقيقة كما هي: البلد أمام مفترق خطير، وما كان يهمس في الغرف المغلقة أصبح يقال اليوم علناً. فالمؤشرات كلها واضحة: لبنان لن ينهض طالما هو مجرّد ورقة في لعبة لا يتحكّم بها.
المحلل السياسي طوني بولس يقول: “سئم اللبنانيون من مغامرات ميليشيا حزب الله. هذا التنظيم خطف الدولة، جرّها إلى الحروب، جلب عليها الحصار، ودفعها إلى الانهيار الاقتصادي والمالي، وما زال حتى اللحظة يسير خلف الأجندة الإيرانية وكأنّ الزمن توقّف عنده. في حين أنّ اللبنانيين يتطلعون إلى مستقبل مختلف، إلى الانفتاح على المنطقة، إلى مشروع سلام واستقرار وتنمية وازدهار… حزب الله ما زال يحكم بمنطق الميليشيا التي تعيش خارج العصر”.

ويتابع: “اللبنانيون اليوم رهائن حزب دمّر لبنان ودمّر بيئته قبل غيره. استنزف الاقتصاد حتى وصلت الليرة إلى الحضيض، أطاح بالقطاع المصرفي عبر إنشاء نظام مالي موازٍ قائم على تبييض الأموال، ضرب الجيش والدولة عبر تأسيس ميليشيا رديفة، واستخدم مؤسسات الدولة كذراع لوجستية لمشروعه الإيراني. والأنكى أنّ السلاح الذي يزعمه الحزب سلاح حماية لم يعد يحمي حتى قادته. إسرائيل تصطادهم واحداً تلو الآخر، وآخرهم رئيس الأركان أبو علي الطبطبائي الذي قُتل داخل مخبئه بغارة إسرائيلية دقيقة. ميليشيا لا تستطيع حماية قائدها هي ميليشيا ساقطة عسكرياً”.
ويتساءل بولس: “فماذا ينفع هذا السلاح إذا كان يجلب للبنان المزيد من الضربات ويهدّد بحرب جديدة قد تدمّر الجنوب والضاحية وتهجّر أبناء بيئته؟”
ويقول: “المعادلة واضحة: إذا لم يتخلَّ الحزب عن سلاحه، فستنزعه إسرائيل بالقوة. وعندها سيدفع أبناء بيئته الثمن الأكبر تهجيراً ودماراً. فهل يتآمر حزب الله على بيئته؟ وهل يصرّ على جرّها إلى مواجهة خاسرة تضرب وجودها قبل غيرها؟”.

يردف: “اللبنانيون اليوم يفتحون صفحة مختلفة تماماً. اللبنانيون يتطلعون إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، يتطلعون إلى الانخراط في مسار السلام والاندماج الإقليمي، إلى مستقبل طبيعي بين شعوب المنطقة. كما ينتظرون زيارة البابا بكل شغف، لأنها محطة مفصلية تنقل لبنان من قرون من الحروب والصراعات التي جرّها حزب الله إلى عهد جديد من السلام والطمأنينة. زيارة البابا تحمل عنواناً واحداً: السلام… وهذا تماماً ما يريده اللبنانيون. يريدون الانطلاق نحو حياة كريمة، نحو ازدهار وفرص وتطور، لا البقاء في مستنقع الفقر والحروب والأزمات التي يجرّهم إليها الحزب”.
من هنا، المطلوب أن تتحرك البيئة الشيعية لحماية نفسها، أن تعود إلى حضن الدولة، أن تنخرط في المشروع الوطني اللبناني، وأن تتحرر من أسر حزب بات شوكة في خاصرة لبنان ومستقبل أبنائه. لبنان لا يستطيع أن يبقى رهينة تنظيم لا يعيش إلا على الحروب والكوارث… فيما شعبه يريد الحياة.

بدوره يرى المحلل السياسي إيلي بدران أنه “لم يعد لسلاح حزب الله أي قيمة عسكرية، ومن يدير حزب الله اليوم يعتمد حصراً على الدعاية الإعلامية لا غير، تباهوا أنهم يعيدون بناء قدراتهم العسكرية وكأنهم يعطون لإسرائيل الذريعة لضربهم”.
ويقول: “على حزب الله أن يتواضع ويقتنع بأنّ سلاحه عجز عن حماية قياداته ومغامراته العسكرية كانت أشبه بحفلات انتحار جماعي، وخلاصه الوحيد اليوم أن يسلم سلاحه الفارسي، يتخلى عن مشروعه الإقليمي، يفكك بنيته الأمنية والعسكرية، يسلم ما تبقى من صواريخ لم تسحقها إسرائيل في جولة القتال الأولى، ويدخل بكامل إرادته في كنف الدولة اللبنانية”.
ويضيف: “الحزب وقّع بكامل إرادته على اتفاق الاستسلام والإذعان وعند البدء في تنفيذ بنود الاتفاق ارتفع صوته وبدأ يهدد بالقتال الداخلي، يتمرجلون متناسين أنّ إسرائيل تصطادهم كالفئران عندما يخرجون من جحورهم”.
ويختم بدران: “ميزان القوى تبدل وعبارات انظروا إلى عرض البحر، نتنياهو مرعوب، سنجتاح الجليل بفرقة موسيقية وإسرائيل تقف على “إجر ونص” باتت أقرب إلى فيلم كوميدي منه إلى دعاية عسكرية أو حربية”.

من جهته، يقول المحلل السياسي آلان سركيس: “يبدو أنّ ملفّ سلاح حزب الله بلغ مرحلة لم يعد ممكناً تجاهلها أو تأجيلها. فالسلاح الذي قيل إنّه لحماية لبنان، لم ينجح حتى في حماية أبرز القيادات العسكرية داخل الحزب، ما يطرح أسئلة جوهرية حول جدوى استمراره ودوره الفعلي في الواقع اللبناني”.
ويتابع: “عند العودة إلى جذور الأزمة، يتّضح أنّ هذا السلاح تحوّل منذ سنوات طويلة إلى أحد أعقد أوجه المأزق اللبناني. فهو، عملياً، يستدرج البلاد إلى دائرة الانهيار، ويمنح إسرائيل الذريعة لشنّ اعتداءات مدمّرة كلما شاءت، وكأنّه يضع لبنان في موقع المواجهة الدائمة”.
ويضيف: “اليوم، يقف لبنان عند مفترق مصيري. الضغط الأميركي والدولي، ومعه الضغط الإسرائيلي بطبيعة الحال، يتزايد على الدولة اللبنانية بهدف الوصول إلى صيغة واضحة لنزع سلاح الحزب. وفي حال بقي هذا الملف معلّقاً، فإنّ حزب الله يجرّ نفسه قبل غيره إلى كارثة، ويفتح الباب أمام حرب مدمّرة جديدة أو على الأقل سلسلة من الاغتيالات والعمليات الأمنية التي تتّسع رقعتها يوماً بعد يوم، في وقت يبدو الحزب عاجزاً عن الردّ.”
في موازاة ذلك، تكثّفت الاتصالات العربية والدولية مع بيروت، حاثّةً الدولة اللبنانية على التعجيل في معالجة هذا الملف، لكنّ الواضح أنّ القرار النهائي لا يزال خارج الحدود، وأنّ الحزب لم يتلقَّ بعد الضوء الأخضر من طهران للشروع في أي خطوة تتعلق بسلاحه، بحسب سركيس.
ويقول: “هكذا يدخل لبنان نفقاً مظلماً جديداً. فالسلاح لم يعد عبئاً على الدولة وحسب، بل بات يهدّد البيئة الحاضنة للحزب نفسها، ويقوّض ما تبقّى من مؤسسات وشروط حياة. وما ظهر من ردود فعل إيرانية على اغتيال أحد أبرز القادة العسكريين في حزب الله يعكس حجم الارتباط البنيوي بين القرار داخل الحزب والمصالح الإيرانية الإقليمية”.
ويوضح سركيس: “اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يبدو أنّ هذا السلاح لم يعد وصاية بقدر ما يشبه احتلالاً مباشراً، يضع لبنان على خطّ الانفجار في كل لحظة، ويكلّف كل مكوّنات الشعب اللبناني—وليس الجنوب أو البيئة الشيعية وحدهم ثمناً باهظاً”.
ويختم حديثه بالقول: “إنّ استمرار الدولة في العجز، وإصرار الحزب على رفض أي نقاش جدّي حول مستقبل سلاحه، يضعان البلاد على حافة نقطة اللاعودة. وفي لحظة الحقيقة هذه، يخشى أن يُقدَّم لبنان مرة جديدة ثمناً لتوازنات إقليمية، وأن يُدفَع أبناؤه إلى مواجهة جديدة لا يريدونها، فقط لأنّ القرار النهائي ما زال عند طهران”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us