إيران لا تريد للحزب أن يَرُدَّ!

التحدّي الأكبر أمام الحزب لن يكون كيفيّة الرد، بل كيفيّة احتواء الانهيار المعنوي داخل بيئته. فالشارع الذي اعتادَ على صورة “الحزب الذي لا يُخترق” يُواجِه اليوم حقيقةً صادمةً: العدو وصل إلى قلب البنية القيادية وفرض على الحزب الخيار الأصعب — الصمت.
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
منذ اللحظة الأولى لاغتيال هيثم علي الطباطبائي، بدا واضحًا أنّ إيران لا تريد لحزب الله أن يردّ، ليس فقط لأنّها لا تبحث عن توسّع المواجهة في هذه المرحلة، بل لأنها تعتبر أنّ أيّ ردّ مباشر سيُهدِر ورقةً ثمينةً تحتاجها في اللحظة التي قد تتعرَّض فيها هي نفسُها لحربٍ واسعةٍ، وهو احتمالٌ بات أكثر حضورًا من أيّ وقت مضى. المعلومات التي تَسرّبت من قنواتٍ دبلوماسيةٍ مُتقاطعةٍ تشير إلى أنّ الطلب الإيراني جاء فور وقوع الاغتيال، وأنّ قيادة الحزب تلقّت رسالةً حاسمةً لا تقبل الاجتهاد: “لا ردّ الآن”.
السبب أعمقُ من مجرّد إدارة هدوء أو تجنّب تصعيد. إيران تدرك أنّ ميزان القوى مختلّ بشكل كبير، وأنّ أي عملية انتقامية كبيرة ستنقل المواجهة من إطارها المحسوب إلى اشتباكٍ أوسع تفرض فيه إسرائيل شروط اللعب. لذلك، وبواقعيةٍ حادّةٍ، فضّلت طهران إبقاء الحزب خارج هذه الساحة، لأنّ دخوله سيعني الانجرار الطوعي إلى ملعبٍ حدّدته إسرائيل مسبقًا، وهي مستعدّة له على مستوياتٍ مُتعدّدة.
على هذا الأساس، يمكن القول إنّ حزب الله ابتلع السمّ مرّة جديدة، مُفَضِّلًا تَحمُّل الصفعةِ على التعرّضِ للكمّاتٍ قاتلة. الخسارة ليست فقط في عملية الاغتيال، بل في ما فرضته من مشهد سياسي وأمني جديد: ضربة نوعيّة تُوجَّه إلى رأس الهرم، والحزب عاجزٌ عن الردّ.
وباغتيال الطبطبائي، تبيّن أنّ كلّ الشعارات التي رفعتها منظومة الممانعة حول “استعادة الجاهزية”، “العمل السري تحت الأرض”، و”الغموض الاستراتيجي”، لا تتعدّى حدود الشاشات. ما تكشّف هو العكس: اختراقٌ أمني عميق يصل إلى مستوى القيادة العليا، وتتبّعٌ دقيق لحركة أحد أهمّ العقول العملياتيّة في الحزب.
هذا الواقع يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر خطورةً في المرحلة المقبلة. فالحزب، على الرغم من كلّ محاولاته لإظهار الصلابة، يبدو مكشوفًا أمام جهاز استخباراتي يعمل بفعّالية غير مسبوقة. ومع هذا النوع من الاختراق، يصبح احتمال تكرار الاغتيالات والضربات المؤلمة أمرًا قائمًا، لا مجرّد فرضيةٍ تحليليّةٍ.
التحدّي الأكبر أمام الحزب لن يكون كيفيّة الرد، بل كيفيّة احتواء الانهيار المعنوي داخل بيئته. فالشارع الذي اعتادَ على صورة “الحزب الذي لا يُخترق” يُواجه اليوم حقيقةً صادمةً: العدو وصل إلى قلب البنية القيادية وفرض على الحزب الخيار الأصعب — الصمت.
بهذا المعنى، اغتيال الطبطبائي لم يكن مجرّد عمليةٍ أمنيةٍ، بل إعلان مرحلةٍ جديدةٍ لا يمتلك فيها الحزب زمام المبادرة، ولا القدرة على الدفاع عن الصورة التي بناها طوال أربعة عقود.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“الحزب” يغرق السفينة | الهزيمة لا تعطي لصاحبها الحقّ بـ”الأستذة” على الدولة! | لو لم يلغِ حافظ الأسد اتفاق 17 أيار |




