بعبدا تُعلن بداية “الشرق الجديد”: لقاء الرئيس والبابا يُعيد كتابة دور لبنان!


خاص 1 كانون الأول, 2025

إنّ قيمة هذه الزيارة لا تكمن فقط في رمزية حضور الحبر الأعظم إلى لبنان، بل في إعادة تثبيت دور لبنان نفسه. فمن بعبدا خرجت رسالة واضحة: لبنان ليس بلدًا يبحث عن معجزة، بل بلد يصنع معجزته بنفسه حين يلتقي على قيم الشراكة والحرية والعدالة.

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

لم يكن اللقاء بين الرئيس جوزاف عون والبابا لاوون الرابع عشر في القصر الجمهوري مجرد محطة بروتوكولية في زيارة بابوية إلى لبنان، بل لحظة فارقة حملت مزيجًا نادرًا من الرسائل السياسية والروحية، وأعادت تثبيت موقع لبنان في قلب الشرق كمساحة سلام لا يمكن الاستغناء عنها. ففي زمنٍ تتكاثر فيه الحروب، وتنهار فيه الدول تحت ثقل أزماتها، وقف لبنان من جديد في بعبدا ليقدّم نفسه كنموذج قادر على الحياة، وكقيمة معنوية وسياسية تتجاوز حجمه وحدوده.

كلمة الرئيس جوزاف عون جاءت لتؤكد أنّ لبنان ليس مجموعة طوائف متجاورة، بل وطن يقوم على الحرية والكرامة والمساواة، وأنّ صيغة العيش المشترك ليست إرثًا تاريخيًّا فقط، بل ضمانةً لمستقبل المنطقة بأكملها. أعاد الرئيس تعريف دور لبنان باعتباره “مساحة اللقاء الوحيدة” بين أبناء الرسالات، وحذّر بوضوح من أنّ سقوط هذه الصيغة يعني فتح الباب أمام منطق التطرّف والحروب المفتوحة. وفي أكثر مقاطع خطابه عمقًا، استحضر صورة “المرأة الكنعانية” ليجعل منها رمزًا للشعب اللبناني الجريح الذي يطلب الشفاء لا الاستسلام، مؤكّدًا أنّ اللبنانيين لن يموتوا ولن يرحلوا ولن يتخلّوا عن وطنهم مهما اشتدّت الأزمات.

أمّا البابا لاوون الرابع عشر، فقد أتى إلى لبنان بشعار “طوبى لفاعلي السلام”، وجعل من بعبدا منصةً لإعادة صياغة دور لبنان في المنطقة. وصف اللبنانيين بأنهم “شعب لا ينهزم”، قادر على النهوض من بين الركام والولادة من جديد، ودعا بوضوح إلى مواجهة الجراح بدل إنكارها، وإلى محاسبة الذّات لا الهروب من الحقيقة. وخصّ الشباب والنساء بنداء مباشر، معتبرًا أنهم ركيزة السلام وتجديد المجتمع، فيما شدّد على ضرورة خلق شروط تمنع نزيف الهجرة وتُبقي أبناء البلد في أرضهم.

التقاء الخطابَيْن في المعنى والاتجاه كان لافتًا: كلاهما قدّم لبنان كنموذج لا بديل عنه؛ وكلاهما وضع السلام كخيار دولة لا كترفٍ أخلاقي؛ وكلاهما وجّه دعوة صريحة إلى أن يكون لبنان عنصر توازن في الشرق لا ضحية محاور. فالرئيس ربط استعادة الدولة بوقف الدويلات وحصرية السلاح، والبابا كرّس دور هذه الدولة كضمانة للاستقرار الداخلي ومنع الانفجار الإقليمي. هكذا وُلد من بعبدا ما يشبه “بيانًا موحدًا” يشرح لماذا لا يجوز للعالم أن يفقد لبنان، ولماذا على اللبنانيين ألّا يفقدوا أنفسهم.

تأتي هذه الزيارة في لحظة إقليمية حسّاسة، حيث تُعاد رسم خرائط النفوذ بعد حرب غزة وحيث تتقدم الجهود الدولية لإرساء استقرار طويل الأمد على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. في هذا السياق، بدت رسائل بعبدا كجسرٍ ضروري بين الداخل والخارج: العالم مستعدّ لدعم لبنان إذا قرّر السير في طريق الدولة والمؤسّسات، والرئيس يعرض رؤيةً واضحةً للعبور من الفوضى إلى النظام، فيما البابا يضع ثقله الأخلاقي والروحي في خدمة هذا المسار.

إنّ قيمة هذه الزيارة لا تكمن فقط في رمزية حضور الحبر الأعظم إلى لبنان، بل في إعادة تثبيت دور لبنان نفسه. فمن بعبدا خرجت رسالة واضحة: لبنان ليس بلدًا يبحث عن معجزة، بل بلد يصنع معجزته بنفسه حين يلتقي على قيم الشراكة والحرية والعدالة. وفي كلمات الرئيس والبابا معًا، وجد اللبنانيون ما يشبه خريطة طريق جديدة تقول لهم: “يمكنكم النهوض، شرط ألّا تتخلّوا عن دولتكم، ولا عن بعضكم، ولا عن ذلك الإيمان العميق بأنّ لبنان، رغم كل شيء… وطن لا ينهزم”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us