“تحدّي الخنق” يهدّد حياة تلميذ في إحدى مدارس بيروت ويفضح فجوة الرقابة!


خاص 2 كانون الأول, 2025

إن حادث “تحدّي الخنق” في بيروت ليس مجرّد خبر، بل جرس إنذار حقيقي. هو دعوة واضحة إلى أنّ المخاطر لم تعد تأتي من الخارج ولا من الغرباء، بل من مقطع فيديو بسيط يُنشر على منصة رقمية ويشاهده ملايين الأشخاص. ومن هنا، يصبح على المدارس أن تُعيدَ صياغة مفهوم الرّقابة لديها، وأن تدرك أنّ العالم تغيّر، وأنّ طلاب اليوم ليسوا طلاب الأمس.

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان:

لم يكن صباح ذلك اليوم في إحدى مدارس بيروت المعروفة يشبه غيره. ففي لحظات، تحوّل ملعب الرياضة إلى مسرح حادثٍ صادمٍ أعاد طرح سؤال كبير حول مدى قدرة المؤسّسات التعليمية على حماية طلابها من الأخطار الحديثة التي لا تأتي من الخارج، بل تنمو بصمتٍ داخل شاشات الهواتف المحمولة. خلال ساعة الرياضة، حاول تلميذان تنفيذ “تحدّي الخنق”، أحد أشهر التحدّيات المنتشرة عبر منصة “تيك توك”، والذي يقوم على حبس النفس أو الضغط على العنق بهدف إحداث دوار أو فقدان موقت للوعي. غير أنّ اللحظة التي ظنّ فيها التلميذان أنهما يخوضان مغامرةً بسيطةً انتهت بسقوطٍ عنيفٍ جعل أحدهما يفقد وعيه تمامًا ويصطدم بالأرض بقوةٍ، ما تسبّب بكسرٍ في الفكّ وتشوّهات في الوجه، وسط ارتباكٍ كبيرٍ بين الأساتذة والطلاب.

الواقعة، بما تحمله من قسوةٍ ودلالاتٍ، لم تكنْ مجرّد حادث عابر داخل مؤسّسة تربوية، بل مؤشرًا واضحًا إلى حجم تأثير المُحتوى الرقمي في حياة المراهقين، وفي الطريقة التي ينتقل بها من الشاشة إلى الواقع من دون أن يشعر الرّاشدون بذلك. فالتحدّيات الخطرة التي تنتشر عبر منصّات التواصل ليست جديدةً، لكنّها اليوم أكثر قدرةً على اختراق البيئات الحسّاسة، وفي مقدمتها المدارس، حيث يندفع الطلاب إلى تقليدها بدافع الفضول، غير مدركين أنّ ثوانٍ معدودات قد تترك ضررًا لا يُمحى.

وما يزيد من خطورة الحادث أنّه كشف ثغرةً رقابيةً باتت مشتركةً بين عددٍ من المدارس: غياب الإشراف الفعلي خلال الفترات التي يُفترض أن تكون أكثر أمانًا مثل ساعة الرياضة والاستراحة. ففي هذه الأوقات تحديدًا، تُترك مجموعات كبيرة من الطلاب بلا متابعة دقيقة، أو يُكتفى بوجود شكلي لأستاذ أو أستاذَيْن ليس بإمكانهما مراقبة عشرات السلوكيات في الوقت نفسه. وهذا النوع من الغياب أو الارتخاء الرّقابي يفتح الباب أمام ممارسات متهوّرة تنتقل من الهاتف إلى أرض الملعب في لحظة واحدة فقط.

المدرسة وجدت نفسَها في مواجهة أسئلة صعبة. فكيف تحوّل ملعبها المفترض أن يكون مكانًا للراحة إلى منصّة لتجارب مأخوذة من تطبيقات التواصل؟ وكيف لم ينتبه الأساتذة إلى أنّ الطلاب يمارسون سلوكًا داخل حرم المدرسة؟ واقع كهذا يكشف أنّ العديد من المؤسّسات التعليمية ما زالت تعمل وفق سياسات رقابية تقليدية لا تتناسب مع طبيعة المخاطر الرّقمية التي يتعرّض لها جيل اليوم، جيل يعيش داخل عالم افتراضي يتجاوز إدراك الكبار وتوقعاتهم.

وفي تعليق على الظاهرة، يُجمع عدد من أخصائيي علم النفس لموقع “هنا لبنان”، على أنّ المراهقين اليوم يعيشون تحت ضغط المقارنة المستمرّة، وأنّ التحديات الإلكترونية تمنحهم وَهْمَ الشجاعة والبطولة، فيندفعون نحو تجريبها طلبًا للقبول داخل مجموعتهم.

ويُشير أحدهم إلى أنّ الدماغ في هذه المرحلة لا يكون مُكتملًا على مستوى اتخاذ القرار، ما يجعل المراهق أكثر عرضةً للسلوكيّات المتهوّرة من دون التفكير في نتائجها. ويوضح أنّ تجاهل المدارس لهذه السلوكيات قد يسمح بانتشارها بصمت، إذ يكفي أن يشاهد طالب واحد مقطعًا خطيرًا ليحوّله إلى تجربة جماعية داخل المدرسة.

هذه الحادثة التي كادت تتحوّل إلى مأساةٍ كانت كفيلةً بإعادة طرح سؤال أساسي: هل تملك مدارسنا القدرة الفعلية على حماية طلابها من مخاطر العصر الرقمي؟ أم إنّها لا تزال تعتمد أساليب رقابة تنتمي إلى زمن سابق، حيث كانت المشكلات تقف عند حدود المشاجرات أو السلوكيّات الصاخبة؟ إنّ الواقع الجديد يفرض على المؤسّسات التعليمية إعادة النظر جذريًا في أساليب الإشراف داخل الحرم المدرسي، وتدريب كوادرها على التعامل مع أشكالٍ جديدةٍ من السلوكيّات، بعضها يبدأ بضحكة وينتهي بإصابة خطيرة أو بفقدان حياة.

وفي الوقت نفسه، لا يمكن فصل دور المدرسة عن دور الأسرة. فالأهل يتحمّلون مسؤولية متابعة ما يشاهده أبناؤهم، وربط علاقتهم بهم بخيط من الثقة يسمح للابن بمصارحتهم بما يجرّبه أو يرغب في تجربته. لكنّ المدرسة تبقى المكان الذي يقضي فيه الطالب نصف يومه، ما يجعلها الحلقة الأقوى في إمكانيّة التدخل قبل وقوع الخطر.

إن حادث “تحدّي الخنق” في بيروت ليس مجرّد خبر، بل جرس إنذار حقيقي. هو دعوة واضحة إلى أنّ المخاطر لم تعد تأتي من الخارج ولا من الغرباء، بل من مقطع فيديو بسيط يُنشر على منصة رقمية ويشاهده ملايين الأشخاص. ومن هنا، يصبح على المدارس أن تُعيدَ صياغة مفهوم الرّقابة لديها، وأن تدرك أنّ العالم تغيّر، وأنّ طلاب اليوم ليسوا طلاب الأمس، وأنّ مسؤوليّتها تجاههم لا تقتصر على التعليم الأكاديمي، بل تمتدّ إلى حمايتهم من مُحتوًى يرافقهم إلى الصف، وإلى الملعب، وحتى إلى لحظات اللعب البريء.

فالتحرّك اليوم ضرورة، وليس خيارًا. والتشدّد في الرقابة داخل المدرسة، وتحديث الأساليب التربوية، والانتباه للسلوكيّات الصغيرة التي قد تكون مقدمةً لسلوك خطير، وهو ما قد يمنع تكرار ما حدث… ويحمي مئات الطلاب من مصير مشابه.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us