من أنطوان فتّال إلى سيمون كرم!

يمتاز سيمون كرم بخبرة دبلوماسية واسعة اكتسبها خلال عمله سفيرًا في واشنطن، ولو كانت المدة قصيرة لكنّها غنية بالتجربة لأنه دخل في كباش دبلوماسي مع سفير سوريا في واشنطن وليد المعلم الذي كان يريد أن يختزل الموقف اللبناني باستيعابه تحت مظلة الدبلوماسية السورية، ما دفعه إلى تقديم استقالته.
كتب جان الفغالي لـ”هنا لبنان”:
الفارق أقل من نصف قرنٍ بقليل، اثنان وأربعون عامًا بين اتفاق 17 أيار 1983 وبين بدء التفاوض اليوم، فحين بدأت المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، برئاسة أنطوان فتّال عن الجانب اللبناني، كان السفير سيمون كرم الذي يرأس وفد لبنان اليوم إلى المفاوضات، بعمر الثلاثين، ومن مفارقات القدر أنّ الشاب ابن الثلاثين عامًا، الذي كان قريبًا من واقع المفاوضات آنذاك، أصبح اليوم رئيسًا للوفد اللبناني.
مسار المفاوضات بين لبنان وإسرائيل كان شهد محطات متعدّدة اتسمت بتباينٍ في الظروف السياسية والأمنية، وباختلافٍ في الشخصيات الدبلوماسية التي تولّت إدارة هذا الملف المعقّد. ويشكّل الانتقال من مرحلة أنطوان فتال، أحد أبرز الدبلوماسيين اللبنانيين في خمسينيّات القرن الماضي، إلى مرحلة السفير السابق سيمون كرم اليوم، مناسبةً لمقاربة التطورات في الصراع مع إسرائيل.
في مرحلة أنطوان فتّال، كان الجيش الإسرائيلي في بيروت، وكان لبنان يعيش في ظلّ أخطر مرحلة بعد الاستقلال، حيث كان التوازن الداخلي متصدّعًا، والدور العربي محدودًا. كانت المفاوضات التي خاضها فتّال في تلك الفترة تدور أساسًا حول قضايا الحدود، وقف إطلاق النار، ومسائل تتعلق بالهدنة التي فرضتها حرب 1948. وكانت إسرائيل تُطالب بأكثر ممّا تضمنته اتفاقية الهدنة.
رئيس الوفد السفير أنطوان فتّال تميّز بخبرة قانونية رفيعة المستوى، مستندًا إلى سعة علمٍ في القانون الدولي وإلى منهجية دبلوماسية تعتمد على النصوص والمعاهدات، في ظلّ هامش محدود للمناورة السياسية. كان الهدف الرئيسي آنذاك تثبيت الحقوق اللبنانية ومنع أي خرق للسيادة، من دون الدخول في مسارات تطبيع أو ترتيبات أمنية تتجاوز ما سمحت به ظروف تلك المرحلة.
أمّا اليوم، ومع تكليف السفير سيمون كرم برئاسة الوفد اللبناني، فإنّ الإطار تغيّر جذريًا. فلبنان يخوض مفاوضات في مرحلةٍ تختلف جذريًّا عن ثمانينيّات القرن الماضي: انهيار اقتصادي غير مسبوق، حضور قوي لملف ترسيم الحدود البحرية والبرّية، تدخلات دولية مباشرة، وتصاعد دور القوى الإقليمية. إضافةً إلى ذلك، لم يعد الصراع العربي – الإسرائيلي كما كان في السابق، بل تحوّل إلى شبكةٍ من الملفات المتداخلة التي تشمل الطاقة، الأمن الإقليمي، والحدود، مع دخول لاعبين جدد مثل الولايات المتحدة كوسيط مباشر في معظم المحطات.
يمتاز سيمون كرم بخبرة دبلوماسية واسعة اكتسبها خلال عمله سفيرًا في واشنطن، ولو كانت المدة قصيرة لكنّها غنية بالتجربة لأنه دخل في كباش دبلوماسي مع سفير سوريا في واشنطن وليد المعلم الذي كان يريد أن يختزل الموقف اللبناني باستيعابه تحت مظلة الدبلوماسية السورية، ما دفعه إلى تقديم استقالته.
وهذه الخبرة المجبولة بالصلابة منحته قدرةً على قراءة التوازنات الإقليمية والدولية، إضافةً إلى معرفة دقيقة بالتعقيدات اللبنانية الداخلية. فالمرحلة الحاليّة تتطلّب شخصية قادرة على التوفيق بين الحسابات اللبنانية المعقّدة، وبين الضغوط الدولية التي تضع ملف الحدود البحرية في صدارة الاهتمامات، بسبب حقول الغاز وارتباطها بأمن الطاقة في شرق المتوسط.
وهنا يبرز الفارق الجوهري بين مرحلتَيْ فتال وكرم: بينما عمل فتّال في سياق محدّد الهدف وواضح قانونًا، يتحرّك كرم في سياق مفاوضات ذات أبعاد اقتصادية واستراتيجية طويلة المدى. الاجتماع الأول منذ أيام، والثاني بعد أسبوعين، إنّها رحلة الألف ميل ولم يظهر منها سوى الميل الأول.
مواضيع مماثلة للكاتب:
من يوحنا بولس الثاني إلى لاوون الرابع عشر… من الإرشاد الرسولي إلى الإرشاد الوطني! | لعنة المصطلحات بين “العدو” و”الاحتلال”! | ماذا بعد مهلة الشهرين من واشنطن للبنان؟ |




