لبنان إلى “الأعظم”!

هل سيكون لبنان فعلاً على موعد مع ما هو “أعظم” من الأحداث العام المقبل؟ أم أنّ الأيام كفيلة باستبدال الكلمة بأخرى من مشتقات كلمة “السلام”؟ إنّ الزمن وحده وليس سواه هو الذي سيوفّر الجواب
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
تردّدت خلال الأيام الماضية كلمة “الأعظم” في وصف مآل الأمور في لبنان. فقد وردت أوّلاً يوم الجمعة الماضي على لسان الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم. ثم وردت امس على لسان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع. فهل من مجال بعد ذلك، للركون إلى التطمينات التي تحاول بث مناخ من الطمأنينة إلى أنّ هناك سبيلاً كي يخرج لبنان من هذه المرحلة الحرجة التي تنذر بحرب جديدة على الأبواب؟
بداية، لا بد من الإشارة إلى أنّ البابا لاوون الرابع عشر في زيارته التاريخية للبنان بين نهاية الشهر الماضي والثاني من الشهر الجاري، أشاع أجواء السلام ليس في لبنان فحسب، وإنما في المنطقة عموماً. وبدا تشديد البابا على موضوع السلام أنه سيشكل قوة ضغط لتحقيقه. وانطلق هذا الاعتقاد من أنّ الحبر الأعظم هو أول أميركي يشغل كرسي البابوية، ويلاقي في مسعى السلام ما يذهب إليه بقوة الأميركي الآخر، رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الذي انهمك ولا يزال في ورشة عالمية للسلام بدءاً من الشرق وصولاً إلى الحرب الأوكرانية. وسيكون تلاقي جهد هاتين الشخصيتين الأميركيتين البارزتين دولياً فرصة لإحداث خرق في جدار الحروب المعاصرة بما في ذلك حرب لبنان.
وفي أي حال، تفيد معلومات دبلوماسية أنّه بفضل البابا لاوون الرابع عشر، تحقق تأجيل الاندفاعة الإسرائيلية لنزع سلاح “حزب الله” في الأسابيع المقبلة إذا لم تنجح الأطراف المعنية وفي مقدمها الدولة اللبنانية. وتشير هذه المعلومات إلى أنّ تأجيل الضربة الإسرائيلية سيكون إلى العام المقبل من دون تحديد موعد لذلك.
لا يخلو المشهد العام للواقع في لبنان من وجود قناعة بأنّ هناك سباقاً بين خياري الحرب والسلام. وقد سلط تقرير موقع “أكسيوس” الأميركي الإخباري الضوء على هذا السباق. وانطلق التقرير من الاجتماع الأخير للجنة الميكانيزم المكلفة تطبيق قرار وقف إطلاق النار المبرم بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني العام الماضي. وتميّز اجتماع اللجنة وللمرة الأولى منذ إنشائها بمشاركة دبلوماسية من لبنان وإسرائيل. وقد مثل لبنان السفير سيمون كرم. واعتبرت “أكسيوس” الاجتماع بأنه “أول تفاعل مباشر وعلني بين إسرائيل ولبنان منذ عام 1993”.
وكانت إدارة ترامب تسعى لتعزيز هذا النوع من الحوار بين إسرائيل ولبنان منذ تسعة أشهر. وقال مسؤول أميركي إنّ الولايات المتحدة تأمل أن يساعد الاجتماع في تهدئة التوترات بين البلدين والمساعدة في تجنّب استئناف الحرب في لبنان.
وأفاد الموقع الأميركي “أنّ الحكومة الإسرائيلية أخبرت إدارة ترامب في الأشهر الأخيرة أنّ الحكومة اللبنانية لا تفعل ما يكفي لتنفيذ قرارها بنزع سلاح “حزب الله”، حسبما يقول مسؤولون إسرائيليون وأميركيون. وحذّر الإسرائيليون البيت الأبيض من أنه إذا استمر “حزب الله” في إعادة التسلّح بالمعدل الحالي، فستضطر إسرائيل لاستئناف الحرب لإضعاف الجماعة المسلحة مرة أخرى”.
في موازاة ذلك، تشير معطيات دبلوماسية إلى أنّ المهلة التي نجح البابا في انتزاعها من واشنطن لتأجيل الحرب الإسرائيلية على لبنان إلى العام المقبل، ستتضمن جهوداً مكثّفة لتحضير الأجواء لحلّ معضلة سلاح “حزب الله”. ومن هذه الجهود استطلاع للرأي أعلنت مؤسسة دولية الأسبوع الماضي نتائجه وأظهر “أنّ معظم اللبنانيين يعارضون الحرب مع إسرائيل ويؤيّدون نزع سلاح “حزب الله”.
فقد أظهر استطلاع غالوب أنّ 79 بالمئة من اللبنانيين يعتقدون أنّ الجيش اللبناني فقط يجب أن يحمل الأسلحة، بينما يعارض 86 بالمئة الصراع المباشر مع إسرائيل دعماً للفلسطينيين. كما وجد الاستطلاع أنّ ما يقرب من ثلثي اللبنانيين يعارضون المساعدات الاقتصادية للفلسطينيين، بينما يدعمها 31 بالمئة”.
وبينما “كان احتمال نزع سلاح “حزب الله “سيشكّل تحولاً كبيراً في الإطار الأمني اللبناني”، قالت غالوب في نتائجها إنّ الاستطلاع الشخصي لم يجرِ في معاقل “حزب الله” بسبب “السيطرة الصارمة” للمنظمة.
وكما ورد في تحليل غالوب للاستطلاع، برر “حزب الله” حاجته إلى حمل الأسلحة ليس فقط للدفاع عن لبنان، بل أيضاً للحفاظ على دوره في “محور المقاومة” في الشرق الأوسط، وبالتالي دعم الفلسطينيين.
ومع ذلك، وجد الاستطلاع أنّ 10 بالمئة فقط من اللبنانيين يعتقدون أنّ بلادهم يجب أن تتفاعل مباشرة مع إسرائيل لدعم القضية الفلسطينية. وعندما سئلوا عن دعم الفلسطينيين بشكل غير مباشر، عبر الأسلحة أو المعدات الأخرى، أجاب 14 بالمئة فقط بالإيجاب و81 بالمئة عارضوا.
وتوضح غالوب أنّ نقص الدعم لـ”حزب الله” ينبع من “موقعه الاستراتيجي الصعب”، مشيرة إلى التغيرات الإقليمية خلال العامين الماضيين، وفي مقدمها “فقدان “حزب الله” قوته العسكرية، وغياب الداعمين الدوليين الرئيسيين للحزب – نظام الأسد السوري وإيران – إما رحلوا أو ضعفوا بشكل كبير، ما ترك الجماعة بدون دعم خارجي حاسم”، كما يوضح الباحثون.
وقد أجري الاستطلاع على مدى أسبوعين بين حزيران وتموز، وشمل استطلاع ما مجموعه 1010 مشاركين.
إذاً، تفيد المعطيات أنّ المستقبل القريب للأحداث في لبنان حمال أوجه. لذلك، قال الأمين العام لـ”حزب الله” تعليقًا على تعيين السفير سيمون كرم رئيس للوفد اللبناني إلى لجنة الميكانيزم :”نحن نعتبر أنّ هذا الإجراء هو سقطة تضاف إلى خطيئة قرار الخامس من آب (قرار حصر السلاح بيد الدولة وحدها). حمى الله لبنان مما هو أعظم”.
في المقابل، خاطب جعجع أمس المسؤولين قائلاً: “السؤال الوحيد الذي يجب أن يشغل بالكم في الوقت الحاضر هو: ما الذي يجب فعله لإنقاذ لبنان واللّبنانيين ممّا هو أعظم وإيصالهم إلى برّ الأمان”؟
هل سيكون لبنان فعلاً على موعد مع ما هو “أعظم” من الأحداث العام المقبل؟ أم أنّ الأيام كفيلة باستبدال الكلمة بأخرى من مشتقات كلمة “السلام”؟ إنّ الزمن وحده وليس سواه هو الذي سيوفّر الجواب.
مواضيع مماثلة للكاتب:
مات نصرالله… عاش قاسم! | ترامب وعون والخطر الزاحف إلى بيروت | الحزب “يبلف” الدولة! |




