سنة على خلاص سوريا من حكم لونا والأحمق

بعد سنة، يمكن القول إنّ الشرع نجح في استعادة المبادرة وصناعة الأمل، لكنه لم يبدأ بعد البناء الحقيقي. السؤال الذي سيُطرح في السنة الثانية: هل يريد الرئيس الشرع أن يكون مجرّد حارس للمرحلة، أم أول رئيس يضع لَبِنة سوريا الجديدة على الطريق الصحيح، فيُكرّس نفسه زعيم سوريا وحامي عيشها المشترك؟
كتب بشارة خيرالله لـ”هنا لبنان”:
لم يكن أحد يتخيّل أن يصل السوريون إلى اللحظة التي يستيقظون فيها على خبر هروب بشار الأسد.
هذا الحدث، الذي بدا قبل سنوات أقرب إلى الروايات السياسية المتخيّلة، تحوّل فجأة إلى واقع.
اليوم، وبعد سنة من تولّي الرئيس أحمد الشرع قيادة الدولة، لا يزال السؤال الأكبر معلقًا: هل غادر السوريون حقاً نفق الاستبداد والفوضى، أم أنهم فقط انتقلوا إلى مقطع أقل ظلاماً من النفق نفسه؟
عندما تولّى الرئيس الشرع السلطة، كان واضحًا أنه لم يأتِ من صناديق اقتراع، بل من تفاهمات الضرورة. شخصية ليست من صلب مؤسسات الدولة، لكنها أيضًا ليست غارقة في إرث الأجهزة الأمنية.
لكن المشكلة أنّ البلاد لا تُدار بالنوايا الطيبة وحدها. الشرع وجد نفسه وسط حقل ألغام: خلايا نائمة، ملفات متفجّرة، اقتصاد منهار، مجتمع منقسم، وحلفاء الخارج وكلٌّ منهم يريد حصته من المستقبل.
لا يمكن إنكار أنّ البلاد شهدت تراجعًا ملحوظًا في القتال. هذه حقيقة لا يجادل فيها حتى أكثر المتشائمين. الأرجح أنّ العوامل الخارجية لعبت دورًا حاسمًا: دور القوى الإقليمية، وتفاهمات دولية. أحمد الشرع استفاد من المناخ الإقليمي أكثر مما صنعه.
ومع ذلك، يُحسب له أنه لم يسعَ إلى إعادة إنتاج الدولة الأمنية، ولم ينغمس في الانتقام السياسي كما كان يخشى كثيرون. لكنه أيضًا لم ينجح بعد في تحويل الهدوء إلى سلام مستقر.
جلسات الحوار الوطني، وتوسيع الحكومة، والحديث عن دستور جديد.. كلها إشارات إيجابية لكنها بطيئة نسبيًا. السوريون الذين انتظروا نصف قرن ليخرجوا من حقبة آل الأسد ليسوا مستعدين لانتظار سنوات كي يروا ملامح دولة جديدة.
المشكلة أنّ الشرع يحاول السير على حبل مشدود: إذا تحرّك بسرعة أغضب مراكز النفوذ المتبقية من النظام، وإذا تحرك ببطء فقد شرعيته أمام الجمهور الذي اعتقد أنّ مرحلة ما بعد الأسد ستكون قفزة لا خطوة.
لنكن صريحين: أكبر إخفاق للعام الأول هو الاقتصاد. الناس لا يعيشون على “إشارات أمل” ولا على “خطابات انتقالية”. يريدون كهرباء، وقود، وكل مستلزمات العيش الكريم. الشرع ورث اقتصادًا محروقًا، لكن الدعم الدولي غير المحدود كفيل بنقل سوريا إلى مكان أفضل وإلى مكانة أكثر تقدمًا نحو السلام المنشود.
القطاع الخاص خائف، والفساد المستشري من بقايا النظام السابق، ما يزال يعيش ويتكاثر في كل فراغ إداري.
يحاول الشرع أن يبدو على مسافة واحدة من الجميع: الروس، الأميركيون، الأوروبيون، والجوار الخليجي والعربي. هذه المرونة السياسية جيدة نظريًا، لكنها عمليًا تجعل سوريا تبدو وكأنها دولة تعيش على مزاج الآخرين.
نجاحه الحقيقي سيُقاس بقدرته على استعادة القرار الوطني من جيوب النفوذ، وهذا ملف لم يُفتح بجدية حتى الآن.
السوريون تعبوا من الاستبداد. يريدون دولة تشبههم: بلا هراوات، بلا شعارات جوفاء، وبلا فساد يلتهم أرواحهم. الشرع لم يعدهم بالكثير، وهذا ربما كان أفضل ما فعله. لكن المطلوب منه اليوم ليس إدارة الهدوء، بل صناعة المستقبل.
الخلاص من حكم الأسد كان بداية الطريق، لكنّ الخروج من النفق يحتاج أكثر من رئيس “انتقالي” يحاول بناء الدولة. يحتاج قرارًا شجاعًا يُطمئن جميع المكونات السورية، وبناء دولة لا تقوم على الخوف، بل على التعايش الحقيقي بين السنة والعلويين والدروز والمسيحيين.
بعد سنة، يمكن القول إنّ الشرع نجح في استعادة المبادرة وصناعة الأمل، لكنه لم يبدأ بعد البناء الحقيقي.
السؤال الذي سيُطرح في السنة الثانية: هل يريد الرئيس الشرع أن يكون مجرّد حارس للمرحلة، أم أول رئيس يضع لَبِنة سوريا الجديدة على الطريق الصحيح، فيُكرس نفسه زعيم سوريا وحامي عيشها المشترك؟
الأيام المقبلة ستُجيب.. وربما ستفاجئنا كما فاجأتنا ليلة هروب الأسد نفسها، ذلك المجرم الأحمق الذي ترك سوريا تحترق، وذهب يلهو مع صديقته لونا، يشتم الغوطة ويبرهن للعالم أنّ فترة حكمه كانت في الشكل تحت إدارة رئيس وفي المضمون يتبين أنّ مراهقته السياسية دمّرت سوريا وطالت بشظاياها لبنان الرازح تحت وطأة النزوح الكثيف والحروب العبثية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
عن زيارة البابا التي أوقفت الحرب! | جايي دورك يا نعيم؟ | أفيخاي يهدّد نعيم.. نعيم يهدّد كريم |




