بعد التهديدات الإسرائيلية بتوسيع الحرب… هل يسير “الحزب” في المسار التفاوضي؟

لا قيادة عسكرية للحزب اليوم، إذ بات منقسمًا إلى شقَّيْن: الأوّل يتلقّى توجيهاته من الحرس الثوري ويتبع نعيم قاسم، والثاني يُعتبر لبنانيًا مواليًا للأمين العام الراحل، وضمنًا مؤيد لأي اتفاق يُنهي هذه المعضلة، ممّا يعني أنّ قاسم لا “يمون” على كل الحزب، ومواقفه السلبية في معظمها توحي بالانفصام.
كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:
يعيش اللبنانيون حاليًا فترة هدوء حذر مُترافق مع غارات وقصف إسرائيلي شبه يومي لبعض مناطق الجنوب قبل الانفجار الأمني الكبير، بالتزامن مع اقتراب نهاية العام الحالي أو المهلة المُحدّدة لتسليم حزب الله سلاحه إلى الجيش اللبناني.
هذا الهدوء الذي ظهر إثر تعيين السفير السابق سيمون كرم رئيسًا للوفد اللبناني المُفاوض في لجنة “الميكانيزم”، جعل اللبنانيين يتنفّسون الصعداء رافعين راية السلام قبل أن تخطو أولى خطواتها، بسبب تَوْقِهِم إلى إيقاف الحرب ووضع حَدٍّ للتحذيرات التي ينقلها الموفدون الغربيون والعرب إلى المسؤولين اللبنانيين، بأنّ الحرب الواسعة أصبحت وشيكةً والضربات الموجعة تقترب ووضع لبنان بات في أتون النيران بسبب التعنّت الإيراني المُنفّذ بأيدي حزب الله.
مفاوضات بعيدة عن النار؟
هذه التهديدات المتزامنة مع دخول لبنان المسار التفاوضي مع إسرائيل، والضغوط الأميركية على القيادة الإسرائيلية كي تلاقي تجاوب لبنان بالتهدئة الميدانية، أعطت البشائر لإجراء المفاوضات بعيدًا عن النار، لكن كل هذا يبدو صوريًّا أو معلّقًا حتى إشعار آخر، ومع ذلك تتجه الأنظار إلى اجتماع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار في التاسع عشر من الشهر الجاري، بعد انضمام العضوَيْن المدنيَيْن عن لبنان وإسرائيل إليها، لمتابعة ما جرى في الجلسة الأولى التي اقتصرت على التعارف وكيفية نظر كل مشارك فيها إلى الحلول، أما عناوين المرحلة فسوف ترسم في الجلسة المرتقبة.
أمام هذه الصورة الإيجابية التي يشارك فيها لبنان الرسمي، يُقابِل ذلك رفض لمسار التفاوض من قبل حزب الله، ولتعيين كرم رئيسًا للجنة، لأنّ الحزب لم يهضم ذلك الدبلوماسي الآتي من لقاء قرنة شهوان وثورة الأرز منذ 20 عامًا، وذلك السيادي إلى أبعد الحدود والمقاوم السياسي للاحتلال السوري، والرافض لهيمنة السلاح الميليشياوي ومواقفه الرافضة لمحور الممانعة، والأهم من ذلك كله علاقته الجيدة جدًّا مع الولايات المتحدة.
العميد خلف لـ”هنا لبنان”: المسار بعيد طالما السلاح موجود
للإضاءة على حقيقة هذا المسار ومدى نجاحه أو سقوطه، يُشير العميد المتقاعد جوني خلف لـ”هنا لبنان” إلى أنّ لجنة التفاوض لن يكون لها أي دور سوى تمرير الوقت ليس أكثر، لأنّه لا الإسرائيلي جاهز لهذه المهمة ولا اللبناني، فالقرار في هذا الإطار موجود فقط لدى الإيرانيين، بما معناه ضرورة وجود توافق بين إسرائيل وأميركا وإيران، ووجود قرار نهائي إيراني بتسليم سلاح حزب الله إلى الجيش اللبناني وحلّ جناحه العسكري، وإلّا لن يعيش لبنان في سلام وراحة.
واستبعد خلف ذلك التفاؤل بقرب حلول السلام بعد إجراء المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، لأنّ هذا المسار لن يبدأ طالما ما زال سلاح الحزب طاغيًا، ومن هنا فالمشهد معروف، فالضربات الإسرائيلية ستتوالى ضدّ أهداف عسكرية تابعة للحزب، وستكون موجعةً لكن محصورةً ضمن مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع نهاية العام الجاري، وليس كما تُرِّدِّد بأنّ الحرب ستتّسع لتشمل مناطق لبنانية عدة، مع تعرّض المرافق الحيوية للقصف، نافيًا ما يُشاع في هذا الإطار، لأنّ الأميركيين يرفضون تعريض المرافق العامة خصوصًا المطار للغارات والقصف، وسبق أن حذروا الإسرائيليين من ذلك.
مخاوف من انسحاب سيمون كرم من اللجنة
ولفت العميد خلف إلى أنّ الأميركيين طالبوا بضم مدنيين إلى اللجنة المذكورة بهدف التباحث في الإطار الاقتصادي، وهذا ما رغب به نتنياهو وأعلنه بوضوح، لأنّ اللجنة المذكورة لا تُفاوض في ملف السلاح والعسكر، بل يقتصر دورها على مراقبة وقف إطلاق النار، وهناك فريق عسكري مع السفير السابق سيمون كرم يزوده بالتقارير، والمهمة ستطول ولن يبدأ التفاوض إلّا حين يسلّم حزب الله سلاحه، وليس هناك من بوادر إيجابية حول هذه المسألة في انتظار القرار الآتي من إيران، وبالتالي لا يستطيع الحزب فعل أي شيء قبل صدور القرار الإيراني، وأبدى خلف تخوفًا من انسحاب السفير سيمون كرم من اللجنة.
الإيرانيون رفضوا مطالب خليل
في هذا السياق، ذكّر العميد خلف بالزيارة التي قام بها النائب علي حسن خليل إلى طهران موفدًا من الرئيس نبيه برّي، حيث اجتمع مع رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني المكلّف بالملف اللبناني، كذلك وزير الخارجية عباس عراقجي ومسؤولين أمنيين، طالبًا مساعدة طهران بنزع السلاح الثقيل لحزب الله، مقابل إعطاء ضمانة أميركية بإيقاف الأعمال العسكرية الإسرائيلية ضدّ الحزب. كما طالب إيران بالمال للبدء بإعادة الإعمار، لكنّ الإيرانيين رفضوا ذلك، فتوجّه خليل إلى الرياض وأبلغ السعوديين بالرفض الإيراني.
مواقف نعيم قاسم توحي بالانفصام
وعن مواقف نعيم قاسم المتأرجحة بين العصا والجزرة، قال: “قاسم يُعتبر الناطق باسم الحرس الثوري الإيراني، فلا قيادة عسكرية لحزب الله اليوم، إذ بات منقسمًا إلى شقَّيْن: الأول يتلقّى توجيهاته من الحرس الثوري ويتبع نعيم قاسم، والثاني يُعتبر لبنانيًا مواليًا للأمين العام الراحل حسن نصر الله، وضمنًا مؤيد لأي اتفاق ينهي هذه المعضلة، ممّا يعني أنّ قاسم لا “يمون” على كل الحزب، ومواقفه السلبية في معظمها توحي بالانفصام، فتارةً تصبّ في خانة الجيش والدولة وطورًا ينقلب عليهما، لذا لا حلّ إلّا بتسليم السلاح وعندها تبدأ المفاوضات التي سيفرضها الإسرائيلي بشروطه، التي لن تصل إلى نتيجة، لذا أستبعد نجاح أي مسار يصبّ في هذا الإطار.




