نزع السّلاح أم نزع الحزب؟!

هل يتّجه لبنان إلى حل أميركي “ينزع الحزب” أم إلى صيغة إسرائيلية تُبقي تناقضات القوى لتحافظ على تدخلها في شؤون الكيان المهتزّ، أم إلى هيئة حوار وطني تنتج لنا شبيهاً مدجناً بالتجربة العراقية؟
كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:
معضلتان، إسرائيلية وإيرانية، تواجهان لبنان، تتنافس لحلّهما خمسة توجهات يتحدد في ضوء نجاح أي منها مستقبل الكيان الذي أنهكته الحروب والفساد وتداول الممنوعات.
معضلة إسرائيل، التي أدمنها لبنان منذ العام 1948 وبموجب إتفاق القاهرة لعام 1969، ويسعى اليوم عبر وسطاء إلى إنجاز تسوية “عدم إعتداء” مع إسرائيل من دون تطبيع للعلاقات بانتظار قرار قمة عربية ينهي الصراع العربي-الإسرائيلي وفق معادلة “حل الدولتين والأرض مقابل السلام”.
المعضلة الإيرانية تسلّلت إلى لبنان عبر سوريا الأسد في الأيام الأولى للإجتياح الإسرائيلي قبل وصوله إلى بيروت في العام 1982 وظهرت أول مجموعة مقدرة بأقل من 100 عنصرً من “مجاهدي الإمام الخميني” مرتدين أكفاناً ومسلحين ببنادق كلاشنكوف وقاذفات آر بي جي، تعبر تقاطع شارع فردان-كورنيش المزرعة في بيروت ومتجهة جنوباً فانضمت إلى مجموعات من مقاتلي حركة “أمل” في الأوزاعي وشاركت معهما قوة من الجيش السوري في مواجهة التقدم البري الإسرائيلي عند مبرّة السيد محمد حسين فضل الله في خلدة، حيث تم الإستيلاء على ناقلة جند مدرعة إسرائيلية تسلقت عليها مجموعة من المقاتلين من مختلف القوى وقادوها في شوارع الأوزاعي وضاحية بيروت الجنوبية لتشجيع السكان على المشاركة في القتال مرددين هتاف “خميني، خميني، خميني.”
هكذا بدأت المعضلة الإيرانية ثم عمّت لبنان بعدما خاضت سلسلة من المعارك مع اليساريين الشيعة، وحركة أمل، والسنة، والدروز والمسيحيين وصولاً إلى تورّطها في مساندة غزة اعتباراً من 8 تشرين الأول العام 2023 وصولاً إلى قبولها بوقف للأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني العام 2024 قبل 10 أيام من سقوط نظام الأسد الذي كان يدعمها في سوريا .
وبعد تهاوي التحالف الأسدي-الفارسي في سوريا تم انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية واختيار القاضي الدولي نوّاف سلام رئيساً للحكومة.
تبنّت المنظومة الحاكمة الجديدة قراراً ملتبس الأبعاد يعرف ، بـ”حصرية السلاح” بيد الدولة فاختلفت القوى المحلية والإقليمية والدولية على تفسير أبعاده وموقع ومساحة المنطقة التي يفترض أن تبقى خالية من السلاح والسكان، والمدة التي يجب أن يستغرقها تنفيذ المهمة التي يفترض أن تكون منجزة قبل الإنتخابات النيابية المقرّرة في شهر أيار المقبل لأنه من غير المقبول منطقياً وغير المسموح قانونياً إجراء انتخابات يتنافس فيها مرشح مسلّح ومرشح أعزل.
حزب الله يصرّ على أنّ حصر السلاح يشمل فقط المنطقة “جنوبي نهر الليطاني”، وهو ما ترفضه بقية القوى المحلية والخارجية.
الرئيس عون المتواجد في دولة الوساطات، سلطنة عمان، كان قد نُقل عنه قوله إنّ موضوع السلاح شمالي نهر الليطاني “يحتاج إلى مزيد من الوقت” ربما بانتظار أن تتوصّل مسقط إلى تسوية بين إيران، مالكة قرار حزب الله، وأميركا التي تريد تجريد الحزب، الذي تصنّفه منظمة إرهابية، من سلاحه وسطوته المستمدة من تعامله بالمال النقدي في “كل لبنان”.
إسرائيل، على الرغم من تحالفها مع الولايات المتحدة، حدّدت للمنطقة المنزوعة السلاح “خطاً أصفر” كما في غزة يمتد من مصب نهر الليطاني في منطقة القاسمية شمالي مدينة صور وصولاً إلى مصب نهر الأولي عند المدخل الشمالي لمدينة صيدا ، وينعطف شرقاً إلى شتورة في البقاع الأوسط وصولاً إلى البقاع الشرقي والشرقي-الشمالي بمحاذاة الحدود اللبنانية-السورية على أن يتولى ضبط مسالك التهريب من جرود غربي معبر المصنع إلى عرسال في الشمال الشرقي مروراً بجرود رأس بعلبك.
المنطقة جنوبي نهر الليطاني، وفق الخطة الإسرائيلية، تبقى “منزوعة السلاح وخالية من السكان باستثناء العمال الذين يرخّص لدخولهم وخروجهم بدوام” لزوم رعاية مزروعاتهم وخدمة المنتجعات المخطط إقامتها في المنطقة، وفق الخطة الأميركية المشابهة لخطة غزة.
خطة إسرائيل تحقّق لها ثلاثة أهداف. الأول: حماية مستوطناتها الشمالية من أي هجوم من الأراضي اللبنانية المشرفة على شمال فلسطين جنوبي الخط الأزرق، الثاني: المنطقة منزوعة السلاح شمالي الليطاني حتى الأولي ستشهد نزاعات إسكانية بين السكان المحليين والمهجرين من جنوب الليطاني ما يستدعي وجود قوة متعددة الجنسيات لضبط الوضع يمكن أن تضم إحدى القوى المؤيدة لإسرائيل، وهو ما يفيدها معلوماتياً. وقد يتولى إدارة المنظومة التي ستدير وضع الجنوب بعد إنسحاب اليونيفل مدني بريطاني، وكانت أميركا قد اقترحت للمنصب توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق الذي تحالف مع الرئيس الأميركي الجمهوري جورج دبليو بوش في غزو العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين في العام 2003 .
أما الهدف الإسرائيلي الثالث من عدم الإنضمام إلى الموقف الأميركي الرافض لبقاء حزب الله المسلح في كل لبنان فهو رغبتها في إبقاء المنظومة اللبنانية الحاكمة وجيشها منهمكين في احتواء صراعات بين حزب الله و قوى معادية للحلف الأسدي-الإيراني ما يبقي الباب مفتوحاً أمامها للتدخل في الشأن اللبناني ومراقبة عمليات التهريب البحرية التي تعتمدها القوى الإرهابية نظراً لتعدد وتداخل مرافئ السياحة والصيد على طول الساحل اللبناني الممتد من العاصمة بيروت وصولاً إلى مصب النهر الكبير الفاصل بين لبنان وسوريا إضافة إلى وجود ثلاثة مرافئ تجارية ناشطة في بيروت وجونية وطرابلس ما يفتح الباب أمام سلاحي الجو والبحر الإسرائيليين للمحافظة على مهام الإستطلاع والتدخل عند الضرورة، كما حصل في 2 تشرين الثاني العام 2024 عندما داهمت قوة كوماندس بحرية إسرائيلية شاليه في بلدة البترون وخطفت القبطان عماد أمهز زاعمة أنه مسؤول العمليات البحرية في حزب الله وكان يتابع دورة في معهد العلوم البحرية والتكنولوجيا بالبترون المعروف باسم MARSATI الذي يُعد الراغبين في التدرب على مهام النقل البحري، ويقع المعهد تحت مسؤولية وزارة الأشغال العامة والنقل بصفتها السلطة المسؤولة عن المعابر البرية والبحرية والجوية.
وكانت السلطة اللبنانية المهيمن عليها من التحالف الأسدي-الفارسي في ذلك الوقت لا تختار وزراء أشغال إلّا من حزب الله أو القوى المتحالفة معه، علماً بأن وزير الأشغال العامة والنقل الحالي في حكومة الرئيس نواف سلام هو المهندس فايز رسامني وقد تولى المنصب في شباط الماضي خلفاً لعلي حمية الذي كان ممثلاً لحزب الله في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
يذكر، في هذا الصدد، أنّ حزب الله يرفض تسليم مواقعه خارج منطقة جنوبي الليطاني، البالغة مساحتها 1,060 كيلومتراً مربعاً، أي تقريباً عشر مساحة لبنان، ويرفض البحث في موضوع سلاحه إلا عبر مؤتمر لهيئة الحوار الوطني لمناقشة “إستراتيجية دفاعية بين اللبنانيين” ما ترفضه جميع القوى السيادية باعتباره صيغة غير دستورية تتناقض مع وجود سلطتين تشريعية وتنفيذية إضافة إلى السلطة القضائية التي يعود لها النظر في دستورية ما يتم تبنيه من قوانين وإعتماده من إجراءات عامة.
وكانت المسماة هيئة الحوار الوطني قد عقدت جلسة بدعوة من الرئيس نبيه بري في آذار العام 2006 لبحث العلاقة مع سوريا بعد انسحابها من لبنان ضمت، إضافة إلى النواب، أمين عام حزب الله إذذاك السيد حسن نصر الله ورئيس كتلة القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع.
وعلى الرغم من أنّ تجربة ذلك الحوار الوطني فشلت، يتمسك بها حزب الله حالياُ آملاً في تحويل قواته إلى “حشد شعبي” على شاكلة شقيقه العراقي سيئ الصيت الذي يعاني رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني من تدخلاته في سياسة الدولة لصالح إيران.
فهل يتجه لبنان إلى حل أميركي “ينزع الحزب” أم إلى صيغة إسرائيلية تبقي تناقضات القوى لتحافظ على تدخلها في شؤون الكيان المهتز، أم إلى هيئة حوار وطني تنتج لنا شبيهاً مدجناً بالتجربة العراقية؟
في مطلق الأحوال لا تبدو المعطيات مبشرة بحل جذري عبر الحوار، لأنّ حلول الحوارات كانت، وستبقى، دائماً توافقية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب التي تختم الجروح على زغل فتنفجر لاحقاً قيحاً يغطي على ما سبقه من آلام وفساد وسيئات.
مواضيع مماثلة للكاتب:
عشق البندقية يقتل القضية! | لبنان بين المطرقة والسّندان!! | لبنان إلى أين؟! |




