أخطبوط الإرهاب بلا حدود يهدّد أمن العالم من غزّة إلى سيدني!


خاص 15 كانون الأول, 2025

لا يمكن تجاهل حقيقة أن غالبية اللبنانيين سئموا تحويل بلدهم إلى ساحة صراع بالوكالة. بعد سنوات من الانهيار المالي والاجتماعي، بات المطلب واضحًا: دولة فعّالة، لا دولة تُراعي أهواء ميليشيا من شأنها أن تورّط لبنان في أي مغامرة إرهابية. لذلك، تبرز أهمية الالتفاف حول الدولة ودعم مسار المفاوضات المباشرة التي تقوم بها مع إسرائيل، على اعتبار أنّها فرصة حتمية لإنقاذ ما تبقّى من مشروع قيام الدولة.

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

لم يكن الاعتداء الإرهابي الذي استهدف يهودًا خلال الاحتفال بعيد الأنوار في مدينة سيدني سوى إعادة إحياء صادمة لمشهدية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، يوم ورّط يحيى السنوار الفلسطينيين بعملية “طوفان الأقصى” من غزة، مستدرجًا حربًا مفتوحةً لا تزال تداعياتها تتفاعل. الفارق الوحيد أنّ الساحة هذه المرة لم تكن غزّة ولا جنوب لبنان، بل مدينة هانئة بعيدة آلاف الكيلومترات. أمّا الجوهر فواحد: الإرهاب نفسه، العقيدة نفسها، والراعي الإقليمي نفسه. من غزّة إلى سيدني، الأخطبوط الإجرامي واحد، وأذرعه لا تعترف بحدود أو جغرافيا.

الاحتفال بمعجزة انتصار السلام والنور على الظلام – عيد الهانوكا – في سيدني شكّل جرس إنذار مدوّيًا للمجتمع الدولي بأنّ الإرهاب المدعوم من إيران لم يعد شأنًا إسرائيليًا أو شرق أوسطيًا، بل تهديدًا عالميًا مباشرًا. الاعتداء في أستراليا أثبت أنّ التهاون مع منظومات التطرّف لا يؤدّي إلى احتوائها، بل إلى تصديرها، وأنّ أي دولة، مهما بلغت درجة استقرارها، ليست بمنأى عن هذا الخطر.

في هذا الإطار، برز موقف رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، الذي دان الاعتداء بشكل كامل، مؤكدًا أنّ الحقّ في الحياة قيمة إنسانية مطلقة، ومحمّلًا المسؤولية لمنظومات نشر الكراهية والتطرّف ورفض الآخر. أهمية هذا الموقف تكمن في أنّه وضع الإصبع على الجرح: المشكلة ليست في مُنَفِذٍ هنا أو خليةٍ هناك، بل في منظومةٍ فكريةٍ وأمنيةٍ تغذّي الإرهاب وتبرّره وتستثمر فيه.

غير أنّ المفارقة الخطيرة تمثّلت في تزامن هذا الاعتداء مع خطاب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي أعاد فيه تثبيت التمسّك بالسلاح، ووجّه رسائل تهديد مباشرة إلى الولايات المتحدة، معتبرًا أنّ أي محاولة لنزع السلاح هي مساس بوجود الحزب نفسه. هذا الخطاب، بمضمونه وتوقيته، لا يعبّر عن موقف لبناني، بل يكشف بوضوح وظيفة الحزب كذراع إيرانية تُستخدم لإبقاء لبنان ساحةً مفتوحةً، ولشدّ انتباه العالم، ودفع واشنطن إلى إعادة فتح باب التفاوض مع طهران من موقع القوة.

إصرار حزب الله على معادلة السلاح خارج الدولة لا يشكّل فقط خروجًا عن الإجماع الوطني، بل انقلابًا صريحًا على المسار الذي دخلته البلاد منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024. ذلك الاتفاق أنهى مرحلةً وفتح أخرى، تُحمَّل فيها الدولة وحدها مسؤولية السيادة وحماية الحدود، وتُعطى فيها فرصة لمعالجة الملفات العالقة مع إسرائيل عبر التفاوض لإحلال الاستقرار المطلوب لإعادة الإعمار وإنهاء مسلسل الاستنزاف.

في المقابل، لا يمكن تجاهل حقيقة أن غالبية اللبنانيين سئموا تحويل بلدهم إلى ساحة صراع بالوكالة. بعد سنوات من الانهيار المالي والاجتماعي، بات المطلب واضحًا: دولة فعّالة، لا دولة تراعي أهواء ميليشيا من شأنها أن تورّط لبنان في أي مغامرة إرهابية. لذلك تبرز أهمية الالتفاف حول الدولة ودعم مسار المفاوضات المباشرة التي تقوم بها مع إسرائيل، على اعتبار أنّها فرصة حتمية لإنقاذ ما تبقّى من مشروع قيام الدولة.

يترافق التمسّك بحلّ النزاعات بالطرق السلمية مع واقع بات مؤكدًا: الاعتداء الإجرامي في سيدني أثبت أنّ مواجهة الإرهاب المدعوم من إيران لم تعد خيارًا سياسيًا قابلًا للأخذ والردّ، بل ضرورة دولية ملحّة لحماية الأمن العالمي.

هذا الواقع يفرض انتقال المجتمع الدولي من مرحلة الإدانة اللّفظية إلى مرحلة الفعل المنظّم، عبر تحالف واضح لا يكتفي بالتنديد، بل يعمل على تفكيك الأذرع الإرهابية المعروفة، وتجفيف مصادر تمويلها، ومواجهة خطابها التحريضي الذي يغذّي العنف والكراهية عبر القارات.

في هذا السياق، فإنّ دعم لبنان في استعادة قراره السيادي، ووضع حدٍّ لانتشار السلاح خارج إطار الدولة، لا يشكّل استهدافًا لأي مكوّن داخلي، بل وقوفًا صريحًا إلى جانب شعب يريد الخروج من دوّامة الحروب والعيش في سلام واستقرار.

أمّا ترك أي دولة رهينة للأخطبوط الإيراني وأذرعه المسلحة، فلن يُبقي نار الإرهاب محصورةً في غزّة أو جنوب لبنان، بل سيحوّل سيدني إلى نموذج لما قد يتكرّر في أي مدينة، وفي أي دولة، وفي أي وقت.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us