مصير الودائع مهدّد: قانون الفجوة المالية يحوّل العبء إلى المودعين والمصارف ويُغفل الدولة!


خاص 19 كانون الأول, 2025

تطبيق المادة 113 من قانون النقد والتسليف، التي تنصّ بوضوح على أنه إذا تكبّد مصرف لبنان خسائر، يجب تغطيتها على حساب الخزينة اللبنانية، من دون تحديد المبلغ أو العملة، هو السبيل لإعادة الثقة بالنظام المالي وإعادة النهوض بالاقتصاد.

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

مصير ودائع المودعين يشكل جوهر الأزمة المالية في لبنان، فهو ليس مجرد مسألة أرقام أو ميزانيات، بل يمسّ مباشرةً حياة آلاف الأسر ويؤثر في الاستقرار الاقتصادي الوطني برمّته. وفي ظلّ الانهيار المالي المستمرّ وتدهور القدرة الشرائية للعملة الوطنية، يبرز ما يعرف بـ”قانون الفجوة المالية”، الذي صُمِّم لتحديد حجم الخسائر في النظام المالي اللبناني وتوزيعها بين الدولة والمصارف ومصرف لبنان.

يهدف هذا القانون، من جهةٍ، إلى توضيح المسؤوليات، ومن جهةٍ أخرى، إلى وضع إطار قانوني لمعالجة الأزمة المتفاقمة، لكنّ تأثيراته في المودعين والقطاع المصرفي لا تزال موضع جدل واسع، وخصوصًا في ظلّ اتهامات البعض بتجاهل حقوق المودعين وتحميلهم عبء الأزمة. فالقانون يفتح الباب أمام نقاشات ساخنة حول العدالة المالية وملكية الأموال العامة والخاصة، ومدى قدرة الدولة على حماية مدّخرات المواطنين، في وقتٍ يواجه فيه الاقتصاد اللبناني تحدّيات غير مسبوقة على الأصعدة كافة.

وبحسب رئيس قسم الأبحاث في بنك بيبلوس والخبير الاقتصادي نسيب غبريل، فإنّ أي مشروع قانون يهدف إلى تحديد مصير الودائع يجب أن يكون هدفه الأسمى استعادة الثقة بالاقتصاد، وأن يؤدّي إلى صدمةٍ إيجابيةٍ في الاقتصاد اللبناني. إلّا أنّ ما تمّ تداوله من مسودة قانون يُعرف بـ”قانون الفجوة المالية” لا يحقّق هذه الأهداف، ولا يساهم في استعادة الثقة أو دعم الاقتصاد بشكل فعّال.

وأضاف غبريل أنّ ما يجري اليوم يُخالف ما كان يروّج في بداية العام، حين كان يقال إنّ المسؤولية ستكون موزعة بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف التجارية. فمضمون القانون لا يضع أي مسؤولية على الدولة إطلاقًا، وكأنّ الدولة اللبنانية مجرّد مراقب في دولة أخرى، وقد سمعت عن الأزمة اللبنانية بالخطأ، وكأنّها غير معنية بما يحدث على أرض الواقع.

وبحسب غبريل، النتيجة هي أن المودع هو من يتحمّل المسؤولية مع المصارف، وخصوصًا المودع الذي يحمل أكثر من 100 ألف دولار في حساباته. هذا القانون يُحمّل المصارف عبء الأزمة بما يفوق قدرتها على التحمّل، مما قد يؤدّي إلى إفلاس بعض المصارف. وفي حال إفلاسها، سيخسر المودعون جزءاً كبيرًا من أموالهم، ويحصلون فقط على مبالغ بسيطة وفتات من ودائعهم.

ويؤكد غبريل أنّ تطبيق هذا القانون سيشجّع على خروج بعض المصارف من السوق، وتسليم الأمر إلى مصرف لبنان. ومنذ اندلاع الأزمة، كانت الطريقة الأسهل أمام المصارف هي التوجّه إلى مصرف لبنان وإعلان الإفلاس، حيث يقوم المركزي بتصفية موجودات المصارف ويقدم للمودع جزءًا ضئيلًا فقط من أمواله. لكن حتى اليوم، لم يتخذ أي مصرف هذا القرار، والمصارف مستمرّة في عملها، ممّا يحافظ على ودائع المودعين وحقوقهم. أمّا إذا فُرضت تصفية المصارف وفق القانون، فلن يحصل المودع على أمواله إلّا بفتاتٍ محدودٍ جدًّا.

وينتقد غبريل قائلًا: “أرى أنّ هناك أطرافًا يروّجون لفكرة وكأنّهم لا يريدون للبنان أن يمتلك قطاعًا مصرفيًّا قويًّا، ويصورون الصورة كما لو أنّ لبنان قادر على تحقيق النموّ من دون هذا القطاع، بحسب بعض النظريات. هذا التوجه يعني عمليًّا أنّهم لا يريدون المصارف، وفي هذه الحالة سيبقى لبنان محصورًا في اقتصاد نقدي وظلي، الذي بلغ حجمه نحو 6 مليارات دولار، وسيظلّ على اللائحة الرمادية وعلى قوائم الدول عالية المخاطر لدى الاتحاد الأوروبي”.

وفقًا لغبريل، المطلب الأساسي هو تطبيق بنود قانون النقد والتسليف. فهو يشير إلى أنّ المادة 13 من قانون النقد والتسليف تنصّ على أن توظيفات المصارف التجارية لدى مصرف لبنان تُعَدُّ ديونًا تجاريةً، أي التزامات من مصرف لبنان تجاه المصارف التجارية. ولذلك، لا يمكن تسمية القانون بـ”الفجوة المالية”، وكأنّ مصرف لبنان قد صرف الأموال بشكل عشوائي أو في “الكازينو”، بينما الحقيقة مختلفة، فالدولة هي التي هدرت الأموال والمليارات، سواء على الكهرباء أو كلفة تثبيت سعر الصرف، وفق كل بيان وزاري صدر خلال الفترة منذ 30 عامًا وحتى عام 2018”.

كما يشدّد غبريل على أهمية تطبيق المادة 113 من قانون النقد والتسليف، التي تنصّ بوضوح على أنه إذا تكبّد مصرف لبنان خسائر، يجب تغطيتها على حساب الخزينة اللبنانية، من دون تحديد المبلغ أو العملة. ويؤكّد أنّ تطبيق هذه المواد هو السبيل لإعادة الثقة بالنظام المالي وإعادة النهوض بالاقتصاد. ويضيف غبريل أن تحمّل المسؤولية يجب أن يشمل الأطراف الثلاثة جميعهم، بدءًا بالدولة اللبنانية، وإلّا سيكون من الصعب الخروج من الأزمة، واستعادة الثقة، وإعادة تفعيل العمل المصرفي بشكل فعّال.

لا يزال هذا القانون عالقًا في مجلس الوزراء، على أن يُحال لاحقًا إلى مجلس النواب للتصويت عليه، وهو أمر مستبعد في ظل اقتراب موعد الانتخابات النيابية، وتصاعد تحرّكات المودعين الرافضة لهذا القانون، الذي يشطب جزءًا من الودائع، ممّا يمثّل انتهاكًا واضحًا لمبدأ الملكية الفردية، وللدستور اللبناني، ولأبسط قواعد العدالة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us