قانون الإيجارات يُفجّر الصراع مُجدّدًا: الشارع في مواجهة الملكيّة!


خاص 20 كانون الأول, 2025

تصاعدت التحرّكات والاعتصامات حول قانون الإيجارات حيث عبّر الاتحاد الوطني للنقابات عن رفضه لما وصفه بـ”القانون التهجيري”، مُحذّرًا من موجة تشريد وإقفال مؤسسات وضرب للاقتصاد الصغير والمتوسّط، فيما اعتبرت نقابة المالكين أنّ هذه التحرّكات محدودة ولا تعبّر عن واقع المستأجرين، متهمةً بعض اللجان بالسعي إلى تمديد عقودٍ منتهيةٍ منذ عقود على حساب حقوق المالكين.

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

يعود ملف الإيجارات القديمة إلى واجهة السجال العام، حاملًا معه انقسامًا حادًّا بين المستأجرين والمالكين، في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة وتراجع اجتماعي غير مسبوق. وبين تحذيرات نقابية من تداعيات اجتماعية كارثية، وتمسّك نقابات المالكين بتطبيق القوانين النافذة، يتحوّل قانون الإيجارات إلى عنوان صراع يتجاوز البُعد القانوني ليطال مفهوم العدالة الاجتماعية، وحقّ السكن، وحماية الملكية الخاصة، وسط عجز الدولة عن تقديم حلول متوازنة تضمن حقوق جميع الأطراف.

في هذا السياق، تصاعدت التحرّكات والاعتصامات أمام مجلس النواب الخميس الماضي، حيث عبّر الاتحاد الوطني للنقابات عن رفضه لما وصفه بـ”القانون التهجيري”، مُحذّرًا من موجة تشريد وإقفال مؤسسات وضرب للاقتصاد الصغير والمتوسّط. في المقابل، اعتبرت نقابة المالكين أنّ هذه التحرّكات محدودة ولا تعبّر عن واقع المستأجرين، متهمةً بعض اللجان بالسعي إلى تمديد عقودٍ منتهيةٍ منذ عقود على حساب حقوق المالكين، ومشدّدةً على أنّ القوانين الحالية أُقرّت وفق الأصول الدستورية وتؤمّن فترات انتقالية كافية. وبين هذين الموقفين المتناقضين، يبقى السؤال مطروحًا حول قدرة التشريع اللبناني على تحقيق توازن عادل بين حقّ السكن وحقّ الملكية، بعيدًا عن منطق الغلبة والضغط في الشارع.

حذّر رئيس الاتحاد الوطني للنقابات، كاسترو عبد الله، من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة لمشروع قانون الإيجارات المطروح، معتبرًا أنه يُشكّل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الاجتماعي ويمسّ بحقوق شرائح واسعة من اللبنانيين. وأكّد أنّ التحرّك الشعبي لم يكن خيارًا، بل نتيجة طبيعية لإقفال كلّ قنوات الحوار، في ظلّ تجاهل مطالب المستأجرين وأصحاب المؤسسات الصغيرة.

وأوضح عبد الله أنّ القانون المُقترح لا ينطلق من معاناة الناس ولا يُراعي الظروف الاقتصادية الخانقة، بل يخدم مصالح الشركات العقارية والمصارف والاحتكارات الكبرى، على حساب المستأجرين، ولا سيما كبار السنّ وذوي الدخل المحدود. ولفت إلى أنّ التعامل مع المستأجر كعبءٍ يجب التخلّص منه، لا كإنسان له حقّ السكن، يفتح الباب أمام موجة تهجيرٍ واسعةٍ قد تطال عشرات آلاف العائلات.

وأشار إلى أنّ انعكاسات هذا القانون لا تقتصر على السكن فقط، بل تمتدّ إلى ضرب القطاعات الإنتاجية والخدماتية، من أسواق ومحال تجارية ومؤسسات حرفية، وصولًا إلى الصيدليات والعيادات والمصانع والمكاتب، ما يهدّد بإفلاس عائلات بَنَتْ مصادر رزقها عبر العمل والجهد، لا عبر المضاربات والاحتكار. واعتبر أنّ الخطر الأكبر يكمن في استهداف الاقتصاد الصغير والمتوسّط، بما يُعمّق الأزمة الاجتماعية ويُعزز هيمنة رأس المال الاحتكاري.

كما نبّه عبد الله إلى أنّ القانون يُهدّد بإقفال عدد كبير من المدارس الرسمية، ما يشكّل ضربةً مباشرةً لحقّ التعليم، ويدفع نحو إنتاج جيل مهمش ومحروم من أبسط مقومات الاستقرار والأمل بالمستقبل. ووصف ما يجري بأنّه “جريمة اجتماعية موصوفة وتهجير مقنع تحت غطاء قانوني”، معتبرًا أنّ الدولة، من خلال هذا التوجّه، تحمي المصالح العقارية على حساب البشر. وشدّد على أنّ حقّ السكن والعمل والتعليم حقوق أساسية غير قابلة للمساومة أو الشطب، وأنّ الكرامة الإنسانية لا يمكن اختزالها بنصوص قانونية جائرة.

وختم عبد الله بالتأكيد أن الصّمت إزاء هذا المشروع سيؤدّي إلى تعميم الظلم على الجميع، مُحذرًا من أن تمرير القانون اليوم يعني فتح الباب أمام استهداف فئات أوسع غدًا. ودعا إلى تحرّكٍ جماعيٍّ دفاعًا عن حقّ السكن والعمل والتعليم والكرامة، معتبرًا أن الضغط الشعبي وحده قادر على وقف ما وصفه بـ”الجنون التشريعي”، ومُجدّدًا التمسّك بوحدة المستأجرين ونضال الفقراء لإسقاط “القانون التهجيري الأسود”.

من جهته، يقول رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة باتريك رزق الله: “مرةً جديدةً، نُفاجأ بتحركات واعتصامات لبعض لجان المستأجرين القدامى، يرفعون فيها شعارات باطلة ومطالب مرفوضة تمسّ بجوهر العدالة وحقوق الملكية، وتحديدًا ما يتعلّق بالمطالبات بتعديل قانون الإيجارات السكني وغير السكني، والتمديد الاستثنائي والإجباري لعقودٍ انتهى مفعولها منذ عشرات السنين، وهم لا يتعدّون الخمسين شخصًا من كلّ المناطق، يستغلّون اعتصامات المودعين وغيرهم من أصحاب الحقوق لإظهار حقدهم ضدّ المالكين ومحاولة السطو على أملاكهم”.

وهنا يتساءل رزق الله: “هل يُعقل أن يستفيد المستأجر من ملك الغير لأكثر من خمسين سنة، ثم يطالبُ باستمرار هذا الوضع غير الطبيعي، تحت عنوان “الحقوق المكتسبة”؟! عن أي حقوق مكتسبة يتحدّثون؟ وهل استئجار ملك الغير مدى الحياة، وبثمنٍ زهيدٍ، هو حقّ مكتسب؟! الحقّ الحقيقي هو حقّ المالك الذي حُرم طوال هذه السنوات من بدل الإيجار العادل، ومن استخدام ملكه كما يشاء”.

ويتابع: “إنّ التعويض، إذا كان لا بدّ منه، يجب أن يُمنح للمالك الذي تحمّل لسنوات عبء الإيجار المُجحف، وليس للمستأجر الذي استفاد وما زال من سكنٍ شبه مجانيٍّ أو من إشغالٍ تجاريٍّ لأماكن ببدلاتٍ مجّانية”.

ويؤكّد رزق الله، باسم نقابة المالكين، التمسّك الكامل بقانون الإيجارات السكني الذي أُقرّ بعد سنوات من النضال، وبقانون الإيجارات للأماكن غير السكنية الذي دخل حيز التطبيق منذ 21 آب 2025، بعد أن درسته اللجان وأقره المجلس النيابي وأكّد دستوريته المجلس الدستوري، وينصّ على تمديدٍ يصل إلى ثماني سنوات وهي مدة طويلة تخطت الفترة المقبولة!”

ويرفض “أي محاولة للعودة إلى الوراء، ونرفض أي تعديل يكرّس التمديد المجّاني أو التعويض غير المنطقي، ونعتبر أنّ أيّ مسّ بالقانون الحالي هو مسّ بحقوق آلاف العائلات من المالكين القدامى الذين يعيشون من مردود هذه العقارات المؤجّرة، وهو خضوع غير مبرر لمنطق الغصب والقوة والتشبيح”.

وختم رزق الله مطالبًا الدولة، بدلًا من الخضوع للضغوط، بتفعيل الحساب الذي نصّ عليه قانون الإيجارات السكني منذ العام 2014، وأن ترفع يدها عن حقوق المالكين وتضع حدًّا لهذا الظلم المزمن، وأن تضع الآلية اللّازمة للإعفاءات الضريبية في وزارة المال”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us