قانون الفجوة المالية: الدولة تلبس ثوب بيلاطس وتتبرّأ من دم مودعيها: وداعًا لجنى العمر… فأين كريم سعيْد من هذه المجزرة؟!

خاص 20 كانون الأول, 2025

تطبيق هذا القانون لا يشكّل خطة نهوض أو مشروع إنقاذ لمعالجة الفجوة، بل نصًّا قانونيًا هدفه تنظيم إفلاس شامل للقطاع المصرفي ومعه تطيير أموال المودعين بطريقة مقوننة.

خاص “هنا لبنان”

مشروع قانون الفجوة المالية المعروف بقانون الانتظام المالي على طاولة مجلس الوزراء يوم الاثنين، وقد تغنّى رئيس الحكومة بهذا المشروع معتبرًا أنه بعد ستّ سنوات من الشلل والتآكل الصامت للودائع والتخبّط في إدارة الأزمة المالية وتدمير الطبقة الوسطى، تتقدّم الحكومة بأول إطار قانوني مُتكامل لاسترداد الودائع ومعالجة الفجوة المالية بطريقة منهجيّة ومنصفة ضمن الإمكانات المتوفّرة.
حمل سلام آمالاً كاذبة للمودعين في كلمته التمهيدية لإقرار الحكومة قانونًا يبرّئ الدولة من مسؤولياتها ويعطيها صكّ براءة عن كل الفساد والهدر والأموال الضائعة على الدعم والكهرباء وتثبيت سعر الصرف، والتي تتخطّى 50 مليار دولار. ولكن أصاب سلام عندما قال إنّنا أمام مسار جديد، ولكن ما فاته هو أننا أمام مسار عنوانه تطيير ما تبقّى من أموال المودعين ومعها ما تبقّى من القطاع المصرفي للتغطية على ارتكابات الحكومات المتعاقبة وعدم تحميل الدولة أي كلفة.
مشروع القانون الذي أعدّته الحكومة لا يوقف تآكل الودائع بل يطيح بها ويؤدّي إلى كارثة اجتماعية ولا يعالج الفجوة المالية بطريقة منهجيّة. كيف يمكن لرئيس الحكومة أن يقول إنّ مشروع القانون هذا يحدّ من التهرّب من المسؤولية ومن إنكار الخسائر؟

يمكن تلخيص مشروع قانون الفجوة المالية بما يلي:

* هذا القانون هو هزيمة كبرى لحاكم مصرف لبنان كريم سعيد والمقاربة التي أصرّ عليها منذ بداية الحديث عن معالجة أزمة الودائع، وإصراره على تراتبية وعدالة توزيع المسؤوليات انطلاقًا من الاعتراف بأنّنا أمام أزمة نظامية المسؤول الأول عنها هو الدولة اللبنانية، ثم مصرف لبنان، ومن ثم المصارف.

* القانون يفرض على المصارف تغطية كامل الفجوة التي تمّ تقديرها في المصرف المركزي بحوالي 30 مليار دولار، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ ديون الدولة لصالح مصرف لبنان وقيمتها 16.5 مليار دولار، على الرغم من أن الدولة اعترفت بها، ولكن لم يلحظ القانون التزام الدولة تسديدها وكيف.

* القانون يُلزم المصارف تغطية كامل الفجوة المالية في مصرف لبنان بنِسَبٍ يتم تحديدها استنادًا إلى حجم التزامات مصرف لبنان تجاه كل مصرف، ما يعني إفلاس المصارف وتحميلها كلفة الفجوة.

* الدولة في هذا المشروع لم تُلزم نفسها بأي موجب مالي، على الرغم من أنها المسؤول الأول والأساسي عن ضياع الأموال.

* مع تجاهل مشروع القانون مسؤوليّة الدولة في كلفة الفجوة، يتناسى واضعو المشروع أنّ الدولة هي التي هدرت الأموال والمليارات، سواء على الكهرباء أو كلفة تثبيت سعر الصرف أو على الدعم.

* القانون يمنح الدولة حقّ تحديد حجم دينها لمصرفها المركزي بالتوافق بينها وبين مصرف لبنان وصياغة القانون تسمح للدولة بالتهرّب من التزاماتها بحجّة مبدأ استدامة الدين.

* كيف لمشروع قانون يهدف إلى معالجة الفجوة المالية أن يتجاهل أهمية تطبيق المادة 113 من قانون النقد والتسليف، التي تنصّ بوضوح على أنّه إذا تكبّد مصرف لبنان خسائر، يجب تغطيتها على حساب الخزينة اللبنانية؟

* القانون أعطى خيارًا غير ملزم لمجلس الوزراء بتقديم مساهمة إضافية في رأسمال مصرف لبنان وفق المادة 113 من قانون النقد والتسليف، متناسيًا من وضع القانون أنّ هذه المادة إلزامية وجوهرية ومقدّسة. يبدو أن الثلاثي سلام – البساط – جابر نسوا أن المادة 113 من قانون النقد والتسليف ملزمة، وعدم تطبيقها مخالف للقانون ويُحاسَب عليه.

* مشروع القانون المطروح لا يأخذ بالاعتبار وجود دين يقارب 84 مليار دولار لصالح المصارف، كما لا يحتسب الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان، ويقارب 11 مليار دولار، كجزءٍ من أموال المصارف والمودعين، بل من مساهمة مصرف لبنان في تغطية جزء من الفجوة.

* لا يجوز مطالبة المصارف بتسديد 14 مليار دولار من دون احتساب هذا الاحتياطي الذي هو حق لها، وبالتالي ما هي إلا من أموال المودعين، وما يطرحه مشروع قانون الفجوة المالية يلحظ الدفع من أموال المودعين والمصارف وليس من أموال المصرف المركزي الخاصّة.

* مشروع قانون الفجوة المالية يتعارض بشكل كامل مع الخطاب الذي يروّج له رئيس الحكومة نواف سلام ووعود وزير المال ياسين جابر، ووزير الاقتصاد عامر البساط، وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد.

* مشروع القانون المطروح يؤدّي إلى مجزرة مالية مصرفية موصوفة بحقّ المودعين، وما هو إلا تقدّم على حساب أصحاب الحقوق والودائع، خاصةً لناحية تحويل خسارة الودائع إلى واقع قانوني نهائي.

* مشروع القانون يعرض على المودعين استعادة الودائع عبر سندات بلا ضمانات فعلية، مؤجّلة الاستحقاق، ومجهولة القيمة.

* تنفيذ مشروع قانون الفجوة المالية بصيغته الحالية سيؤدّي إلى تقويض ثقة المستثمرين والمودعين، ما ينعكس سلبًا على الدورة الاقتصادية ويُفقد لبنان أي فرصة للنهوض السريع.

* مشروع القانون الذي أعدّته الحكومة لا يُراعي مبدأ حماية حقوق المودعين والقطاع المصرفي، ويُهدر حقوق المودعين من خلال استبدال ودائعهم بسندات غير مغطّاة.

* أخطأ رئيس الحكومة نواف سلام عندما قال إنّ المودعين لن يتعرّضوا لأي اقتطاع من أصل ودائعهم، فهم فعليًّا يتعرّضون له بسبب الشروط غير الواضحة لهذه السندات. وعلى الرغم من أنّ الأمر يبدو إيجابيًا من حيث الشكل، إلّا أن هذه السندات على الأرجح لا تساوي الكثير، ولا تمتلك قيمةً فعليةً يمكن تحديدها. فهي أقرب إلى “أرقام نظرية بلا أسس”.

* هذا القانون يُحمّل المصارف عبء الأزمة بما يفوق قدرتها على التحمّل، ممّا قد يؤدّي إلى إفلاس بعض المصارف، ما يعني خسارة المودعين الجزء الأكبر من ودائعهم.

* مشروع القانون المطروح يشجّع على خروج المصارف من السوق ليقوم المركزي بتصفية موجودات هذه المصارف ويقدّم للمودع جزءًا ضئيلًا فقط من أمواله.

* يتجاهل مشروع القانون المطروح المادة 13 من قانون النقد والتسليف التي تنصّ صراحةً على أن توظيفات المصارف التجارية لدى مصرف لبنان تُعَدّ ديونًا تجاريةً، أي التزامات من مصرف لبنان تجاه المصارف التجارية.

* لا يمكن اعتبار أي تخفيض في قيمة توظيفات المصارف التجارية لدى مصرف لبنان أو شطب جزئي لها إجراءً تقنيًا بريئًا، بل مصادرة غير مباشرة للمدّخرات.

في النهاية، وبعد تطبيق هذا القانون الذي لا يشكّل خطة نهوض أو مشروع إنقاذ لمعالجة الفجوة، بل نصًّا قانونيًا هدفه تنظيم إفلاس شامل للقطاع المصرفي ومعه تطيير أموال المودعين بطريقة مقوننة، نصل في نهاية المطاف إلى معادلة جديدة ونتيجة واحدة:

* تصفية كل القطاع المصرفي اللبناني وتطيير أموال المودعين.

* في نهاية هذه “الكذبة” التي يروّج لها قانون سلام – البساط – جابر، يكون لدى مصرف لبنان 55 مليار دولار و0 للمودعين.

* تكون الدولة اللبنانية تحوّلت إلى أغنى دولة في العالم بـ”صفر” التزامات، و”صفر” ديون، و”صفر” كلفة لتسديدها للمودعين.

النتيجة: وداعًا لأموال المودعين!.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us