“الفجوة المالية”: إعدام جماعي للودائع والمصارف بقوّة القانون


خاص 22 كانون الأول, 2025

بينما يُقدَّم قانون “الفجوة المالية” كخطوة “إصلاحية” يُفترض أن تشكّل مدخلاً لإعادة بناء الثقة، يرى منتقدوه أنّ إقراره بصيغته الحالية سيُسجَّل كأحد أخطر القرارات المالية في تاريخ لبنان، لما يحمله من تداعيات طويلة الأمد على المودعين، والقطاع المصرفي، والاستثمار، ودور لبنان المالي في المنطقة


كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

يرتقب أن يشكّل التصويت في مجلس الوزراء اليوم على قانون الفجوة المالية (Gap Law) محطة مفصلية وخطيرة في مسار الأزمة المالية اللبنانية، في ظل تحذيرات متصاعدة من خبراء اقتصاديين وقانونيين من أنّ إقرار القانون بصيغته الحالية لن يكون خطوة إنقاذية، بل انتقالاً رسمياً إلى مرحلة تشريع الانهيار وتكريس إفلاس القطاع المصرفي وتطيير ما تبقّى من أموال المودعين.
وتشير أوساط اقتصادية إلى أنّ القانون المطروح يُعدّ عملياً ترجمة تشريعية لرؤية تقودها جهات مرتبطة بمقاربات ما يُعرف بـ”كلنا إرادة”، والتي تقوم على تحميل المصارف والمودعين الكلفة الأساسية للأزمة، مقابل إعفاء الدولة ومصرف لبنان من تحمّل مسؤولياتهما المالية المباشرة. وتُحذّر هذه الأوساط من أنّ تمرير القانون بهذه الصيغة قد يفتح الباب أمام خروج المصارف اللبنانية التقليدية من السوق، واستبدالها لاحقاً بمصارف أو كيانات مالية مشبوهة، ما يهدّد الأمن المالي والاقتصادي للبلاد.
وفي هذا السياق، يُسجَّل أنّ مشروع القانون وُضع مجدداً على طاولة مجلس الوزراء بدفع من رئيس الحكومة نواف سلام ووزير الاقتصاد عامر البساط، وسط اعتراضات واسعة على المنهجية المعتمدة، والتي تُتّهم بتجاهل ملاحظات المجلس الدستوري وحقوق المودعين، والتركيز حصراً على “إدارة الخسائر” بدل معالجتها وفق مبدأ العدالة والمحاسبة.
كما تلفت مصادر متابعة إلى الدور الذي يلعبه وزير المال ياسين جابر في الدفع باتجاه إقرار القانون، في إطار التزامات لبنان التفاوضية مع صندوق النقد الدولي، وهو ما يثير علامات استفهام حول تغليب الاعتبارات التفاوضية الخارجية على المصلحة الوطنية، وعلى حساب الثقة الداخلية بالنظام المالي.
وبينما يُفترض أن يشكّل هذا القانون مدخلاً لإعادة بناء الثقة، يرى منتقدوه أنّ إقراره بصيغته الحالية سيُسجَّل كأحد أخطر القرارات المالية في تاريخ لبنان، لما يحمله من تداعيات طويلة الأمد على المودعين، والقطاع المصرفي، والاستثمار، ودور لبنان المالي في المنطقة.

وفي ظلّ الجدل المتصاعد حول مشروع قانون الفجوة المالية المطروح للتصويت، تتكاثر التحذيرات من أنّ الصيغة الحالية للقانون قد تشكّل نقطة تحوّل خطيرة في مسار الأزمة المالية اللبنانية، لا بوصفها مدخلاً للحل، بل كإطار تشريعي يُكرّس الخسائر ويقنّنها على حساب المودعين والقطاع المصرفي. وبينما يُقدَّم القانون كخطوة “إصلاحية”، ترى أوساط اقتصادية وقانونية أنّه يفتقر إلى العدالة، ويتجاهل مبدأ المحاسبة وتوزيع المسؤوليات، ما يهدّد ما تبقّى من ثقة بالنظام المالي.
في هذا السياق، يبرز موقف وزير الاقتصاد الأسبق آلان حكيم الذي اعتبر أنّ مقاربة التصويت على قانون الفجوة المالية (Gap Law) تُعدّ مسألة بالغة الخطورة في حال إقراره بالصيغة المطروحة حالياً ضمن الخطة الحكومية، محذّراً من أنّ هذا القانون، بدلاً من أن يشكّل مدخلاً حقيقياً لحل الأزمة المالية، يذهب في اتجاه تشريع أزمة كبرى على حساب المودعين والقطاع المصرفي ككل.
وأشار حكيم إلى أنّ الصيغة الحالية للقانون تُشرعن الخسائر وتحمّل العبء الأكبر منها للمصارف والمودعين، فيما تُعفى الدولة ومصرف لبنان مرة جديدة من أي مسؤولية مالية مباشرة، رغم أنّهما يتحمّلان المسؤولية الأساسية عمّا آلت إليه الأوضاع. وقال: “قبل الحديث عن أي حلول تقنية أو مالية، لا بد من طرح السؤال الجوهري: من يُحاسَب؟ ومن يتحمّل مسؤولية هذه الأزمة الشمولية التي تتجاوز كونها أزمة نظامية تقليدية؟”.
ووصف حكيم ما يجري بأنّه “مجزرة مالية بكل ما للكلمة من معنى»، معتبراً أنّ هذا التوصيف ليس مبالغة، في ظل ما يتضمّنه القانون من إعدام لرساميل المصارف، وشطب شبه كامل للحقوق المالية للمودعين، وتأجيل للدفعات على مدى 10 و15 سنة، ما يؤدي عملياً إلى القضاء على ما تبقّى من ثقة بالنظام المالي، من دون أي خطة واقعية واضحة للتعويض أو الاسترداد. وأضاف: “نحن أمام عملية طمس للخسائر بأسلوب عشوائي وغير عادل”.
وحذّر حكيم من أنّ “تمرير القانون في مجلس النواب من دون إدخال تعديلات جوهرية تأخذ في الاعتبار ملاحظات المجلس الدستوري، وحقوق المودعين، وموجبات الدولة ومسؤولياتها، يُعدّ تخلياً فاضحاً عن المسؤولية الوطنية، وخيانة لثقة المواطنين والمودعين، وضرباً مباشراً لمبدأ العدالة الاجتماعية الذي تشتدّ الحاجة إليه في هذه المرحلة الدقيقة”.
وختم بالتأكيد على أنّ “المرحلة الراهنة تتطلّب إعادة نظر شاملة في مقاربة الأزمة، تقوم على وضوح تراتبية المسؤوليات وتطبيقها بعدالة، لا على رمي المسؤوليات بين الأطراف المختلفة، مشدداً على أنّ «الحل لا يكون عبر تحميل الحلقة الأضعف كلفة الانهيار، بل عبر مقاربة وطنية عادلة تعيد الاعتبار للثقة والمحاسبة معاً”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us