أدويةٌ منتهية الصلاحيّة… ومعنيّون يتراشقون المسؤوليّة!

الخطوات الضّروريّة الّتي يجب اتباعها لمعالجة موضوع الأدوية المنتهية الصلاحيّة بطريقة أفضل، هي تطبيق القانون، لناحية الطّلب من جميع المستوردين استرجاع الأدوية المنتهية الصلاحيّة أو الّتي شارفت على الانتهاء، إلى أن يتمّ التوصّل إلى آليّة بين وزارتَيْ الصّحة والبيئة لتلف الأدوية بطريقة آمنة وصديقة للبيئة.
كتب إيلي صرّوف لـ”هنا لبنان”:
لا مبالغة في القول إنّ الفضائح وما يُصاحبها من تراشقٍ للاتهامات والمسؤوليّات، باتت أشبه بالقوت اليوميّ في لبنان، بفعل غياب آليّات الرّقابة والمحاسبة الفعّالة من جهة، وسيطرة المحسوبيّات والوساطات وتفنُّن أصحاب النّفوذ بلفلفة الملفّات من جهةٍ ثانية. والأخطر هو تفلّت الكثير من الفضائح من إطارها الضيّق، للتحوّل إلى أزماتٍ أو مخاطر تطال المواطنين بأشكالٍ مختلفة.
آخر هذه الفضائح تمثّل في إعلان المديريّة العامّة للجمارك في 15 كانون الأوّل الحالي، تفتيش إحدى الصيدليّات في أنطلياس، ومداهمة مستودعها وضبط كميّة كبيرة من الأدوية المنتهية الصلاحيّة، إضافةً إلى كميّةٍ من البوتوكس والفيلر والهرمونات المهرّبة.
فضيحةٌ قديمةٌ جديدة أعادت إلى الواجهة ملف الأدوية المنتهية الصلاحيّة، وما تشكّله من خطرٍ على صحة المواطنين، لا سيّما في ظلّ الأخذ والرّدّ المستمرّ منذ ثلاث سنواتٍ بين نقابتَي صيادلة لبنان ومستوردي الأدوية بشأن الاسترجاع والتلف.
في هذا الإطار، يوضح نقيب الصيادلة عبد الرحمن مرقباوي، في حديثٍ لـ”هنا لبنان”، أنّه “في حزيران 2022، أصدر وزير الصّحة العامّة آنذاك فراس الأبيض قرارًا يقضي بمنع المستودعات العامّة والصيدليّات من إعادة المنتجات الدّوائيّة إلى مستورديها ومصانعها المحليّة، إلّا ضمن آليّةٍ معيّنةٍ تضعها وزارة الصّحة. إلّا أنّه لم يتمّ السّير بآليّةٍ رسميّة، وبقيت الأدوية داخل الصيدليّات”.
ويشير إلى أنّه “على إثر ذلك، تقدّمت النّقابة بطعنٍ بالقرار المذكور أمام مجلس شورى الدّولة، انطلاقًا من مسؤوليّتها في حماية صحة المواطنين والدّفاع عن حقوق الصيادلة. وفي كانون الثّاني 2024، صدر قرارٌ قضائيٌّ عن مجلس الشّورى قضى بالإبطال”، مبيّنًا أنّه “بعدها، توصّلنا إلى بروتوكول مع وكلاء الأدوية، والتزم بعضهم باسترجاع الأدوية المنتهية الصلاحيّة، فيما سُجّل عدم التزام البعض الآخر”.
ويلفت مرقباوي إلى أنّه “عندما تنتهي صلاحيّة الدّواء، من مسؤوليّة المستوردين أن يسحبوه من الصيدليّات، لكن هذا الإجراء لا يُطبَّق، ممّا يؤدّي إلى تكدّس الأدوية في الصيدليّات، فيتمّ وضعها في صناديق وتُقفَل ويُسجّل عليها أنّها منتهية الصلاحيّة. بالتالي، من الطّبيعي أن نجد أدويةً منتهية الصلاحيّة في مستودعات الصيدليّات”.
وفيما يتعلّق بقدرة النّقابة على القيام بجولاتٍ رقابيّة أو تفتيشيّة على الصيدليّات، لضمان عدم وجود أدويةٍ منتهية الصلاحيّة، يؤكّد “أنّنا نمتلك الصلاحيّة لتفتيش الصيدليّات ونقوم بذلك، لكنّنا نحاسب عندما يكون الدّواء المنتهي الصلاحيّة موجودًا على رفوف الصيدليّة، أي معروضًا للبيع”، مشيرًا إلى أنّه “عند حصول أيّ مخالفة، يمكننا استدعاء الصيدلي المعني إلى المجلس التأديبي، الّذي يقوم بمهامّه ويتخذ القرار المناسب بحقّه”.
بين التخزين والتلف… النّقيب يحسم الجدل!
بعد الانهيار الاقتصادي والمالي في نهاية العام 2019، وما رافقه في السّنوات اللّاحقة من تدهورٍ في سعر صرف اللّيرة اللّبنانيّة، ورفعٍ للدّعم عن معظم المنتجات الدّوائيّة، ما تسبّب بنقصٍ حادٍّ وصعوبةٍ لدى المواطنين للحصول على أدويتهم الأساسيّة، بدأت تظهر أسواق سوداء للأدوية، مُضافةً إلى تنامي ظاهرتَيْ التهريب والتخزين. وتحوّلت أزمة فقدان الأدوية إلى كارثة صحيّة واقتصاديّة عميقة. خلال تلك الفترة، عمَدت العديد من الجهات إلى تخزين الأدوية خوفًا من فقدانها، ووُجّهت أصابع الاتهام إلى عدّة صيدليّات في هذا الإطار.
حتى أنّ نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان (LPIA) أعادت تسليط الضّوء على هذه المعضلة، إذ أفادت في بيان مطلع أيلول الماضي، بأنّه “تبيّن خلال الأشهر الماضية، أنّ بعض الصيدليّات الّتي كانت تشتكي من انقطاع الأدوية خلال اشتداد الأزمة في السّنوات الماضية، تطلب إرجاع كميّاتٍ منتهية الصلاحيّة تعود إلى تلك الفترة المأزومة تحديدًا. وهذا الواقع يطرح علامات استفهام حول حصول تخزين غير مبرَّر للأدوية، أو عدم صرفها للمرضى في الوقت المناسب”.
غير أنّ للنّقيب مرقباوي وجهة نظر أخرى، إذ يشدّد على أنّه “لم يكن هناك تخزين للأدوية خلال الأزمة بحسب علمي، فهذا القطاع تعرّض لتدميرٍ ممنهج، بغضّ النّظر عمّا إذا كان مقصودًا أم لا. في حينها نفدت الأدوية من الصيدليّات، لأنّه كان عليها تلبية المرضى، وفي المقابل لم تكن تتلقَّ الكميّات الكافية من المستوردين”، منوّهًا إلى أنّ “بعض الصيدليّات كان عليها ترشيد بيع الأدوية، لتلبية حاجات مرضاها”.
أمّا عن الخطوات الضّروريّة الّتي يجب اتباعها لمعالجة موضوع الأدوية المنتهية الصلاحيّة بطريقة أفضل، فيؤكّد أنّ “الأساس هو تطبيق القانون، لناحية الطّلب من جميع المستوردين استرجاع الأدوية المنتهية الصلاحيّة أو الّتي شارفت على الانتهاء. كما يجب التوصّل إلى آليّة بين وزارتَيْ الصّحة والبيئة لتلف الأدوية بطريقة آمنة وصديقة للبيئة”.
للأسف، لم تعُد لدى اللّبنانيّين القدرة لا على تحمّل ولا تعداد ولا حتى مجابهة القضايا الّتي تمسّ حياتهم مباشرةً، وتُجبرهم على العيش في قلقٍ دائمٍ على المصير. فهل سينجح المعنيّون في تذليل العقبات وإيجاد الآليّات المناسبة لحلحلة واحدةٍ من هذه القضايا، وهي الأدوية المنتهية الصلاحيّة، الّتي يُخشى أن يتمّ بيعها واستهلاكها؟ أم أنَّ تقاذف المسؤوليّات سيكون السّمة الأبرز في هذا الملف أيضًا؟.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الأزمة النّظاميّة تنخر لبنان… فأي سبيل للخروج منها؟! | قانون السّير حيٌّ على الورق… ميتٌ على الطّرق! | لبنان يستقبل بابا الفاتيكان: رسالة سلام في لحظة مصيريّة |




