حين يصبح الخطاب هديةً مجانيةً لإسرائيل!

المشكلة لا تكمُن فقط في مضمون كلام الشيخ نعيم، بل في توقيته أيضًا. ففي لحظةٍ كان يُفترض فيها تخفيف التوتّر وفتح ثغرات سياسية، يأتي الخطاب ليشدّ العصب، ويُعيد إنتاج مناخ المواجهة. والنتيجة واحدة: إطالة أمد الحرب، وتعميق عزلة لبنان، وتقديم خدمة استراتيجية مجّانية لإسرائيل.
كتب بشارة خير الله لـ”هنا لبنان”:
عشية اللقاء المرتقب بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، يبرز خطاب أمين عام “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم كعاملٍ غير مباشر، لكنّه مؤثّر في تعزيز السرديّة الإسرائيلية وتوفير الذرائع السياسية والعسكرية لاستئناف الحرب.
فبدلًا من أن يشكّل هذا الخطاب عنصر ردعٍ أو حمايةٍ للبنان، يتحوّل، في مضمونه وتوقيته، إلى مادةٍ دسمةٍ تُستخدم ضد الدولة اللبنانية على طاولات القرار الدولية. كلام الشيخ قاسم، الذي يُعيد التأكيد على منطق “رفض تسليم السلاح” واستمرار المواجهة المفتوحة خارج إطار الدولة، لا يخدم لبنان بقدر ما يخدم إسرائيل.
فنتنياهو، الذي يواجه ضغوطًا داخليةً وخارجيةً غير مسبوقةٍ، يحتاج إلى أي تصريح أو موقف يُظَهِّرُ أنّ “الخطر” ما زال قائمًا، وأنّ إسرائيل تخوض “حربًا وجوديةً” لا خيار لها فيها. وهنا يأتي خطاب “حزب الله” ليمنحه هذه الحجّة جاهزة، بل مغلّفة بخطاب إيديولوجي واضح يسهل تسويقه في واشنطن.
الأخطر في هذا المشهد أنّ هذا النوع من الخطاب يضع لبنان مجدّدًا في موقع المتّهم لا الضحيّة. فبدلًا من إبراز التزام الحزب بقرارات الحكومة اللبنانية وتشجيع خطواتها في التفاوض المباشر والتعاون مع الجيش في شمال وجنوب الليطاني، يُعاد تقديم لبنان كمنصة تهديدٍ، لا كدولةٍ تسعى إلى تثبيت الاستقرار وتطبيق القرارات الدولية والاتفاقات. وهذا تحديدًا ما تحتاجه الحكومة الإسرائيلية في لحظةٍ سياسيةٍ دقيقةٍ، حيث يسعى نتنياهو إلى استعادة الغطاء الأميركي الكامل لأي تصعيدٍ مقبلٍ.
من زاوية الدولة اللبنانية، فإنّ خطاب الشيخ قاسم يتناقض كليًّا مع المصلحة الوطنية. فلبنان المنهك اقتصاديًّا وشعبيًّا، لا يحتمل حرب استنزاف طويلة ولا مغامرات مفتوحة السقف. ومع ذلك، فإنّ الإصرار على خطاب الحرب الدائمة يورّط البلد أكثر فأكثر، ويقوّض أي محاولة رسمية لفصل لبنان عن مسار التصعيد الإقليمي.
إنّ المشكلة لا تكمُن فقط في مضمون الكلام، بل في توقيته أيضًا. ففي لحظةٍ كان يُفترض فيها تخفيف التوتّر وفتح ثغرات سياسية، يأتي الخطاب ليشدّ العصب، ويُعيد إنتاج مناخ المواجهة. والنتيجة واحدة: إطالة أمد الحرب، وتعميق عزلة لبنان، وتقديم خدمة استراتيجية مجّانية لإسرائيل.
في السياسة، ليست النيّات هي ما يُحاسَب عليه، بل النتائج. ونتيجة هذا الخطاب واضحة: إضعاف الدولة اللبنانية، وتعزيز موقع نتنياهو، وتوريط لبنان في حرب لا يملك متى تبدأ ولا حتى قرار نهايتها.
وفي مشهد يمكن تخيّله، سوف يدخل نتنياهو وبيده “آيباد” ويجلس أمام الرئيس ترامب ويقول له: سيدي الرئيس أتمنى عليك مشاهدة هذا الفيديو… فيديو الإطلالة الأخيرة للشيخ نعيم، وهي الكفيلة باستفزاز الرئيس الأميركي وتغيير رأيه لصالح إسرائيل.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لماذا كشفت إسرائيل اعترافات عماد أمهز الآن؟ قراءة في التوقيت والدلالات! | تأخّر قبول اعتماد السفير الإيراني… حين تعود الدبلوماسية إلى أصولها! | سنة على خلاص سوريا من حكم لونا والأحمق |




