المالكون والمستأجرون إلى الواجهة من جديد… فوضى تضرب عقود الإيجارات الجديدة دون حسيب أو رقيب


أخبار بارزة, خاص 22 تشرين الثانى, 2021

كتبت رانيا حمزة لـ”هنا لبنان” :

منذ بداية الانهيار الاقتصادي و تداعي سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، انتشرت ظاهرة قيام المالكين بإرسال إنذارات إلى المستأجرين لديهم بضرورة الإخلاء مع اقتراب عقد إيجارهم على الانتهاء، مبررين هذا الأمر، تارةً بعدم رغبتهم بالتأجير، أو التذرع بالضرورات العائلية. هذا السلوك الذي دب الرعب في نفوس المستأجرين، لا سيما، في العاصمة والضواحي، التي يقصدها الناس في الأساس مرغمين للعمل، وجد له البعض تبريراً تمثل بخشية المالكين من الوقوع في تجربة المالكين القدامى الذين هدر حقهم على مدى نحو أربعين عاماً ولا يزالون يعانون في أملاكهم السكنية وغير السكنية وذلك على الرغم من تحرير الإيجارات بعد إقرار القانون الجديد.

ومع تفاقم الأزمة في لبنان ورفع الدعم عن معظم السلع والخدمات من مواد استهلاكية، دواء، بنزين، الخ… والتصاعد المتقلب في سعر صرف الدولار والذي يتخطى في كثير من الأحيان العشرين ألفاً للدولار الواحد، بدأت ظاهرة جديدة بالانتشار بين صفوف المالكين، ألا وهي طلب الزيادة في بدل الإيجار للمستأجر حتى قبل انتهاء العقد. وعلى الرغم من إجماع الناس مالكين ومستأجرين على وجوب التزام الطرفين ببنود العقد إلى حين انتهائه، إلا أن الواقع على الأرض مختلف كلياً، وهو لا يترك خياراً أمام المستأجر سوى بالإذعان لطلبات المالك المتذرع بغلاء المعيشة طبعاً، أو البحث عن بديل غير متوفر في ظل الظروف الراهنة، تحت طائلة تحويل حياته إلى جحيم لا يطاق، في حال رفض الأمر وتمسك بأبسط حقوقه القليلة التي منحه إياها القانون، مع علمه المسبق أن هذا الأمر سيؤدي به في نهاية المطاف إلى مصير واحد الا وهو “الشارع”.

التفاوض الإكراهي خوفاً من التشرد

تروي أماني عرار تجربتها قائلة: “يبلغ إيجار منزلنا خمسمئة ألف ليرة شهرياً وبقي أمامنا سنة قبل انتهاء مدة العقد، ومع ذلك جاء المالك يطالبنا بمليوني ليرة بدل إيجار شهري، حاولنا البحث عن بديل ولكننا وجدنا صعوبة في ذلك، وتجنباً لمشادة بين زوجي والمالك اتفقنا على دفع مبلغ مليون ليرة شهرياً إلى حين انتهاء مدة العقد. علماً أن المالك يملك المبنى كاملاً وكل الشقق فيه مؤجرة ولا يتكل على إيجار منزلنا ليعيش”.

يعمل حسن قطيش بائع قهوة متجول وهو بالكاد يؤمن قوته وقوت أسرته، منذ فترة يشعر وكأنه يعيش في “بورصة شهرية”، إذ أن صاحب الملك يضاعف الإيجار في كل شهر نحو مئة وخمسين ألف ليرة، يقول: “في البداية كان بدل الإيجار ستمئة ألف ليرة، ثم بعد فترة وجيزة قام برفعه إلى سبعمئة وخمسين ألفاً. اليوم بات الإيجار تسعمئة ألفاً وقد أعلمني مسؤول المبنى الذي أقطن فيه أن الإيجار سيصبح مليونًا ومئتي ألف ليرة في مطلع العام الجديد”.

يلجأ حسن إلى الاستدانة لتأمين بدل الإيجار، وهذه الزيادة المتدفقة عليه في كل شهر تثقل كاهله، وهو عاجز عن الاعتراض، إذ أن لا عقدًا خطيًّا بينه وبين المالك، “إن رفضت هذه الزيادة سيقول لي “الله معك” عندها ماذا سيحلّ بي وإلى أين سأذهب؟”

كان نهار أنجي عيسى سعيداً إلى أن تلقت اتصالاً من مالك المنزل يعلمها برغبته في زيادة الايجار إلى نحو الأربعمئة دولارًا أميركيًّا أسوة بإيجار شقة تم تأجيرها في المبنى عينه. لم يمضِ عام واحد على سكن أنجي في منزلها وهي تدفع نحو مئة وخمسون دولاراً أميركياً نقداً “فريش” بدل إيجار، فيما تتكفل بباقي نفقات المنزل من مياه وكهرباء الخ… الخبر وقع كالصاعقة على الفتاة التي ليس بمقدورها أن تدفع مبلغاً مماثلاً، فيما تشعر بالخوف من أن تصبح مشردة على الطريق، فلا عقدًا خطيًّا بينها وبين المالك علماً أنها طالبت به منذ اليوم الأول ولكنها قوبلت بالمماطلة بشكل دائم إلى حين جاءها هذا الاتصال. وهي اليوم بدأت بالبحث عن منزل جديد تجنباً “لوجع الرأس”، ولكنها تجد صعوبة تتأرجح بين رفض العديد من المالكين تأجير أملاكهم رغم شغورها، وبين بدلات إيجار باهظة على مستأجر لا يقدر على دفع الثمن المطلوب.

التمسك بعدم التأجير في الظروف الراهنة

منذ أشهر دعت نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة كل المالكين للامتناع عن تجديد العقود التأجيرية لخدمة السكن أو غير السكن وذلك عند انتهاء مدة الثلاث سنوات، طالما أن الدولة لم تحرّر بعد أملاكهم القديمة في الإيجارات غير السكنية، وإلى اليوم لا تزال النقابة متمسكة بموقفها، في محاولة منها تجنيب المالكين الوقوع في تجربة مماثلة للإيجارات القديمة.

وفي هذا السياق يتحدث رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة باتريك رزق الله قائلاً: “نحن لا نزال إلى اليوم نعاني من مشكلة الإيجارات القديمة وأملاكنا غير السكنية لا تزال تؤجر على السعر القديم.

أما فيما خص الإيجارات الجديدة، إذا أخذنا المسألة نسبياً نجد اليوم أن أسعار السلع والخدمات إلى ارتفاع في كل لحظة، فاتورة اشتراك مولدات الكهرباء تتخطى المليوني ليرة فعلى أي أساس يريدون من المالك إبرام عقد مع المستأجر والالتزام به مدة ثلاث سنوات؟ كيف سيتمكن هذا المالك من تأمين معيشته، فيما فقدت الإيجارات الجديدة بالليرة اللبنانية حوالي 95 في المئة من قيمتها؟ في حين أن مؤشر التضخم اليوم ارتفع نحو 1500 في المئة؟ نحن عندما كنا نؤجر بمبلغ معين كانت تنكة البنزين بثلاثين ألفاً، أما اليوم فقد تخطى سعرها الثلاثمئة ألفًا فكيف سيتمكن المالك من تحمل هذا الوضع؟”

وبسؤاله عن الزيادات التي يطلبها بعض المالكين من المستأجرين لديهم قبل انتهاء العقد، أكد رزق الله على حق المستأجر وفقاً للقانون بالالتزام ببنود العقد دون أن يمنع ذلك، اللجوء إلى التفاوض بالتراضي بين الطرفين، وإلا لا يبقى أمام المالك سوى انتظار مدة الثلاث سنوات لانتهاء العقد.

واعتبر أنه: “بالمنطق الاقتصادي، لا يوجد إنسان عاقل اليوم، ويقوم بتأجير الملك لديه طالما ليس هناك ثبات في سعر الصرف، ولكن بالنهاية إن الأمر متروك للمالك وظروفه”.

ورداً على سؤال ماذا يفعل المستأجر في هذه الحال؟ أجاب: “نحن لسنا مسؤولين عن ارتفاع سعر صرف الدولار بل تتحمل مسؤوليته السياسات الخاطئة، التي ألحقت الضرر بنا أيضاً كمالكين. هذا الأمر تتحمل مسؤوليته الدولة التي قامت بضربنا كمالكين في موضوع الإيجارات القديمة والآن تريد ضربنا بموضوع الإيجارات الجديدة. فهل علينا تحمل ذلك في كل مرة؟ إذا كانت الدولة عاجزة عن دعم الناس فنحن أيضاً عاجزون عن ذلك يكفينا أننا قدمنا الدعم نحو أربعين عاماً”.

بوابة إلى جهنم

في الواقع إن طرح مسألة الإيجارات الجديدة في ظل الظروف الراهنة، هو كمن يفتح على نفسه بوابة إلى جهنم، فالمالكون ينتفضون دفاعاً عن حقهم بعدما فقدت الإيجارات الجديدة قيمتها نتيجة انهيار سعر الصرف، في حين ارتفعت أسعار السلع والخدمات أضعافًا مضاعفة. على سبيل المثال إن إيجار منزلًا يبلغ أربعمئة دولار شهرياً أي ما يعادل ستمئة ألف ليرة لبنانية بحسب سعر الصرف الرسمي، وهو بذلك لا يؤمن للمالك فاتورة اشتراك مولد خمسة أمبير حيث أنها تخطت المليون ليرة.

ومن ناحية أخرى يعيش المستأجر صراعاً أخلاقياً ومعيشياً في آنٍ واحد، فهو من ناحية يدرك في قرارة نفسه بأن بدل إيجار منزله لم يعد كافياً في ظل الظروف الراهنة، ولكن من ناحية أخرى يجد نفسه عاجزاً عن تقديم المزيد لا سيما أن راتبه لم يشهد تبديلاً، أو أنه في أحسن الأحوال شهد زيادة على أساس سعر الصرف المعتمد في المصارف أي ثلاثة آلاف وتسعمئة ليرة فيما تخطت أسعار السلع والخدمات، الخمسة وعشرين ألفًا، فأين يكمن مفتاح الحل لهذه الأزمة التي تهدد بانفجار اجتماعي؟

ترى سناء بولس أن “أمام المستأجر خياران إمّا افتعال مشكلة مع المالك وعندها لا يتوقع أن يقوم بالتجديد له عند انتهاء مدة العقد. أو الاتفاق الرضائي بين الطرفين على زيادة معينة إلى حين انتهاء مدة العقد. فبالنهاية المالك مثله مثل المستأجر لديه التزامات معينة وعليه شراء الأكل والدواء الخ…”

وتضيف: “المستأجر يريد أفضل شيء ممكن بأقل سعر والمالك يريد مدخولًا لائقًا يؤمن من خلاله معيشته. المشكلة أن كلا الطرفين بات يرى في الآخر عدواً له فيما يجب أن يكونا سنداً لبعضهما البعض”. معتبرة أن بإمكانهما معاً البحث عن حل رضائي دون فتاوى وتدخلات.

وبحسب محمد زين الدين فإنه “لا يوجد شيء في القانون يوجب المستأجر بأن يدفع بدل الإيجار بالدولار، لأن سعر الصرف الرسمي لا يزال 1500 ليرة لبنانية. كما أنه لا يحق لصاحب الملك أن يفرض زيادة على بدل الإيجار قبل انتهاء مدة العقد. ولكن هناك شيء أخلاقي يفرض التراضي بين الطرفين في ظل الأوضاع المعيشية التي نمر بها، فلا ننسى أن الظلم الأكبر يقع على عاتق المالك الذي يتحمل تكاليف الصيانة الباهظة بعد إخلاء المستأجر”.

في الحقيقة يجمع مجموعة من المحامين الناظرين في قضايا نزاعٍ، تنشأ بين المالكين والمستأجرين، على أنه “لا يحق للمالك فرض زيادة على المستأجر قبل انتهاء مدة العقد إلا في حال وجود بند يلحظ إمكانية هذه الزيادة ضمن العقد المبرم، أما في حال المخالفة يمكن للمستأجر أن يقوم بعرض وإيداع عند كاتب العدل وفق القيمة الملحوظة ضمن العقد أو المتفق عليها”. كما يجمع هؤلاء على “أنه لا يحق للمالك عدم قبول العملة اللبنانية حسب المادة ١٩٢ من قانون النقد والتسليف، الذي ينص على إلزامية قبول العملة اللبنانية كون الموضوع يمس بسيادة الدولة. وإذا امتنع المالك عن قبض الإيجار بالليرة اللبنانية، فمن الممكن إيداع المبلغ عند كاتب العدل وإرفاق إفادة بسعر الصرف الرسمي بتاريخ الدفع لحفظ الحقوق”.

مقبلون على انفجار كبير فيما الدولة غائبة

وفي حديث مع المستشارة القانونية للجنة الأهلية لحماية المستأجرين، المحامية مايا جعارة اعتبرت أن: “المستأجر لا يملك حقوقاً كثيرة في عقد الإيجار الحرّ سوى أن من يستأجر لمدة سنة بإمكانه أن يمدد لثلاث سنوات. والذي يحصل على أرض الواقع أنه عندما يشارف العقد على الانتهاء فإن المالك إما أن يرفع بدل إيجار المستأجر أو يطلب من المستأجر إخلاء المنزل، وهنا تظهر عقبة جديدة أمام المستأجر تتمثل بارتفاع بدل الإيجارات الجديدة بشكل يتخطى قدرته حيث يطلب المالك مبالغ كبيرة إما بالدولار أو ما يوازي سعر الصرف بالليرة اللبنانية”.

وبالسؤال إن كان بإمكان المالك أن يفرض على المستأجر أن يدفع الإيجار بالدولار الأميركي أجابت: “في حال إبرام العقد وفقاً لسعر الصرف الرسمي فبإمكان المستأجر أن يصر على أن يدفع على سعر 1500 ليرة لبنانية. أما في حال عقود الإيجار الشفهية ووقوع الخلاف بين الطرفين فيتم الاعتماد على الإيصال كوثيقة إثبات حصول العقد”.

ورأت جعارة أنه إذا استمرت حالة الفوضى الحاصلة اليوم من ارتفاع بدل الإيجارات بشكل كبير و امتناع عدد كبير من المالكين عن تأجير أملاكهم الشاغرة فنحن ذاهبون إلى مكان خطير جداً. وقالت: “معظم عقود الإيجارات الحديثة قد شارفت على الانتهاء، والمالك إما أن يرفض التأجير أو يطلب مبالغ مرتفعة جداً تتخطى قدرة المستأجر، فماذا يفعل الناس لا سيما من يريد الارتباط؟ أما الدولة فلا تزال تبحث في موضوع تحرير بدل إيجار الأبنية غير السكنية”.

واعتبرت جعارة أن الحل يكمن في”حصول الانتخابات النيابية ومجيء دم جديد إلى مجلس النواب لديه نظرة اجتماعية حقيقية. حيث يتولى هؤلاء العمل في اللجان النيابية كما يجب لأن معظم الموجودين اليوم بعيدون عن هموم الناس ومشاكلهم”.

في ظل غياب سياسة إسكانية شاملة في لبنان، ومع الفوضى الحاصلة اليوم يبقى الحق في السكن المصان في كل المواثيق العالمية، حقاً منقوصاً في هذا البلد شأنه شأن العديد من الحقوق المغيبة قصداً أو عن غير قصد. وفيما تستمر الأزمة الاقتصادية دون بوادر إلى حلها يعود المالكون والمستأجرون إلى الوقوف مرة جديدةً وجهاً إلى وجه في المواجهة، علماً أن الاثنين يقفان على فوهة البركان عينه فهل يستيقظ المشرع قبل الانفجار أو يتكرر السيناريو القديم المستمر ويتمدد؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us