تقرير البنك الدولي: إستخفاف وتحريفٌ للحقائق

ترجمة “هنا لبنان”
كتب نيكولا صبيح لـ “Ici Beyrouth“:

لا يمكن لمتابع الوضع الإقتصادي في لبنان إلا أن يقف عند التقرير السنوي للبنك الدولي وخطاب السياسي اللبناني، سعادة الشامي في حرم الجامعة اليسوعية، الأسبوع الماضي، مع الإشارة إلى تقاطع الإثنين لناحية عرض الحلول غير القابلة للتطبيق بشكل كامل. وعلى العكس من ذلك، قد يبدو حتى أنّ التقرير والخطاب أضيفا إلى لائحة المواقف غير المفهومة والافتراضات والأكاذيب وسوء النية. في هذا المقال، سنكتفي بالتركيز على تقرير البنك الدولي نظراً لأن خطاب الشامي لا يعدو كونه أكثر من مجرد صدى له.

بداية، لا يبدو أن البنك الدولي أولى تقرير مرصد الاقتصاد اللبناني الأخير الأهمية اللازمة. ومع ذلك، وقبل الغوص في التفاصيل، سؤالان أساسيان يطرحان: هل يعكس التقرير حقًا الموقف الرسمي للبنك الدولي؟ وهل يمكننا في رحلة البحث عن الحل، التخلص من حتمية الطاعة العمياء لاقتراحات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؟

السؤال الأول لا يفتقر للإجابة وهي متوفرة أصلاً في الصفحة الرابعة من التقرير، والتي توضح أنّ النتائج والتفسيرات والاستنتاجات الواردة لا تعكس بالضرورة وجهات نظر البنك الدولي (…) أو مجلس إدارته. كما لا يضمن البنك الدولي عدم دقة واكتمال وتوقيت البيانات المدرجة في التقرير.

الموظفون ديما كريم وناجي أبو حمدة وإبراهيم جمالي، تولوا إعداد التقرير بالتعاون مع فريق من الاقتصاديين. الأمر الذي يلقي بظلال جديدة عليه، بعيدًا عن إطار التقديس الذي توضع فيه عمومًا تقارير الأمم المتحدة.

أما بالنسبة للسؤال الثاني، فلا بد من لمحة تاريخية موجزة لعرض بعض الملاحظات الهامة. فبالعودة إلى التجربة، اتّبعت بعض الدول توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بشكل جيد ونجحت في الخروج من أزمتها. ولكن في المقلب الآخر، هناك من اتّبعها وفشل، على غرار الأرجنتين التي تخوض مشروع الإنقاذ الثاني والعشرين من صندوق النقد الدولي. وهناك دول أخرى ممن فاوضت صندوق النقد واتبعت تعاليمه جزئيًا. وأخيراً، هناك دول أخرى، مثل ماليزيا، رفضت اتباع التوصيات ونجحت بخطة الإنقاذ لوحدها. لذلك، كفانا تصوير التوصيات كخطط منزلة.

هذا عدا عن أن بعض التفاصيل يشوبها غموض إلى حد كبير:

فما معنى أن القطاع المصرفي لا يزال متعثراً؟ في حال كنا نعني بها المصارف التجارية، كيف يمكن الجزم والتعميم طالما لم تخضع المصارف كلها للتدقيق عملاً بما تنص عليه الاتفاقية الأولية مع صندوق النقد الدولي؟ ومن ثم، من قال أنّ كل المصارف متشابهة؟ ربما يتعثر البعض بينما يعاني البعض الآخر ببساطة من مشكلة في السيولة، على خلفية إقبال مفاجئ مثلاً.

ينص التقرير (الذي لا بد من تغيير توقيعه من البنك الدولي إلى كريم وآخرون وفقاً للصيغة اللاتينية لتوثيق المراجع)، على ضرورة تعويض خسائر النظام المصرفي على الفور وبشكل كامل من قبل المساهمين في المصارف، وكذلك حكماً من قبل “كبار” المودعين. كيف ذلك دون مشاركة الدولة، بينما هي مرتكبة الخطيئة

أساساً؟ كأن بالبنك الدولي يستجيب للتعميم الأخير الصادر عن مصرف لبنان والذي يمنح البنوك خمس سنوات لاستعادة عافيتها. وهذا يعني أن هناك احتمال الموت دون رعاية ملطفة مقابل إمكانية الإنعاش.

وفقاً للتقرير، تتمثل أحد مصادر الخسائر في القطاع المصرفي، في “الخسائر الكبيرة” في القروض المصرفية للقطاع الخاص. هذا صحيح، ولكن التقرير لا يجرؤ على الذهاب أبعد من ذلك والغوص في أصل هذه الخسارة. ألا يعزى ذلك لإجبار السلطات المصارف على قبول سداد الاعتمادات بالعملة الأجنبية بشيكات بـ”اللولار”، أو حتى بالليرة بسعر صرف 1500 ليرة لبنانية، بينما كان يجب فرض تسديدها بالدولار الفريش!

ينتقد التقرير أولئك الذين يريدون تحميل الدولة مسؤولية الخسائر: موقف مثير للضحك! إذن، هل ينبغي لنا، أن نتجاهل دين الدولة البالغ 35 مليار دولار و 90 تريليون ليرة بشطبة قلم؟ أم هل علينا تبرئة الدولة من مسؤوليتها تجاه مصرف لبنان؟

ويرفض التقرير بالتالي فكرة خصخصة أصول الدولة وإيراداتها المستقبلية لهذا الغرض. هذا ينم عن سوء نية. ولا يتمثل الاقتراح حول القطاع الخاص ببيع الأصول، بل بتكليف جهات فاعلة خاصة بإدارتها لتوليد الإيرادات. فكيف ذلك في الوقت الذي نختبر فيه حاليًا أزمة بسبب سوء الإدارة أو النهب أو إهمال هذه الأصول.. هي مبادرة يجب تنفيذها في ظل الأزمة أو بدونها في الأصل.

ثم هناك الاقتراح الغريب الذي يفترض أن “إنقاذ القطاع المالي عن طريق الأصول العامة للدولة هو بمثابة توزيع الأموال من الفقراء (دافعي الضرائب) على الأغنياء (المودعين)”! ولكن ألم تخدم ديون الدولة، التي تمت تغطيتها من الودائع المصرفية، جميع السكان؟ وبالمثل، ماذا عن إعانات مصرف لبنان، المأخوذة أيضًا من الودائع، ألا يفترض أنها خصصت لمساعدة أفقر الناس على مدى ثلاث سنوات (باستثناء المهربين وسواهم). أخيرًا، تأتي معظم الضرائب من دافعي الضرائب الأثرياء وليس من أصحاب الأجور.. فما الذي يفسر هذا الاقتراح، أنحن في ألبانيا أنور خوجة؟!

وماذا عن اقتراح أن المصارف كانت هي الرابحة حين باعت سندات “اليوروبوند” لصناديق أجنبية”؟ ذلك خطأ أيضاً لأن البنوك باعت هذه السندات بخسارة للترويح عن ميزانياتها قليلاً.

يذكر التقرير، في تحريف واضح للحقائق، القطاع المالي وحملة أسهم المصارف والمودعين الأثرياء من بين المستفيدين. ولكن ذلك ليس بصحيح مجدداً، إذ أن القطاع المالي يخسر بشكل يومي، أموالاً على القروض العامة والخاصة وعلى انخفاض قيمة الليرة وعلى الودائع المستعادة وفقاً للمعدلات في تعاميم مصرف لبنان. والمساهمون فخسروا، من جانبهم، ثلاثة أرباع قيمة أسهمهم (التي انخفضت من 20 إلى 4 مليارات دولار) ؛ أما عن المودعين الأثرياء، فأموالهم مجمدة في المصارف كحال جميع المودعين الآخرين.

أخيرًا، الضربة القاضية من خلال عبارة “مصارف الزومبي” في تقرير كريم وآخرين.. استعارة “فيسبوكية” ربما لم يخيل لنا في يوم من الأيام أن ترد بهذا الاستخفاف في تقرير ينسب لوكالة أممية!

ومع ذلك، ربما عندما يرضخ المرء للعبثية، يصعب استبعاد أي شيء!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar