أدونيس والخلاف حول “المايوه”

ترجمة “هنا لبنان”
كتب يوسف معوض لـ “Ici Beyrouth“:

أعاد الشجار الذي نشب منذ بضعة أيام على شاطئ مدينة صيدا، طرح مجموعة من الأسئلة الملحة: من الذي يمتلك السلطة لمنع أو منح الموافقات؟ وهل ستظهر في لبنان شرطة الأخلاق؟ وهل سنفسح المجال أمام محاولات تجسيد الفضيلة؟

تعليقاً على ما حصل، شاركتني إحدى الصديقات في بعقلين، السيناريو الساخر التالي: :”إذا كنا في الكانتون المسيحي ننظم مهرجانات طعام وموسيقى ونتراقص في الطابور، وإذا كنا في الكانتون الشيعي نجري المناورات العسكرية تحت شعار إبادة إسرائيل من على وجه المعمورة، وإذا كنا في الكانتون السني، نواظب على الجهاد ضد اللباس الفاضح على الشاطئ، فما الذي نفعله في الكانتون الدرزي؟… في الكانتون الدرزي، لا بد أننا نراقب ونمحّص في ما يحدث مع الآخرين ..”

ما حصل في صيدا ليس مجرد حدث عابر، بل يكتسب رمزية كبيرة وهذا ما دفع بي للتواصل مع الشاعر أدونيس المتواجد في منفاه بباريس، لأخبره بأنه وفي مكان ما، كان على حق! ألم يندد بصوت عالٍ بالقبضة الدينية التي تحكم إنتشارها في المساحات العامة؟ ألم يثر المؤتمر الذي عقده احتجاجات بين المثقفين؟ كان ذلك منذ أكثر من عشرين عامًا. وحتى حينها، في منتصف عهد الحريري، لم يتردد ساحر الكلمات بالقول بأن بيروت ما عادت في بيروت وبأن الكنائس والمساجد باتت تحكم عقلياتنا المدجنة.

ألا تؤكد الأحداث الأخيرة مخاوفه؟ لقد ساد التشدد الديني حتى أن رئيس بلدية صيدا أصدر مرسوماً يقضي بمنع شرب الكحول على الرمال الناعمة وعدم إمكانية نزول الشاطئ إلا بملابس لائقة. هذا يعني أن المرأة لا تستطيع السباحة بلباس البحر أي بـ”المايوه”، فما بالك بالبيكيني؟

أيها السباحون والسباحات.. أيها الراغبون بالاستمتاع بالشمس والمياه، هلمّوا إلى شواطئ البترون في شمال لبنان! هناك على الأقل، لن يخطر ببال أحد أن يمنع عنكم أبسط الملذات البريئة.

ولكن هذا يعني أنه من أجل السباحة، نجدنا مجبرين على الانتقال من منطقة إلى أخرى لتجنب محاكم التفتيش الخاصة بالمصلين.

“الاحتشام” ومبدأ السلطة

عشية الانتخابات الرئاسية، كان المرء ليظن أن البلاد منقسمة بين حزب الممانعة وحزب السيادة، بين مؤيدي 8 آذار وأنصار 14 آذار. أما اليوم، تأتي حادثة شاطئ صيدا لتذكّر بأن اللبنانيين قادرين على الإنقسام على خلفية الاحتشام أو عدمه. وكأن ليس هناك ما يكفيهم من نقاط للخلاف في الساحة العامة! ومع ذلك، يلمح البعض لأن هذه القضية تآمرية برمتها: مجرد مسرحية ومصدر إلهاء بينما يحدث ما هو أهم في مكان آخر.

هذا ممكن تمامًا، لكن لا ينبغي أخذ هذا الاستطراد، إن جازت تسميته كذلك، باستهتار. فما حصل كفيل بإثارة نقاش تهتم المنظمات غير الحكومية في فترة ما بعد الحداثة والمجتمع المدني بمتابعته.. وإلى جانب الكليشيهات وشعارات الاستخدام، أثار هذا الخلاف مسألة السلطة الشائكة. لقد آن الوقت للعلمانيين للتباهي بمهاراتهم في المراوغة!

يدعي المتعصبون الذين يسعون لفرض الاحتشام أن كل شيء أنزل مرة وللأبد وأنهم وحدهم المخولون بتفسير النصوص. وعلى الجانب الآخر يقف أولئك الذين يتحدون الدوغمائية، والذين يشككون بمبدأ السلطة المذكور والذين يرفضون، باسم العقل، يرفضون الجمود والصلابة التي عفا عليها الزمان.

باختصار، هو صراع للثقافات بين حفنة من المصطافين في صيدا ليس أكثر!

التقسيم قبل الفصل

ولكن في الأصل، لم يكن التعايش المتناغم بين أتباع الأصالة والتغريب سهلاً. بالتالي، بما أن هناك أماكن مخصصة للاستخدام السكني وأخرى للاستخدام التجاري أو الصناعي، ربما حان الوقت ليخصص المشرع شواطئ “لأصحاب الفاضيلة” وأخرى لأصحاب الرذيلة. فلتكن الأمور واضحة وحسب الطلب! ومن شأن الفصل العادل أن يحدد المناطق التي ستكون حصرية، والمناطق التي ستبقى مختلطة. ولا بأس بالتقسيم كأداة لاستخدام وإدارة الأراضي.. أقله يمنحنا هذا التقسيم لمحة عما قد تكون عليه تجزئة البلاد!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar