اقتصاد الفوضى

ترجمة هنا لبنان 10 حزيران, 2023
اقتصاد

على الرغم من تعدد النظريات، يبقى العنوان واحداً: الفوضى.. هي تسمية تختصر واقع الحال واللعبة على الساحة اللبنانية.


كتب نيكولا صبيح لـ“This Is Beirut”:

الفوضى اصطلاحاً تُعرَّف بشكل دقيق كـ “حالة من الارتباك العام والانعدام الخطير في النظام، وانقلاب الأمور رأسًا على عقب”.
تعمّ الفوضى جميع المجالات. وإذا ما تمحصنا في المنظور الاقتصادي، سنجد أن العلامات واضحة بالفعل وسرعان ما سندرك أن الظاهرة تتفاقم يومًا بعد يوم. والمجالات التي تطالها الفوضى لا تعد ولا تحصى: الإدارة والضرائب والكهرباء والمكبات والقضايا المصرفية والمياه والإنترنت والتضخم والدولرة ومالية الدولة وتنفيذ القوانين والتعليم العام والضمان الاجتماعي … وغيرها من الحقول التي لا توفر طبقنا اليومي الفاسد.
كما يزيد عزم الوزراء على إضافة طبقة جديدة للفوضى الشاملة الطين بلة.. يبدو أن المسؤولين يسعون لإرساء حالة من الفوضى الشاملة بينما يبذل المانحون الدوليون ما في وسعهم لإنقاذ بعض الرفات، مع قدر كبير من الإحباط.

وبغض النظر عن انتشار الفوضى أم لا، فعجلة الاقتصاد تستمر في دورانها.. هي لا تتوقف طالما أن هناك أشخاصًا يستهلكون و / أو ينتجون. ويقودنا ذلك إلى موضوعنا الرئيسي المذكور في العنوان: اقتصاد الفوضى. وهذا ليس بالإكتشاف الجديد، فمفهوم الفوضى موجود في الحقيقة وعكف كثير من المفكرين العظماء على دراسته ومناقشته في العديد من المجالات، وضمناً الاقتصاد.
وتماماً كما يفترض المفكرون، تسود الفوضى عمومًا عندما تحدث تقلبات عشوائية وغير دورية وغير متوقعة، وبغياب الانتظام في معلمات الأسعار وعدم القدرة على رصد أو حتى توقع التقلبات المقبلة. من أبسط المقارنات الممكنة، استخدام توقعات الطقس كمعيار. فحتى أجهزة الكمبيوتر الأكثر تقدمًا يمكنها فقط التنبؤ بحالة الطقس للأسبوع القادم، ولا يخلو ذلك من التناقضات الكبيرة، حيث تبقى عناصر عديدة خارج السيطرة بكل بساطة.
هذا يعني أن الفوضى تصعب من إمكانية التنبؤ بالمستقبل بشكل كبير، في الوقت الذي يطرح فيه كل فرد في البلد السؤال نفسه: ماذا الذي سيحدث لسعر الدولار الأميركي والليرة اللبنانية؟ وماذا سيحلّ بالبلد؟ … المستقبل هو الهم الأكبر وهنا يكمن التحدي الأكبر بالتحديد.
وتناول عدد من المنظرين ظاهرتين رئيسيتين بشكل مفصل، تزيدان من صعوبة التنبؤ بالآتي أكثر من أي وقت مضى. الأولى، عدم الوضوح في البيانات الأولية: لا يوجد تعداد سكاني مناسب ولا معلومات عن الأشخاص الذين غادروا البلاد أو الأشخاص الراغبين بالمغادرة أو أولئك الذين سيعودون في النهاية كما لا توجد بيانات حول متوسط الدخل (بالدولار الأميركي والليرة اللبنانية)، ولا معلومات عن مبالغ الأموال المحفوظة في المنزل محليًا أو في الخارج، ولا أرقام واضحة للإيرادات الناتجة عن الأعمال التجارية القانونية وغير القانونية … ليس لدينا حتى المعلومات الكافية لتخيل سيناريو او اثنين.
حتى المنظمات الدولية في حيرة من أمرها، والتقارير الأخيرة دليل آخر على ذلك. فبعد استشعار الحاجة الملحة للتنبؤ بالمستقبل، غالبًا ما تقترح هذه المنظمات سيناريوهين أو ثلاثة سيناريوهات، اعتمادًا على احتمالات ثلاث، فإما أن تتم الإصلاحات كليًا أو جزئيًا أو لا تتم على الإطلاق.
إذا توجب تصديق هذه التوقعات، فهذا يعني أن قيمة الدولار في العام 2026 ستتأرجح ما بين 50000 ليرة لبنانية و 1500000 ليرة لبنانية! أما بالنسبة للمدة اللازمة للعودة إلى أيام ما قبل 2019 – اعتمادًا أيضًا على هذا السيناريو – سيتعين الانتظار من 5 إلى 19 عامًا! ما الذي يبرر غياب الدقة لهذه الدرجة؟ لأننا في هذا الموقف الفوضوي – حيث التقلبات المستقبلية عشوائية بحد ذاتها – وحيث تبقى نقطة البداية التي يمكن اعتبارها أساساً يبنى عليه للتنبؤ، هي نفسها غير معروفة.
أما ما يبرر غياب الوضوح فهو عدم اتباع خارطة طريق وعدم تحديث الإحصاءات أو اتخاذ أي مبادرات أو التفكير فيها حتى. باختصار، البلاد تفتقر للحكم الرشيد.

الظاهرة الثانية التي تناولها المنظرون تعرف باسم “تأثير الفراشة”، حيث من المحتمل، كما يُفهم عادةً، أن يحرك خفقان أجنحة فراشة ما في البرازيل – تدريجياً – إعصاراً كاملاً في الولايات المتحدة. “هذا هراء”، وفقًا لعالم الرياضيات ومنظر الفوضى، إدوارد نورتون لورينز. لأنه، يتوجب في هذه الحالة دراسة تحركات كل فراشة على هذا الكوكب وتناول تأثير البشر والحيوانات الأخرى أيضاً.
ومن منظور لورنز، تهدف استعارة الفراشة لتبيان دور فعل بسيط في توليد ظاهرة هائلة.. تقريباً كالقشة التي تقصم ظهر البعير..
وبالعودة إلى الفكرة الأولية وكيفية التنبؤ بالمستقبل، نحن لا نعاني فقط من نقص في البيانات الأساسية، بل لا نعرف في الأصل متى قد يولد “خفقان أجنحة” بعض الظواهر – غير المعروفة، نوعاً من “الظاهرة الكبيرة”. بعبارات أخرى، تبقى تنبؤات أولئك الذين يحاولون تخمين أو توقع أجزاء من المستقبل – وهذا يعني عملياً كل شخص في هذا البلد المنكوب – بدقة توقعات الطقس.
ومع ذلك، هذا لا يعني أن الحتمية هي السبيل الأوحد، كما لا يعني الوقوف مكتوفي الأيدي بانتظار حدوث الكارثة. لا بد وأن تستمر الأجنحة بالرفرفة.. وهكذا يمكن للأفعال الفردية والجماعية أن تحدث فرقًا، إلى حين وصول الفراشة الأخيرة التي قد تدلنا أجنحتها على مخرج.
وبالنظر إلى كل حالة عدم يقين، إما يسود تفاؤل بدرجة حمقاء وإما تشاؤم بالدرجة نفسها..في كل الأحوال ومع أخذ كل العوامل بعين الإعتبار، ربما من الأفضل الحفاظ على التفاؤل ولو أخطأنا، على البقاء متشائمين ولو صدقنا!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us