الحصانة السيبرانية: التدابير الأساسية للأفراد والشركات

ترجمة “هنا لبنان”

كتب خليل صحناوي لـ”This is beirut“:

باتت عبارة “ليتني قمت بهذا أو ذاك” تلازم كلّ من يروون تفاصيل وقوعهم ضحية الجرائم السيبرانية حول العالم. وتؤكد رواياتهم الخطيرة سواء عن اختراق حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وصولاً للكوابيس المروعة للأموال المسروقة على حقيقة مثيرة للقلق: الاستهانة بشكل خطير بضرروة تنفيذ الحد الأدنى من تدابير الأمن السيبراني.

ومع إصرار المجتمع على الانخراط داخل المصفوفة الرقمية، اكتسب الأمن الرقمي أهمية أكثر من أي وقت مضى. وعلى الرغم من كل التعقيدات، يمكن استخلاص جوهر الأمن بتشبيه بسيط: الأمن السيبراني بالنسبة لحياتنا على الإنترنت أشبه بالمظلة بالنسبة لمن يمارسون القفز بالمظلة في العالم الواقعي. بالتالي، لا يمكن إغفال تبعات إهماله. وفي كل الأحوال، إذا فشلت بالعمل عند الهبوط الأول، فإن احتمالات الحاجة إليه مجدداً ستكون ضئيلة.

في عالم تصبح فيه كل نقرة أشبه بنافذة محتملة للخطر، تقع أهمية دمج تدابير الأمن الرقمي بشكل متين على عاتق كل فرد أو مؤسسة. ويوضح الاستثمار المفيد في هذه المظلات الرقمية الفرق بين الهبوط السلس والسقوط الكارثي. لذلك، عزيزي القارئ، إذا قررت التفكير بأمانك الرقمي بشكل جدي، يمكنك اعتبار هذا المقال بمثابة خريطة طريق تضمن لك الحد الأدنى من الاحتياطات الأساسية التي تجعلك أكثر أمانًا من المستخدم العادي. كما لا يمكننا نسيان الشركات التي ستجد في المقال قسمًا يسلط الضوء على الاستراتيجيات والأدوات اللازمة لتجاوز الخسائر اليومية الناجمة عن الهجمات السيبرانية.

وعلى الرغم من أن أي بحث على محرك “غوغل” حول إجراءات الأمان الرقمي كفيل بتوفير معلومات كافية لتحصين حساباتك على الإنترنت وأجهزة إنترنت الأشياء وأجهزة الكمبيوتر والشبكات، يوضح الكم الهائل من الهجمات السيبرانية الناجحة في جميع أنحاء العالم على أساس سنوي، أن الكثيرين ربما لم يتبعوا هذه الخطوات. وسنحاول في المقال تسليط الضوء على الأهمية الحيوية لتدابير الحماية وشرح كيفية استغلال مجرمي الإنترنت لغيابها لارتكاب جرائمهم، على أمل أن يأتي القراء عند الإنتهاء من المقال، الإلهام لإعادة ضبط أجهزتهم، ودمج بعض الأفكار والتوصيات المذكورة في حياتهم الرقمية.

الأساسيات وأهمية الوعي السيبراني

فلنبدأ قبل كل شيء بالوقائع: نادراً ما ترادف الهجمات السيبرانية، سواء استهدفت أفراداً أو شركات، الثأر الشخصي. وفي الكثير من الأحيان، يلقي مجرمو الإنترنت شبكة واسعة وعشوائية، فيقع في شركها الأشخاص الذين قد يرتكبون مجرد أخطاء بسيطة على مستوى التدابير الأمنية الأساسية. ويسمح وضع الحد الأدنى من الدفاعات الأساسية بالوقوف في المقدمة وبالحماية من الوقوع في هذه الشباك المنتشرة على نطاق واسع. بالنسبة للشركات، يزداد التحدي حدة، حيث أن تعزيز ثقافة الوعي السيبراني، إلى جانب الضمانات الأساسية، أمر بالغ الأهمية لأن الخطأ البشري يبقى نقطة الضعف. ومع ذلك، حتى في هذا المشهد المعقد، لا تزال هناك خطوات تحويلية مباشرة تسمح بتحصين القلعة الرقمية للمؤسسة أكثر وأكثر.

الحقيقة المرة هي أنه بمجرد أن يضع مجرمو الإنترنت نصب أعينهم فرداً أو شركة، تميل كفة الميزان لصالحهم خصوصاً إذا امتلكوا الخبرة المطلوبة. وغالبًا ما تمثل الشركات، نظرًا لآثارها الرقمية الواسعة (تعدد الشبكات والأجهزة والعدد الكبير من الموظفين) ساحة هجوم أكبر وأكثر إغراءً. وفي حين أنّ المهاجمين الذين يلقون شباكهم يعتمدون نهجًا عامًا، ينشر أصحاب التركيز الفردي استراتيجيات مصممة بدقة، ولا يتوقفون عن الهجوم حتى العثور على ثغرة في الدروع. وعادة ما ينتهون بفعل ذلك.

في تلك الرقصة الرقمية المستمرة بين دفاع واختراق، من المهم أن نلاحظ أن المهاجمين السيبرانيين هم الذين يقودون الحركات في الغالب. الأمر الذي يبعث على طرح السؤال: لماذا؟ ببساطة، لأنه لا يمكن للمدافعين سوى البحث عن الحماية من التهديدات المعروفة، بينما لا تكلّ الجهات الخبيثة من نبش نقاط الضعف الجديدة في كل البرامج والأجهزة. حتى أن هناك أيضًا سوق لثغرات يوم الصفر أو Zero-Day- وهي كناية عن سوق سوداء مربحة تبيع نقاط ضعف غير معروفة حتى لعمالقة التكنولوجيا وخبراء مكافحة الفيروسات. وفي المقابل، شهدنا ظهور الأسواق البيضاء، حيث تكافئ شركات التكنولوجيا الباحثين الأمنيين المتفانين عند اكتشافهم نقاط الضعف المحتملة في منتجاتها وقيامهم بالإبلاغ عنها.

ولنعد الآن إلى الموضوع الأساسي اليوم: الحد الأدنى من الضمانات الرقمية الضرورية لتحصين عمليات الأفراد عبر الإنترنت ضد الهجمات السيبرانية المتكررة يومياً، والتدابير الوقائية التي يتعين على الشركات تنفيذها في السياق عينه.

حراسة البوابة الرقمية: الخطوات الأمنية الأساسية التي لا يجب إغفالها

قد يتراجع الأمن الرقمي غالباً نظراً لأن الكثير من المستخدمين ممن يجدون فيه مهمة شاقة، ينجذبون نحو خيارات أبسط وأسرع. ويعد الإحباط الذي قد يسببه طلب العديد من كلمات المرور المعقدة والمصادقة المتعددة العوامل لكل تسجيل دخول لجهاز جديد، بمثابة رادع لمعظم الناس.

أضف إلى ذلك أنه في العصر الرقمي اليوم، تضاءلت الحاجة لحفظ أرقام هواتف أقرب أصدقائنا، مما يثير تساؤلات حول تأثير التكنولوجيا على مهارات الذاكرة لدينا وهو موضوع يستحق التوقف عنده لاحقاً. وفي الوقت نفسه، يوضح عدد الحسابات المتزايد باستمرار عبر الإنترنت والتي تتطلب بيانات اعتماد فريدة، الطلب الهائل على بيانات المستخدم، التي تمثل شريان الحياة لمعظم المؤسسات الرقمية.

في مقال سابق، سلطت الضوء على نجاح مجرمي الإنترنت غالبًا بسبب هفواتنا الأمنية. ومن خلال الالتزام ببساطة بالتدابير الأمنية الأساسية، يمكن للمرء تحقيق مستوى أعلى من الأمان عبر الإنترنت. بالتالي، ما هي الخطوة اللاحقة؟

باعتباري خبيرًا أمنيًا، تتمحور نصيحتي الأساسية عادةً حول الحفاظ على شعور عالٍ باليقظة عبر جميع المنصات الرقمية. ومع ذلك، من أجل التطبيق العملي، سأحدد الإجراءات الأساسية التي يجب على المرء اتخاذها لضمان تجربة أكثر أمانًا عبر الإنترنت.

الجدير بالذكر أن كل الحسابات عبر الإنترنت لا تتطلب كلها مستوى الأمان نفسه. في حين تختلف الأهمية، مثل إعطاء المؤثرين الأولوية لأمن حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب قاعدة المتابعين الواسعة والإيرادات التي يحققونها، هناك حسابات عالمية ذات أولوية عالية مثل الخدمات المصرفية عبر الإنترنت ورسائل البريد الإلكتروني الأساسية. لذلك، يتوجب على المستخدمين تحديد أصولهم الأكثر أهمية، والتي يشار إليها غالبًا باسم “جواهر التاج”، وإعطاء الأولوية لحمايتها. ولمزيد من الوضوح، فكر بتقسيم تواجدك عبر الإنترنت إلى فئتين: الحسابات الحيوية وكل الأشياء الأخرى.

تسمح إستراتيجية البريد الإلكتروني المزدوج بحماية الحسابات الهامة بشكل كبير. يوصي الخبراء بوجود بريد إلكتروني أساسي مخصص فقط للحسابات المحورية، وبالمقابل يخصص البريد الإلكتروني الثانوي لجميع المهام الأخرى، بما في ذلك التواصل غير الرسمي والتسجيل لمنصات أقل حيوية. لا يتيح هذا النهج تعزيز الأمان من خلال الحد من كشف الحساب الرئيسي فحسب، بل يحد أيضًا من رسائل البريد الإلكتروني غير المرغوب بها مثل البريد العشوائي أو الهجمات الإلكترونية واسعة النطاق.

أصبح التوزيع الواسع النطاق لعناوين البريد الإلكتروني في مجال الأمن الرقمي، بمثابة نعمة للمقرصنين على الإنترنت. فمن خلال جمع الملايين من عناوين البريد الإلكتروني، يلقى هؤلاء الجناة شبكات واسعة من المخططات غير المشروعة، والأمر لا يتطلب سوى نسبة ضئيلة من الضحايا المطمئنين لابتلاع الطعم. ولهذا السبب نؤكد على أهمية عزل الحسابات ذات القيمة العالية، وربطها بعنوان بريد إلكتروني خاص أقل شهرة للتخفيف من مخاطر مثل الهجمات الإلكترونية المستهدفة.

ومن أجل تعزيز الأمن الرقمي، نحثّ على استخدام كلمات مرور معقدة ومتميزة، خصوصاً للحسابات الأساسية. وبالنظر للتحدي الذي يمثله طلب العديد من كلمات المرور، يمكن للمرء أن يلجأ للتطبيقات المتخصصة للإدارة. ومع ذلك، يُنصح بتوخي الحذر: من الضروري اختيار التطبيقات التي تخزن كلمات المرور المشفرة على الأجهزة الشخصية، بدلاً من التخزين السحابي. أما بالنسبة للحسابات الأقل أهمية، يمكن استخدام كلمة مرور مشتركة ومتكررة، على الرغم من أن التركيز يتمحور حول حماية الحسابات الأساسية.

ويصر خبراء الأمن السيبراني على التحذير من نقاط الضعف الناجمة عن كلمات المرور التي يمكن التنبؤ بها بسهولة، والتي غالبًا ما تستلهم من تفاصيل شخصية مثل أسماء الحيوانات الأليفة أو تواريخ أعياد الميلاد. وتوفر مثل هذه البيانات الشخصية، المتوفرة عبر الإنترنت من خلال بحث استخباراتي بسيط مفتوح المصدر، لمجرمي الإنترنت منصة انطلاق لشن هجمات مخصصة. ومن الطرق المستخدمة، تعد البرامج التي من شأنها ابتكار تنبؤات بكلمات المرور بناءً على المعلومات الشخصية، فضلاً عن استغلال التوجه البشري الشائع المتمثل بإعادة استخدام كلمات المرور نفسها في أكثر من موضع. فكر في سيناريو يقوم فيه أحدهم بإعداد حساب على موقع إلكتروني أقل أمانًا باستخدام بريده الإلكتروني الأساسي (أو الوحيد) وكلمة مرور مألوفة. بمجرد تعرض هذا الموقع للاختراق (وهذا ما سيحدث بالتأكيد)، لا تتمكن الجهات الفاعلة الخبيثة من الوصول إلى هذا الحساب المحدد فحسب، بل من المحتمل أن تصل إلى أي حساب مرتبط بالبريد الإلكتروني الأساسي.

لذلك، من المهم اعتماد المصادقة الثنائية لحساباتك الرقمية المهمة. وهذا ما كاد الخبراء أن يتوسلوا عمليًا المستخدمين لتبنيه لفترة من الوقت. وباتت تقنية المصادقة الثنائية متاحة على نطاق واسع عبر الأنظمة الأساسية، وهي تضمن أن كلمة المرور لا تكفي وحدها لتمكين المتسللين من الوصول إليها. تتطلب هذه الطبقة الإضافية من الأمان رمزًا مميزًا للتحقق، يتم إرساله عادةً عبر رسالة نصية أو عبر البريد الإلكتروني، للتأكد من الهوية. فكر في المصادقة الثنائية كحارس إضافي، أو تماماً كحارس رقمي يسأل: “هل أنت حقًا مالك هذا الحساب، أم تحاول الإستيلاء عليه؟” على الرغم من التوصية بتطبيق المصادقة الثنائية في جميع المجالات، يبرز استخدامها كأمر حيوي بالغ الأهمية للحسابات المهمة

مع تطور تكتيكات الجرائم السيبرانية، من الحتمي التيقظ في التعامل مع رسائل البريد الإلكتروني والرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويحذر الخبراء المستخدمين من الطلبات أو الرسائل غير المرغوب بها، أو النقر على الروابط أو الكشف عن المعلومات الشخصية. ورغم أن مثل هذه التكتيكات تبدو حقيقية وتتسبب في كثير من الأحيان بحال من الذعر، تظل سببًا رئيسيًا للانتهاكات الأمنية. ويتزايد تعقيد هذه الحملات الاحتيالية يومياً لذلك من المهم أن يفهم المستخدمون أن الكيانات ذات السمعة الطيبة، سواء أكانت منصات التواصل الاجتماعي أو المصارف، لن تطلب أبدًا تفاصيل خاصة عبر الرسائل أو البريد الإلكتروني. وفي حالة مواجهة أحد الروابط المشبوهة، يوصى بكتابة عنوان موقع الويب يدويًا في المتصفح بدلاً من النقر عليه. باختصار، إذا أثارت الرسالة دهشتك، من المحتمل أنها تخفي شيئاً مريباً.

ولا داعي للتذكير بالأهمية الحاسمة لتحديث أجهزتك وتطبيقاتك. على الرغم من أن عمليات التحقق اليومية قد تبدو مفرطة، إلا أنها تخدم غرضًا حيويًا: فالعديد من التحديثات، التي تسوّق فعلياً على أنها مجرد “تحسينات”، غالبًا ما تعمل على إصلاح نقاط الضعف الأمنية الأساسية. ويسمح البقاء في الطليعة من خلال التحديثات المنتظمة بالإحباط الاستباقي لمجرمي الإنترنت الذين يستغلون الثغرات المعروفة، وهذا يقلل بشكل كبير من خطر الاستهداف. باختصار، لا تتعلق هذه التحديثات “الاختيارية” بالاختيارية حقيقة بقدر ما تتعلق بضرورة في سياق الأمن السيبراني.

النسخ الاحتياطية المنتظمة والمتسقة لجميع أجهزتك أمر أساسي. نوصي بتكريس نسخة احتياطية من الأجهزة المحمولة على أجهزة الكمبيوتر، بدلاً من الاعتماد فقط على السحابة، لإنشاء نسخة طبق الأصل من محتويات الجهاز. بالإضافة إلى ذلك، توفر النسخ الاحتياطية الأسبوعية للكمبيوتر على محركات الأقراص الخارجية، المخزنة بشكل آمن، طبقة إضافية من الأمان.

في حين أن السرقة غالبًا ما تستهدف الأجهزة عوضاً من البيانات، تعيق الحماية القوية لكلمة المرور والبيانات البيومترية الفريدة من نوعها الوصول غير المصرح به. وتوفر القدرة على مسح الأجهزة عن بعد مزيدًا من الدفاع ضد انتهاكات الخصوصية. وبفضل إجراءات النسخ الاحتياطي الصارمة، يصبح التعافي من الخسائر أسهل. هكذا، في حالة وقوع حادث مؤسف، لن تخسر أكثر من مجرد حفنة من البيانات الحديثة.

من خلال تطبيق تدابير السلامة هذه بجدية على حساباتك المهمة، ستضمن تمكين حصنك الرقمي بشكل فعال ضد الهجمات الإلكترونية اليومية والمتواصلة. وتذكر أن المقرصنين على الإنترنت أشبه بالصيادين مع شباك كبيرة: يراهنون علينا لارتكاب الخطأ الذي سيضمن الصيد الرابح، فلا تكن لهم الطعم!

الآن وقد غطينا أهم أساسيات الأمن الفردي، آن الأوان للتركيز على عالم الشركات.

للشركات: تدابير الأمن السيبراني الأساسية

فلنركز الآن ولو بشكل مقتضب على مجال الشركات ونؤكد على تدابير الأمن السيبراني غير القابلة للتفاوض والتي يجب أن تدرج في القائمة المرجعية لكل شركة. هذه البروتوكولات الأساسية قابلة للتطبيق عالميًا، وتتجاوز حجم الشركة وقيود الميزانية. لماذا؟ لأننا نتحدث عن “النظافة” الرقمية الأساسية، لا عن التحديثات الفاخرة.

وأقصد بعبارة “بشكل مقتضب” أن عمق المساعي الأمنية للشركة بطبيعة الحال يعتمد على حجم ونطاق أعمالها. وهناك، بالطبع إجراءات أكثر تخصصًا، غالبًا ما تتطلب خبرة مستشارين متمرسين في مجال أمن المعلومات. ولكن دعونا نترك هذه التفاصيل المعقدة للخبراء، ففي نهاية المطاف، لا نريد إفشاء جميع أسرارهم وتهديد أمنهم الوظيفي.

يجب على كل كيان، بدءًا من الشركات الناشئة ووصولاً إلى المجموعات العالمية، إطلاق استراتيجية الأمن السيبراني الخاصة به من خلال إجراء تدقيق استبطاني للإجابة عن الأسئلة التالية: ما الذي يقع في قلب عملياته؟ ما الذي لا غنى عنه لبقائه وازدهاره؟ ما هي “جواهر التاج” الخاصة به؟ بالنسبة للشركات العملاقة مثل أمازون، لا يقتصر الأمر على حماية مجموعات كبيرة من البيانات المالية للمستخدمين فحسب، بل بضمان التواجد المستمر عبر الإنترنت. لوضع الأمر في نصابه الصحيح، تخيلوا أنه مع تجاوز المبيعات اليومية مليار دولار، قد يتسبب حتى انقطاع الخدمة المؤقت بسبب الهجمات الموزعة لحجب الخدمة (DDoS) بخسائر هائلة. لذا، دعونا نتعمق بإجراءات الدفاع الرقمي الأساسية التي يجب على كل شركة تضمينها في حصنها المنيع.

وضع تحديثات البرامج المنتظمة في قائمة الأولويات: يجب أن تخضع جميع الأنظمة والتطبيقات والبرامج لتحديثات متكررة، مع الاهتمام الشديد بتصحيح نقاط الضعف المكتشفة بشكل روتيني.

النسخ الاحتياطي لبيانات الشركة بشكل متكرر، وتنويع مواقع التخزين باستخدام نسخ احتياطية خارج الموقع. وهذا ما يعد بمثابة خط الدفاع الأمامي في عصر أصبحت فيه هجمات برامج الفدية هي القاعدة الجديدة. لماذا؟ لأنه عندما يحتجز المحتالون الإلكترونيون بياناتك كرهينة للحصول على فدية الملك، لن تعني استراتيجية النسخ الاحتياطي القوية إلا خسارة بضعة أيام فقط من البيانات، بدلاً من أن تضطر للخضوع لمطالبهم. ومن خلال النسخ الاحتياطية المناسبة، يمكن للشركات العودة ومواصلة العمل كالمعتاد، مما يفقد هذه المخططات غايتها.

إن تشفير البيانات الحساسة أكثر من مجرد توصية، بل هو ضرورة حتمية. يجب على الشركات استخدام أدوات التشفير، بشكل يضمن الحماية ليس فقط أثناء عمليات نقل البيانات ولكن أيضًا عند وجود البيانات في النسخ الاحتياطية. لأنه في عالم البيانات، الوقاية خير من العلاج بألف مرة.

تأكد من تقسيم شبكات شركتك إلى قطاعات متميزة، وبالتالي ضمان إبعاد بياناتك وخدماتك المهمة عن أعين المستخدمين العاديين المتطفلة. على سبيل المكافأة، سيبطئ هذا النهج الطبقي أي غزوات فيروسية داخل الشبكة. ودعونا لا ننسى الحراس الرقميين: برامج مكافحة الفيروسات والبرامج الضارة. يجب تثبيتها على جميع الأجهزة وتحديثها بعناية. قد لا تكون هذه الأدوات مثالية ضد مجرمي الإنترنت المتمرسين، لكنها بالتأكيد تصد الأشرار بشكل فعال.

قم بتنشيط جدار الحماية، سواء في الأجهزة أو البرامج، لحماية شبكات الشركة من التدخلات غير المرغوب فيها. واستخدم أيضًا المصادقة المتعددة العوامل، المرادف المؤسسي للمصادقة الثنائية الشخصية، للوصول إلى الأنظمة الداخلية والبيانات الحساسة لأن الحقيقة أن كلمة المرور وحدها في المشهد السيبراني المحفوف بالمخاطر أشبه بقفل ورقي على صندوق الكنز.

استمر بمراقبة شبكاتك، والبحث عن الحالات الغريبة والأنشطة غير المعتادة (زيادة ملحوظة في التنزيلات أو وابلًا من حركة المرور الخارجية). تطلق مثل هذه المخالفات ناقوس الخطر وتستدعي التفتيش الفوري. ويمكن إجراء مثل هذه المراقبة داخليًا باستخدام البرامج والإعدادات المناسبة، أو يمكن تنفيذها خارجيًا. قد تأتي التهديدات أيضًا من الداخل: تخيل موظفًا على وشك الانضمام إلى شركة منافسة يقرر تنزيل مجموعة كبيرة من بيانات الشركة الداخلية السرية ليأخذها معه، مما يؤدي إلى زيادة غير عادية في البيانات المنسوخة على الشبكة. هكذا يتم إحباطها بواسطة العيون الساهرة. ولا تنس وضع إجراء واضح للاستجابة للحوادث الأمنية. ويجب أن يتضمن ذلك خطوات الاحتواء والقضاء على الفيروسات والتعافي بالإضافة إلى بروتوكولات الاتصال.

ومن الضروري تدريب فرقك بشكل منتظم، وخصوصاً أولئك الذين يمتلكون إمكانية الوصول إلى الأجزاء الأكثر أهمية في الشبكة. ويجب أن تكون هذه الفرق قادرة على التعرف على محاولات التصيد الاحتيالي، وفهم قوة كلمة المرور المعقدة وإتقان فن التصفح الآمن للويب. كما يجب الانتباه إلى أنه في كثير من الأحيان لا تكون الشبكة هي الحلقة الأضعف في درعك الرقمي وإنما العنصر البشري. وعلى الرغم من أن الشركات قد تستثمر الملايين في البنى التحتية الأمنية رفيعة المستوى، جلّ ما يتطلبه الأمر هو خطأ بشري واحد للسماح لمجرمي الإنترنت بالاختراق مباشرة.

ومن ثم، في ما يتعلق بموضوع مستخدمي الشبكة، يجب تتقييد الوصول من خلال تطبيق مبدأ الأقل امتيازًا (POLP) من خلال ضمان وصول الموظفين فقط إلى أجزاء الشبكة المرتبطة بأدوارهم، وبهذا تحدّ المؤسسات بشكل فعال من التدفق غير المقصود. وهذا لا يؤدي إلى تشديد شبكة الأمان فحسب، بل يعزز أيضًا التقسيم الفعال. في حالة ظهور حالات شاذة، يعمل نهج الوصول المخصص هذا على تبسيط عملية التحقيق، مما يسهل تحديد المشكلات وحلها.

ومن الضروري جدولة تقييمات أمنية منتظمة واختبارات الاختراق بما يتلاءم مع حجم الشركة وصناعتها، نظراً لأن عمق وتواتر هذه التقييمات يختلف من شركة لأخرى. ومع ذلك، وبغض النظر عن هذه العوامل، يجب أن يمتد نطاق هذه الاختبارات لتقييم الوعي الأمني الرقمي لجميع الموظفين. وقد سبق أن تطرأت في مقال آخر عن دور المتخصصين الخارجيين في مجال أمن المعلومات، مع أهمية التأكيد على موضوعيتهم ولا غنى عن فرق تكنولوجيا المعلومات، حيث تضمن أمان العمليات اليومية السلسة لعدد لا يحصى من المؤسسات، ويقوم الأخصائيون بلا شك بعمل رائع بشكل عام في هذا السياق. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالاختبارات الأمنية الصارمة، لا بد من الاستعانة بالمتخصصين المكرسين بشكل فردي لتحديد نقاط الضعف الرقمية واستبعاد أي احتمال للتحيز من خلال عدم الاعتماد على الفريق الذي صمم النظام الأمني، في اختباره.

أخيراً، تكتسب حماية البنية التحتية المادية (الخوادم ومراكز البيانات وغيرها من المعدات المحورية) أهمية قصوى. فقد ينبع الضرر المحتمل من مفتاح USB واحد تسلل دون أن يلاحظه أحد إلى أحد حواسيب الشركة. وذلك ليس مستبعداً أبداً خصوصاً وأن المجرمين يجدون في إجراء مماثل الوصول المادي الذي سيوفر لهم الكثير من الوقت ويمنحهم السيطرة الكاملة على أي شركة. في جوهر الأمر، القلعة الرقمية ليست منيعة إلا بالقدر الذي تكونه فيها بواباتها حرفياً.

وفي ختام استكشافنا للضمانات الرقمية، أرجو أن تزود هذه النظرة العامة، التي لا تعد شاملة في كل الأحوال، الأفراد والشركات بتدابير أساسية تضمن الأمان والسلامة في عصرنا الرقمي. وعلى الرغم من عدم وجود استراتيجية مضمونة، يكفي الالتزام بهذه الإرشادات لردع معظم التهديدات السيبرانية العامة. أما في حال حدث خرق ما، فتمهد هذه التدابير على الأقل الطريق لتعاف سريع وفعال.

في عصرنا الرقمي، تبقى الشخصيات البارزة والشركات الضخمة عرضة للاستهداف السيبراني المباشر، سواء بسبب مكانتها أو المنافسة الصناعية أو التجسس المحتمل. لذلك نعود ونكرر ما أكدنا عليه سابقاً، حول أهمية الدفاع المتخصص والمكثف، الذي يختلف عن الحماية ضد التهديدات السيبرانية العامة.

في كل الأحوال، معالجة الدفاعات السيبرانية المخصصة لأهداف محددة ليست محور هذه المقالة التي توخيتها لمشاركة الاحتياطات الأساسية التي تساعد الأفراد أو الشركات. كان من الممكن للغوص بشكل أعمق أن يقودنا لمقال تقني بشكل مفرط بالإضافة للمس دون قصد بزملائي المتخصصين في مجال الأمن السيبراني. بالنسبة لأولئك الذين يشعرون أنهم في مرمى التهديدات السيبرانية المباشرة، أوصي بإشراك خبير متمرس في أمن المعلومات للحصول على حلول أمنية مخصصة.

في هذا العصر الرقمي المتطور بشكل مستمر ومتسارع، دعونا لا ننسى أن الأولوية ليست للسلامة الرقمية فحسب، بل للتعاضد والتعاون يداً بيد. تمنياتي لكم جميعًا بتصفح آمن في عالم الإنترنت!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar