سيادة اليونيفيل وهيمنة الحزب

ترجمة هنا لبنان 9 أيلول, 2023

ترجمة “هنا لبنان”

كتب يوسف معوض لـ “Ici Beyrouth“:

ما كان لأحد من الطبقة السياسية اللبنانية أن يعترض ما عدا حزب الله، على تجديد مهمة اليونيفيل، التي تعدّت في بعض جوانبها، على المقوّمات السيادية للدولة اللبنانية. ولكن هل يعني ذلك أنّ الحزب نصّب نفسه ضامناً لسيادتنا الوطنية؟
في تعريفٍ مبسّط، تختصر السيادة الوطنية في الاتّحاد الأوروبي، بسلطة كلّ دولة عضو وقدرتها على اتخاذ قراراتها الخاصة بمواجهة القرارات المشتركة التي تتخذ في بروكسل أو ستراسبورغ، لدرجة أنّ بعض أتباع اليمين المتطرف الإيطالي أو المجري أعلنوا أنّ سيادة دولهم قد تتعرض للتهديد بفعل سيادة القانون الأوروبي. ولذلك كلّما اندلع جدال عام، تتكرّر على مسامعنا الدعوات للتحرّر “جزئياً أو كلياً أو بشكل نهائي، من القواعد الأوروبية من أجل حماية السيادة الوطنية”.
ويشهد لبنان وضعاً مماثلاً، نظراً للنمو غير المتكافئ لحزب الله الذي يقدّم نفسه حاليًّا كبديل لنظامنا الشرعي، نظراً لما يتمتّع به من فائض قوّة. ويقودنا المنطق السليم لملاحظة هذه الظاهرة وهذا الوجود الذي حجز لنفسه بحكم الظروف، مجالًا موازيًا لنطاق الدولة. ولذلك، يشقى بعض المستسلمين لتبرير هذا الوضع خصوصاً وأنّ أمثالهم لطالما سعوا لإسقاط رداء الشرعية الرسمية عليه لتبرير افتقارهم للاستقامة والشجاعة لتحدّيه.
ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نستوحي من منطق التكامل الأوروبي الذي يجمع بين حصرية السيادة الوطنية وأولوية القانون الأوروبي، دون الوصول إلى حالة من الانصهار التام، ما يفضي في المحصلة لعملية صنع القرار المشتركة. وبالتالي في لبنان، سيضع ذلك سياستنا الخارجية وقواتنا الأمنية تحت السلطة الحصرية للحزب، بينما تتولى الإدارة العامة بجميع طرقها الروتينية إدارة قطاعات النشاط الأخرى.
ومع ذلك، إذا كانت الدول الأعضاء قد اختارت بكامل حريتها في رحلة بنائها أوروبا، التخلي عن جزء من سيادتها، فذلك لأنها تتشارك نظام القيم نفسه واختارت سيادة القانون. أما نحن اللبنانيون، فلم نمنح، بكامل حريتنا، أيّ سلطة لأتباع إيران، وهذا النظام الذي تدعو إليه الأخيرة والذي يرأس بنيته المؤسسية مرشد أعلى لا يتوافق حتّى مع أعرافنا السياسية، بغضّ النظر عمّا قد تبدو عليه من ضلال.

شوفينية حزب الله
ولا يخفى على أحد أنّه لا يمكن للثنائي الشيعي، الذي تتحكّم به طهران عن بعد، أن يزدهر إلّا في ظلّ انتهاك سيادتنا ودستورنا. ومع ذلك، نراه في طليعة المندّدين بأيّ هجوم ضدّ استقلالنا المقدّس. وفي الآونة الأخيرة، منحته مناسبة التجديد لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان الفرصة للتأكيد على أنّ السيادة انتُقصت بموجب المادة 16 من قرار مجلس الأمن رقم 2650 والتي تنصّ على إمكانية قيام اليونيفيل بمهامها في جنوب لبنان دون تصريح مسبق وبشكل مستقلّ عن الدوريات اللبنانية التي تتولى حفظ النظام هناك. فهل من شيء يمسّ بوطنيتنا أكثر! لولا الثنائي لما اعترض أحد من الطبقة السياسية على تجديد مثل هذه المهمة التي تتجاوز الامتيازات السيادية للدولة اللبنانية. ولا تتناسوا أن الولايات المتحدة لم تتزحزح البتة وتمسكت بالحفاظ على هذا “الشرط الشرير” الذي يمنح قوات حفظ السلام حرية الوصول إلى الممتلكات الخاصة دون تنسيق مسبق مع جيشنا الوطني!
وكان المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان قد ندّد بصوت عالٍ أن لا مكان لقوات اليونيفيل على حساب السيادة اللبنانية، رافضاً تحويل جنوب الليطاني لأرض قاحلة للإيجار متمسّكاً بإدراك سكان جنوب لبنان لمصالحهم جيّداً وعدم مبالاتهم بما سيتقرر في مجلس الأمن نهاية آب خلال الجلسة المخصصة للتجديد لليونيفيل في لبنان.
باختصار إذاً، لا وألف لا لهذا البند الذي يمنح الخوذ الزرقاء حرية العمل في المنطقة التي يشملها القرار 1701. وفي اليوم التالي لتعهّد المفتي، كرر السيد حسن نصر الله معارضته للمادة التي تمّ بموجبها تجديد ولاية قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان لسنة حتى 31 آب.
من المؤكّد أنّه تمّ التوصّل لـ “حل وسط بصيغة أسلوبية” في اللحظة الأخيرة لكسر الجمود وانتهى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتمديد ولاية اليونيفيل لمدة عام واحد.

الخطاب والواقع
في هذا النقاش على المستوى العالمي، يقدم حزب الله نفسه على أنه الضامن لسيادتنا، في حين أنه ينتهكها بشكل يومي. ولكن من الذي سيلومه؟ في هذه اللعبة، الأمر يتعلق ببساطة بتأكيد عكس الواقع وبانتصار الشعارات على الحقيقة وهيمنة الديماغوجية على التفكير النقدي. هذه بالفعل هي الممارسة الخطابية المشتركة بين حزب الله في لبنان والبعث السوري في دمشق، وسواهما من الأنظمة القمعية.
فعندما اغتيل الرشيس الشهيد رفيق الحريري، أعلن نواب وصحافيون بوقاحة أنّهم لن يصمتوا “أمام الاغتيالات التي ترتكب على الأراضي اللبنانية”. والمتآمرون أنفسهم حوّلوا الجنوب اللبناني إلى أقسام منظمة وإلى “إقليم إيراني”، ومن ثمّ يتجرؤون على الوقوف ولعب دور الضامن لاستقلالنا.

ولكن أنّى للحزب أن يتكلّم باسمنا؟
ولكن من أين يستمدّ الحزب شرعيته وعلى أي أساس يتحدى قراراً للأمم المتحدة يحظى بمظلة دولية؟ يمكن لكارل شميت وحده الإجابة على مثل هذه الأسئلة. ولو أنه سئل لأجاب: “حزب الله سيادي لأنه قادر على إعلان حالة الطوارئ”، أي تعليق تطبيق القانون العام! ذلك لأن صعوده السياسي مقيد بالابتزاز المسلح الذي يمارسه ضد مؤسساتنا وهيمنته العسكرية تتدخل في السجالات فيفرض خياراته على الساحة السياسية. وإلا فكيف نفسر امتثال السلطة المدنية لأوامره واتّباع تعليماته كما فعل وزير الخارجية عبد الله بو حبيب الذي بدا في الأمم المتحدة أكثر تمسكاً بمصالح الجمهورية الإسلامية من مصالح بلده الأمّ؟

نجح حسن نصر الله حيث فشل ياسر عرفات فشلاً ذريعاً، فقد استولى حزب “السيد” على الدولة. إذًا، كيف لنا أن نحرّر أنفسنا منه “جزئيًا أو كليًا، في الوقت المحدد أو بشكل نهائي”، هلا أخبرتمونا من فضلكم؟ ورجاءً لا تكرّروا السيمفونية نفسها: “لا خطر على الهوية ولا لامركزية ولا حلم بالفدرالية”!

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us