“غربال” الحدود اللبنانية-السورية

ترجمة “هنا لبنان”

كتب أنطوان قربان لـ “Ici Beyrouth“:

خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، أعلن المبعوث الأميركي آموس هوكستين، أن الوقت قد حان لحل مسألة الحدود البرية اللبنانية. لا بدّ وأنه عنى بكلامه الحدود بين لبنان وإسرائيل، لأنه من حيث المبدأ، يصعب التكهن بكيفية ضبط الحدود اللبنانية السورية. فهذه الأخيرة “غربال” حقيقي تمرّ من خلاله جميع عمليات الإتجار غير المشروع، سواء بالمواد أو الأسلحة أو البضائع أو الأشخاص. أما المستفيد من هذا “الغربال” الكبير، فشبكات إجرامية غير مشروعة، في سوريا وفي لبنان على حد سواء.

أثار تصويت البرلمان الأوروبي في 12 تموز الماضي جدلاً كبيراً على القرار بشأن لبنان. وعلى الرغم من أن البند 14 من القرار نص على إضافة حزب الله والحرس الثوري الإسلامي إلى قائمته الخاصة بالمنظمات الإرهابية المحظورة، نظمت حملة تشهير ممنهجة ضد أوروبا بسبب المادة 13 التي تؤكد “عدم تلبية شروط العودة الطوعية والكريمة إلى سوريا”. وتمحورت الحملة حول التنديد برغبة أوروبا السياسية بتوطين اللاجئين السوريين في لبنان. وأتت الضجة الإعلامية بثمارها لدرجة أنها حجبت المادة 14 وصرفت الانتباه عن المادة 5 التي تطرح اقتراح الاتحاد الأوروبي إيفاد بعثة استشارية إدارية متكاملة إلى لبنان لتقديم الدعم بشكل ملح وتعويض التدهور المتسارع على مستوى الإدارات العامة والخدمات الأساسية. كم فاضت الأقلام والمخيلات باتهامات ضد السياسة الأوروبية، بالتوازي مع موجات الحر الخانقة في ذلك الشهر!

وفي المقابل، لم يلتفت أحد للمدّ الهائل من العابرين بشكل غير قانوني منذ أسابيع عبر الحدود اللبنانية السورية، ما بدا مشابهاً لغزو سوري، ويفرض بلا شك الخوف من خطر تغيير ديمغرافي.
ولذلك لا يغضنّ أحد الطرف عن واقع لا يمكن دحضه:
كل المجتمعات ستجد نفسها عاجزة عن التعامل مع التدفق السوري عندما يتخطى نسبة حرجة. وفي لبنان، ناهزت هذه النسبة بالفعل ما يتجاوز ثلث إجمالي السكان، ما يعني أن الخلل في التوازن بات واضحاً بشكل صارخ. وكان الأمن العام اللبناني قد أفاد بوجود 2,080,000 سوري في 1 تشرين الأول 2022. يصنف هؤلاء على أنهم “نازحون”. لكن هل من معايير موضوعية حددت على أساسها هذه الأرقام؟
ومن ناحية أخرى، أحصت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين 805.000 مواطن سوري مسجلين حسب الأصول كلاجئين لديها حتى 31 آذار 2023. ويتلقى هؤلاء حسب ما يفترض مساعدات نقدية وعينية لا تتجاوز 8 ملايين ليرة لبنانية شهرياً لكل أسرة مكونة من خمسة أفراد، حسب الإقرارات الرسمية للمفوضية. الأرقام التي قدمها الأمن العام لا تحدد المعايير المعتمدة في استخدام توصيف “لاجئ”. فلبنان بنفسه غير قادر على إحصاء عدد سكانه حتى، بسبب الافتقار التام للإحصاءات الموثوقة. ويعود آخر إحصاء موضوعي إلى عام 1932. ومنذ ذلك الحين، لا شيء سوى التكهنات حول الأرقام الديموغرافية الهائلة. ويعود آخر تقدير للأمم المتحدة لعدد السكان اللبنانيين إلى نيسان 2023، محصياً 6,700,000 نسمة. لكن لا أحد يستطيع أن يجزم بشكل موضوعي، التفاصيل على المستوى المذهبي.

بالنسبة للسوريين إذاً، يمكن تقدير العدد الدقيق للمتواجدين بشكل رسمي على الأراضي اللبنانية، بأكثر بقليل من مليوني شخص. فهل كلهم لاجئون غادروا هرباً من حرب الإبادة في سوريا؟ ثم من الأفضل اعتماد عدد الـ 800 ألف المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ولكن في هذه الحالة من هم الباقون والذين يبلغ عددهم 1.280.000 شخص أو أكثر حتى؟

من الناحية المنطقية، يمكن تصنيف هؤلاء الأشخاص على النحو الآتي:
1. اللاجئون الرسميون المسجلون لدى الأمم المتحدة والذين يحملون تصاريح إقامة: 800 ألف
2. مواطنون سوريون حاصلون على إقامة بفضل كفيل لبناني (يضاف الرقم 1,280,000، إلى الأعداد السابقة ليصبح المجموع 2,080,000، وهو الرقم الذي قدمه الأمن العام حتى تاريخ 2022/10/01)
3. مواطنون سوريون حاصلون على تصاريح عمل وإقامة بفضل كفيل لبناني، محتسبون ضمن الفئة الثانية أعلاه.
4. المواطنون السوريون الذين لا يتمتعون بأي صفة أو المقيمون بصورة غير قانونية. لا يمكن لأي كان تقدير عددهم بأي شكل. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية!
كيف ينبغي لنا أن نقرأ التدفق الهائل حالياً للسوريين باتجاه لبنان، عبر “الغربال” الحدودي الشمالي والشمالي الشرقي؟ هل هو غزو سوري للبنان؟ هل هو تسلل منظم لأغراض مقنّعة؟ هل هو مجرد فرار من الظروف المعيشية في سوريا؟ هل لبنان محطة “ترانزيت” للسوريين في طريقهم إلى أوروبا؟ كل هذه العوامل تتكامل. لكن في كل الأحوال وبغض النظر عن التسميات، لا يمكن لهذا التدفق أو هذا الغزو، أن يحدث ويستمر بدون تواطؤ لبناني ومن دون غطاء من مافيا الميليشيات السياسية المحلية.
فكيف يدخل السوري بشكل غير قانوني إلى لبنان؟ لا يمكن له عبور الحدود بدون “مهرب”، بشكل فرد أو مكتب أو شبكة. وهنا يتوفر لديه احتمالان:
• عبور الحدود سيرًا على الأقدام لمسافة تتطلب 30 دقيقة: بتكلفة 20 دولار للشخص الواحد. العملية بسيطة بحسب أحد المخبرين: ينتظر المهرب في مكان محدد. ويتولى هذا الأخير تهريب 5 أشخاص في كل مرة؛ مقابل 100 دولار أميركي. ثم تستثمر 40 دولار إضافية لضمان عدم تعطيل أي دورية لعملية التسلل على جانبي الحدود. ثم بعد العبور، يستلم أحد شركاء المهربين المجموعة الهاربة إلى أقرب موقع. تنتهي العملية بهامش ربح يساوي 60 دولار لكل عملية تهريب لمجموعة من الأشخاص
• عبور الحدود بالسيارة. التكلفة من سوريا: 250 دولار. العملية تغطي خمسة أشخاص، حسب المخبر أيضاً. وبمجرد وصول السيارة إلى بيروت، يتم إنزال الركاب إما في الدورة أو في منطقة غاليري سمعان.
تعود هذه العمليات بربح وفير على أكثر من مهرّب ومافيا في الخارج والداخل. فهل يتوقع أي كان أن يتوقف المهربون عن استغلال “الغربال” الحدودي؟ وفي الأصل، هل يكترث هؤلاء لعواقب ما يفعلون؟ من قد يصدق أصلاً أن من يقوم بتهريب الكبتاغون ونترات الأمونيوم والصواريخ والأسلحة والوقود والمخدرات وغيرها عبر الحدود، سيستمع لهمس الضمير ويتألم من تهريب البشر؟ ستبقى الحدود اللبنانية السورية “غربالاً” تمر عبر ثقوبه تدفقات هائلة طالما أن الشرط الأساسي لاستدامة الوضع موجود: التواطؤ الإجرامي لبعض اللبنانيين، وضمناً بعض العاملين في الإدارة العامة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us