موازنة السراب

ترجمة هنا لبنان 22 تشرين الثانى, 2023

ترجمة “هنا لبنان”

كتب نيكولا صبيح لـ”Ici Beyrouth“:

تحت قبة البرلمان، مسرحية شبه متقنة بعنوان “موازنة السراب”.. مسرحية لا تعدو كونها أكثر من عمل خيالي مزعج على الرغم من استنادها لأحداث حقيقية. ومع ذلك، فهي تعتبر مسلية نظراً لدرجة الغموض فيها.
المسرحية تتمحور حول وثيقة من 1200 صفحة بعنوان “مشروع موازنة 2024”..والعرض يطول ويطول أمام المتفرجين، متضمناً “مونولوغات” خاملة ولا حصر لها في البرلمان، ثم عروض كمال الأجسام أمام لفيف من الصحفيين في ختام جلسات لجنة المالية الجوفاء مع أبطال يكادون ينفجرون فخراً.
ولكن مع الوقت، تزداد درجة الملل مع تشعبات الأرقام التي تمتد على أكثر من 15 خانة، وبالتوازي، يزداد تذمر أصحاب المصلحة الرئيسيين، دافعي الضرائب، من هذه المحاولة لسرقة ما تبقى من قوتهم. دعونا نغوص في بعض النقاط المرجعية لفهم المسألة:
– أولاً، يجب ألا نصدق كل ما تسرده الموازنة عن النفقات (3.34 مليار دولار بالأسعار الجارية) والإيرادات (2.87 مليار دولار) والعجز (332 مليون دولار)، مع الإشارة إلى المشكلات الحسابية التي لطالما طاردت وزارة المالية. ألم تكن الحال كذلك قبل الأزمة، أي في ظل سعر صرف واحد ووضع طبيعي؟ كانت الوزارة تخطىء في بعض الأحيان بمئات الملايين من الدولارات أو تقوم بتمويه العجز الحقيقي في نهاية العام بديون غير مسددة لمختلف الموردين الحكوميين.
– في الآونة الحالية، ومع اختلاف أسعار الصرف، والمضاعفات المطبقة على معدلات الإجراءات الشكلية (x10، 20، 40، 120…) وانعدام الرؤية حول الاقتصاد، يصبح التقريب الماضي أشبه بالتخمينات التكهنية على شاكلة ما يتكلم عنه إخواننا الإنكليز.
– وهناك قصة بسيطة لكنها رمزية: تم تخصيص ثلث النفقات لـ “احتياطيات الميزانية”. فما هي المسألة؟ الحقيقة تتعلق بمبلغ (113 مليون دولار) يخصص حسب مزاج اللحظة أو إصرار وزير نافذ أو مصلحة أخرى، من دون موافقة أي رقيب. وبالفعل، يخصص مجلس الوزراء حالياً -وهذه تحفة سريالية- مبالغ لوزارة أو لأخرى، وهي منقولة من احتياطيات موازنة… لعام 2023. موازنة لم يتم اعتمادها أو مناقشتها من قبل، وهي غير موجودة.
– نصل الآن إلى الجزء الذي يهمّ المتواضعين حالاً من أمثالنا. في الأساس، ولتحقيق هذا الحد الأدنى من العجز (النظري)، تتدفق الضرائب بشكل غزير. رفس التفاصيل، فقد وضعت المنظمات والجمعيات الاقتصادية قائمة طويلة: كيف يمكن لمدير عاقل أن يقرر مثل هذا العبء الضريبي في ظل اقتصاد متهالك، وتهرب ضريبي بنسبة 50٪، وودائع ضائعة، وإصلاحات معدومة، وفقر بنسبة 80%، واستثمارات هزيلة، أليس ذلك سيطرة موثقة على الأموال العامة…؟
– والأكثر من ذلك، كيف يمكن الكلام عن إيرادات دون أي خدمة مقدمة للمواطنين.. إيرادات لا تصلح باختصار سوى لدفع أجور الموظفين الذين يتلقونها والذين يتميزون بعدم ممارسة أي عمل. ونظراً لرواتبهم الضئيلة، من المرجح أن يفرضوا زيادات على صاحب العمل، الأمر الذي لا ينص عليه مشروع الموازنة.
– وما يميز هذه الحقبة، حقيقة فريدة أخرى هي أيام العمل وعدم الإضراب، التي يعلنها موظفو القطاع العام بشكل متقطع: بالنسبة للمعاملات العقارية، تسير الأعمال مؤقتًا يومي الثلاثاء والخميس، ثم الشهر القادم…
– وحالياً تحاول اللجنة المالية النيابية التفاوض مع الوزير حول التغييرات. وهذا قبل أن تدرك أن وزير المالية هذا، كباقي الوزراء، لا يعرف الكثير عن المحتوى، حيث أن النص يحمل بصمات سعادة الشامي.
– ماذا الذي سيحدث بعدها إذاً؟ إما أن يقوم البرلمان بتعديل مشروع الموازنة، من خلال خفض الضرائب (على افتراض إمكانية ضمان النصاب القانوني، وهو موضوع إشكالي). وإلا إن لم يحدث ذلك قبل نهاية كانون الثاني، فيمكن للحكومة نشره بمرسوم. وعندئذ سنجد أنفسنا، إما أمام عجز كبير أو عجز صغير. وفي كلتا الحالتين لا أحد يعرف كيف يسد هذا العجز. لا يمكننا الاستدانة لا من الخارج، منذ كارثة 2020، ولا بالليرة اللبنانية طالما أن الحاكم بالإنابة وسيم منصوري مصر على إحكام الأقفال.
– وكالعادة، تضع الحكومة التي لا تفعل شيئاً، نفسها في مأزق بلا أفق. لكن فعلياً من الواضح أنه كان من الممكن نظرياً البحث في بدائل أخرى خارج الصندوق: اختيار ضرائب أكثر عدالة أو اقتراح إيرادات غير ضريبية أو الخصخصة، أو تخفيض القوى العاملة، أو حتى ربما تخطي حدود العقل ووقف النهب… أو ربما بعدها تحسين معدل ذكاء المدراء من خلال دورات مكثفة.. ولكن في كل الأحوال، هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us