القرار 1701 من منظور الحرس الثوري الإيراني

ترجمة هنا لبنان 7 آذار, 2024

ترجمة “هنا لبنان”

كتب Michel Touma لـ “Ici Beyrouth“:

لم تفضِ الزيارة الخاطفة التي قام بها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بداية الأسبوع إلى بيروت كما كان مرتقباً، لقرارات ملموسة يفترض أن تترجم بانسحاب حزب الله باتجاه الليطاني عملاً بالقرار 1701. وذلك بعد أسابيع طويلة من المفاوضات الدبلوماسية التي تمحورت حول انسحاب الذراع الإيرانية ووقف الأعمال العدائية على الحدود اللبنانية مع إسرائيل.

ويخطئ في هذا السياق، من يكتفي بقراءة الوضع في جنوب لبنان من زاوية “تقنية” واختزالية بحتة، لا تتخطى إعادة انتشار بسيطة للقوات على الأرض. فالأمر أبعد من ذلك بكثير وهو يرتبط بحقيقة بديهية: مشكلة الوضع الحدودي مع إسرائيل ليست عسكرية وأمنية فقط، بل هي جيوسياسية في الجوهر. وبغية استيعابها، لا بد من التوقف عند المكانة التي يحتلها حزب الله على رقعة الشطرنج الإيرانية، والأصل (التاريخي) للدور الذي يتولاه ضمن استراتيجية طهران. ونقطة البداية، نشأة الجمهورية الإسلامية نفسها.

عندما عاد الخميني منتصراً وبسط يده على السلطة في شباط 1979، في أعقاب انتفاضة شعبية واسعة النطاق، وجد نفسه مجبراً على التحايل على الجيش الإيراني، أي جيش الشاه، الذي لم يوحِ له بالثقة خصوصاً وأنه حظي بتدريب وإشراف وتجهيز من الغرب. وهكذا، أنشأ جهازه شبه العسكري الجديد، الحرس الثوري الإسلامي (الباسداران). وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا الجهاز صمم وأنشئ (نظريًا) في باريس على يد مقربين من الخميني عندما كان لا يزال في فرنسا، في “نوفل لو شاتو”. ويؤكد ذلك على أهمية الباسداران الإستراتيجية للفريق الذي كان يستعد للإطاحة بالشاه.

سرعان ما أصبح “الباسداران” الجيش الإيراني الفعلي بحكم الأمر الواقع، وامتلك جميع المعدات العسكرية والبنية التي يمكن للقوات النظامية الاستفادة منها. وبالتوازي، استثمر الحرس الثوري تدريجياً في إنشاء دوائره الاقتصادية شبه الحكومية، وبسط السيطرة على أحد الموانئ للحفاظ على سوق سوداء مع شبكات أنشئت في الخارج. حتى أنه ذهب إلى حد إنشاء شركة طيران خاصة به.

هذا الهيكل شبه العسكري والاقتصادي الطموح سمح للباسداران بإطلاق مشروعه الأيديولوجي والجيوستراتيجي: تصدير الثورة الإسلامية إلى دول الشرق الأوسط. أما الإنجاز الأول على هذا المستوى فهو إنشاء حزب الله اللبناني في منتصف الثمانينيات، في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي في حزيران 1982. وعمل حزب الله تدريجياً على إنشاء بنية شبيهة بنموذج الحرس الثوري.. جهاز شبه عسكري مصمم ليحل عملياً مكان الجيش النظامي؛ شبكات اقتصادية ومصرفية مستقلة عن الدوائر القانونية الوطنية، مع مخالب تمتد إلى أمريكا اللاتينية وأفريقيا لضمان “الموارد” المالية. وفي المرحلة الحالية، أصبح التشكيل الموالي لإيران الذراع المسلحة الرئيسية للحرس الثوري الإيراني في الشرق الأوسط، وهو يخدم التوسع الإيراني بشكل غير مشروط.

ومن أجل تقييم المكانة التي يحتلها حزب الله في استراتيجية الحرس الثوري بشكل صحيح، يجدر الإنطلاق من رؤية شاملة لاستراتيجية الباسداران الإقليمية، وبالتالي قياس الاحتمالات الحقيقية في جنوب لبنان في ضوء المساعي لنزع سلاح الميليشيات جنوب الليطاني تطبيقاً للقرار 1701.

وعلى مر السنين، اعتمد الجهاز العسكري والاقتصادي للنظام الإيراني الاستراتيجية نفسها في أربع دول في المنطقة: اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

وتتمثل هذه الاستراتيجية بإنشاء ميليشيات قوية في هذه البلدان، تستفيد من القوة الاقتصادية، وتثبت نفسها كدولة صغيرة، أقوى حتى من الدولة المركزية. ينطبق ذلك على الحوثيين في اليمن، و”الحشد الشعبي” (الميليشيا الموالية لإيران) في العراق، وسديم الميليشيا الشيعية بقيادة حزب الله اللبناني، في سوريا، بالتوازي مع الوضع المعروف في لبنان. حتى أن الحرس الثوري الإيراني تمكن من إضفاء الشرعية على وكيله في العراق، بشكل سمح له بالاستفادة من سخاء الخزانة العراقية. ولا شك أن الحرس الثوري يسعى لفرض السيناريو نفسه في لبنان.

تشكل هذه البنية الرباعية شبه الحكومية العابرة للحدود الوطنية، والتي تتنافس مع السلطة المركزية، أهمية حيوية لمشروع تصدير الثورة. بالنتيجة، سيواجه أي مقترح لحل سياسي دبلوماسي في الجنوب من شأنه إضعاف حزب الله، عقبة الباسداران لأنه سيهز البنية الإقليمية التي أرساها هذا الأخير بالكامل. من هذه الزاوية الدقيقة، يمكن قياس إمكانيات تطبيق 1701.

من الواضح أن مفتاح أي حل سياسي دعا إليه هوكشتاين، لا يكمن في جنوب لبنان، بل في طهران. فالاحتمالات الحقيقية لخفض التصعيد العسكري وتحقيق الاستقرار تعتمد في الأصل على سؤالين رئيسيين: هل يمتلك الباسداران الإرادة السياسية لتطويع استراتيجيته في الشرق الأوسط، وبالتالي، لتسهيل تطبيق 1701 في حالة لبنان على وجه التحديد؟ وبالتوازي، هل تمتلك الولايات المتحدة من جانبها، الإرادة السياسية لإبطاء، إن لم يكن فرملة، نزعة الباسداران التوسعية والمزعزعة للاستقرار بشكل يمهد الطريق سريعاً لتطبيق جميع بنود قرار الأمم المتحدة؟ النجاح الحقيقي لمهمة المبعوث الأميركي وترسيخها بشكل متين ودائم، رهن بالإجابة عن هذين السؤالين.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar