الدولة ومفاتيح الازدهار

ترجمة هنا لبنان 30 آذار, 2024

ترجمة “هنا لبنان”

كتب نيقولا صبيح لـ”This is beirut“:

لا يتعدى النقاش حول موازنة 2024، على غرار أي جدال حول المالية العامة، حدود الضرائب التي يمكن فرضها بنسب أكثر أو أقل على الحاضر والغائب على حد سواء.. وذلك دون أدنى محاولة للغوص في مصادر الإيرادات المحتملة أو في السعي للحد مثلاً من مصادر الهدر.

إذاً نطاق النقاش ضيق فعلاً وفي الأصل كان العكس ليبدو مفاجئاً نظراً لأن الافتقار للخيال والبراعة ومستوى الذكاء من سمات قادتنا، ويكاد يكون شرطاً من شروط تسلق سلم السلطة.

وهذا ما لا ينقص الاقتصاديين المستنيرين والمطلعين.. فبالنسبة لهؤلاء، الدولة اللبنانية ليست مفلسة في الجوهر، بل هي غنية بالقدرات وبالإمكان الركون لبدائل عدة ولـ”إمكانات”، ما سيذكر منها تالياً ليس سوى غيض من فيض.

مرفأ بيروت

بصرف النظر عن سوء إدارتها واحتكارها جزئياً من قبل حزب الله وعملاء التهريب التابعين له، تمثل أراضي المرفأ مساحات شاسعة أو مساحات مشغولة بشكل عبثي ودون أي داع بمئات الحاويات المتراكمة بسبب عدم كفاءة الإدارات المعنية. هذه المساحات ثروة تكاد تكفي لمنطقة دفاعية صغيرة كما بالإمكان، على نطاق أصغر، استغلال المنافذ الأخرى بشكل أفضل.

المطار

هنا أيضاً مساحات فارغة على مد النظر، لا مثيل لها في أي مطار آخر. ويمر عبر المطار 8 ملايين مسافر في العام العادي، بقدرة شرائية تتراوح بين المتوسطة وما فوق. كيف لم تخطر ببال أحد فكرة تعويض النقص في الاستثمار؟ هذا ناهيك عن مطارين مهجورين.

الخدمات

الكهرباء والاتصالات والمياه وسواها.. قطاعات تراكمت فيها الخسائر بشكل كبير على مر الأعوام، والمفارقة أنّ الجميع يكاد يتقبل هذه الخسارة كقدر وبفرح عارم عندما تقترب من أي شيء يشبه التوازن. وهل من داع للتذكير بأن هذه الخدمات تحقق في جميع البلدان ذات الاقتصاد الليبرالي أرباحاً طائلة تحت إدارة القطاع الخاص؟

الكازينو

كان يفترض بمشروع قانون، بقي عالقاً لسنوات في البرلمان، أن يتيح لكازينو لبنان فتح فروع أو غرف ألعاب مصغرة في المناطق. ثم اقترحت بيروت وبرمانا وعاليه والبترون وزحلة وجزين والمطار. بإمكاننا، من خلال إقرار قانون واحد أعد وقدم بالفعل، مضاعفة إيرادات الكازينو خمس مرات، وبالتوازي زيادة عائدات المطار وجميع الجهات الفاعلة العاملة هناك والسياحة في مختلف المناطق.

تحفة نيماير

كم من مرة تباهينا بأن المهندس المعماري أوسكار نيماير هو من صمم معرض طرابلس؟ ومع ذلك، لا نتورع عن ترك 700 ألف متر مربع في وسط المدينة، مهجورة تماماً.. معلقة ما بين غياب أي استثمار من الدولة وعدم توفر إذن للاستغلال الخاص.

الردميات

منها تلك الموجودة في مارينا جوزف خوري وسواها.. على تلك المساحات المكتسبة من البحر في ضبية، يحق للدولة 330 ألف متر مربع، لم تستغلها قط. وفي العام 2019 بلغت قيمتها مليار دولار. في حين أنّ الجزء المعادل، التابع لعائلة خوري، هو بالفعل مدينة ويتم تشغيلها بالشراكة مع الإماراتي ماجد الفطيم.

بالتالي، يمكن مضاعفة مشاريع الردم والجزر الاصطناعية على الساحل، على أن تعود نصف المناطق على الأقل للدولة. وبالإمكان التعلم من تجربة دبي التي حولت هذه المشاريع لواحدة من أكثر الصناعات ازدهاراً. مع الإشارة إلى ضرورة تكيف “المدافعين عن البيئة” ورافعي لواء أسماك الجاربيدي المهددة، وتحليهم بالواقعية.

المساحات العامة

كثيراً ما يقال إن معظم الأراضي التابعة للدولة، والتي تمثل نحو 20٪ من الأراضي، تقع في مناطق غير مربحة. ومع ذلك، لم يتم إجراء جرد جدي على الإطلاق. وهذا لا يمنع من إسناد أي أرض للاستغلال إلى مستثمر خاص لمدة 5 أو 10 أو 20 سنة، حسب تصنيفها سواء أكانت زراعية أو حضرية. لا يمكن القول بأن هناك مساحات تفتقر للقيمة!

التوقيع

توقيع الدولة ثروة بحد ذاته: بإمكان السلطات إصدار جميع أنواع التصاريح التي تجلب الكثير من الإيرادات.. شبكة خلوية، تصريح تركيب وتشغيل ألياف بصرية، تصريح لشركة طيران أخرى، معامل في منطقة مهجورة أو على الساحل (البحر والأنهار)، تصريح البث أو الاتصالات.. المجالات لا محدودة ويكفي التذكير بـ “طابق المر” البسيط والذي جلب عشرات الملايين من الدولارات.

هذا ليس سوى غيض من فيض.. وبمواجهة المتشككين، يمكن ضمان الشفافية من خلال تنظيم مزادات علنية كلما اقتضى الأمر في ظل إشراف دولي إلى جانب جان العلية.

ولكن يبقى السؤال مطروحاً: ماذا سنفعل بهذه الأموال؟ فالجمعيات الوهمية وبعض الشعبويين من أسوأ أنواع الساسة يصمون الآذان حين يتعلق الأمر بتعويض المودعين من المال العام. ولكن ماذا عن ديون الدولة؟ فهل يحرمون ردها أيضاً؟ وماذا عن الإفلاس في خدمات الصحة والتعليم؟ وماذا عن الاستثمار في البنية التحتية المتهالكة؟

الدولة حالياً في غيبوبة عميقة.. أما قادتها، ذوو الأداء المتوسط، فأبدعوا في التكيف مع واقعهم.. لا بل إن أعظم أمنياتهم، على غرار كل الحكام الفاسدين، هي رؤية الناس وهم يغرقون أكثر وأكثر في وحول هذه الغيبوبة نفسها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us