الشعلة المقدسة وأعجوبة “الغائب الحاضر”

ترجمة هنا لبنان 4 أيار, 2024

كتب Fady Noun لـ“Ici Beyrouth”:

يحتفل المؤمنون الأرثوذكس عشية الفصح المجيد حسب التقويم الشرقي، بسبت النور وبظهور الشعلة المقدسة قبل تحولها لنار متقدة. وشعلة النور التي تفيض من قبر المسيح في كنيسة القيامة ظاهرة فيزيائية يحيط بها الكثير من الغموض.

وبالنسبة للعالم الأرثوذكسي، تمثل هذه الشعلة المنبعثة من عالم غير مرئي إحدى العلامات التي تبين خروج يسوع من القبر، وأحقية قوله إنه “ابن الله”. وفي جوهر الإيمان بالمسيح أنه “المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق” مجمع نيقية (325م).

ويدخل بطريرك الروم الأرثوذكس في القدس ثيوفيلوس الثالث، المبنى الخاص الذي يضم ما تبقى من قبر المسيح، حيث يحظى بشرف حمل النار المقدسة وإضاءة حزمة شمع مطفأة مكونة من 33 شمعة تمثل سنين عمر المسيح قبل توزيعها لحشد الحجاج الذين سيرافقونه داخل بازيليك القيامة الكبرى المحيطة بالكنيسة.

ظاهرة تعود للقرن الرابع

تعود هذه الظاهرة التي تعد واحدة من أكثر الظواهر الموثقة في المسيحية إلى القرن الرابع الميلادي. ولا تزال هذه الظاهرة غير مفسرة، ويقول أحد الأساقفة المساعدين والذي شهد على هذه “الأعجوبة”: “يخرج ضوء أزرق من الصخرة حيث وُضع جسد يسوع الهامد، باتجاه اللوح الرخامي الذي يغطيها. وتأخذ هذه الظاهرة أحيانًا شكل عمود يحتوي على “نوع من النار”. ويقول الشاهد أنه لاحظ على لوح الرخام “نوراً متلألئاً، وكأن بها لآلئ صغيرة بيضاء وزرقاء وقرمزية وسواها من اللآلئ الملونة التي تندمج مع بعضها البعض، وتتوهج قبل أن تتحول إلى نار”.

وقبل فيض النور المهيب، طقوس خاصة شهدتها الجمعة العظيمة تبين أبعاد الأعجوبة، حيث تتحقق السلطات المدنية المسؤولة عن المكان (السلطات الإسرائيلية) من خلو المبنى من أي شيء كفيل بإشعال نار. ثم يتم إغلاق المكان حتى اليوم التالي. ومع بزوغ النهار، تشارك جموع الحجاج المحتشدة بأعداد كبيرة ضمن موكب دائري كبير يقوده البطريرك ورجال الدين المحيطون به. وعند الظهيرة، يحبس الحشد أنفاسه مع دخول بطريرك الروم الأرثوذكس (أو أحيانًا الأرثوذكس الأرثوذكس) وقد خلع ثيابه الليتورجية الرئيسية وخضع لتفتيش كامل، بمفرده أو محاطًا بأسقفين آخرين، إلى المبنى الذي يضم القبر. ثم تمضي حوالي خمسة عشر دقيقة، وتفيض النار المقدسة. وفي صخب، تنتقل الشعلة بعد ذلك إلى المؤمنين المتعطشين للبركة والذين يحملون شموعهم. ويروي الحجاج أنّ النار المقدسة لا تكون حارقة في الثواني الأولى، ولا تؤذي الشعر أو الوجه. وبعد حملها، تنقل الشعلة المقدسة على متن رحلات خاصة، إلى العديد من البلدان، بما في ذلك لبنان.

تجتذب هذه الظاهرة العجيبة – والتي تعتبر معجزة – كل عام آلاف الحجاج إلى كنيسة القيامة. وعلى الرغم من الشكوك المحيطة بالنار المقدسة، يصر المؤمنون الأرثوذكس على إنها “معجزة حقيقية”، بل إنّ البعض يعتبر الحدث “دليلاً دامغاً على حقيقة الإيمان الأرثوذكسي”. وتربط بعض التقاليد نهاية الكون بخفوت الشعلة المقدسة وعدم ظهورها.

تلاقي العلم والإيمان

تكثر التشكيكات بالنار المقدسة وتتعدد، لكن لا إجماع حول وسائل الاحتيال. وغالبًا ما تكون التفسيرات الفيزيائية والكيميائية غير مبررة لدرجة أنّ الميل يكون للاعتقاد بتدخل واقع آخر في عالمنا المادي، وفقًا لعقيدة القديس توما الأكويني، الذي يعتبر أنه ” لا يوجد حدث بدون سبب ولا تأثير بدون سبب”.
كما أنّ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شكل النور المقدس موضوع دراسة للجنة الأحداث العجائبية للكنيسة الأرثوذكسية الروسية وأجريت القياسات باستخدام أدوات معقدة بما في ذلك هوائي ومحول رقمي ومرسمة الذبذبات وجهاز كمبيوتر محمول لتسجيل طيف القياسات الكهرومغناطيسية. وأظهر تحليل الإشعاع وقت فيض النار المقدسة قوة إشعاعية تضاهي قوة قوس اللحام! الخلاصة: هذه “معجزة حقيقية” لا يمكن أن “تحدث إلا بعد تفريغ شحنة كهربائية”.

ومن جانبهم، أشار محررو مجلة Science et Religion  إلى أنّ الرنين الصوتي المميز للأناشيد والصلوات في الكنيسة “قد يتسبب في تأثير كهروضغطي وتوليد إمكانات كهربائية كبيرة”.

الجوهر في مكان آخر

من الناحية الأثرية، أظهر فتح اللوح والكشف عن الحجر الذي وُضِع عليه جسد المسيح أنه يتوافق مع المقابر اليهودية من القرن الأول. لكن وفقاً لماري أرميل بوليو، رئيسة تحرير مجلة Terre Sainte، يكمن الجوهر في مكان آخر.

الصحفية التي تقيم في القدس منذ حوالي ثلاثين عامًا، واحدة من المحظوظين القلائل الذين دخلوا المبنى. وتسر بالقول “إن كنيسة القيامة ليست للزيارة بل للصلاة. وبفضل أحد الرهبان، تمكنت من الدخول إلى أبعد من ذلك.. تمكنت من الدخول حتى الصخرة التي كانت تحمل جسد المسيح، لم أكن أتخيلها… كنت في حالة غريبة، شعرت بانعدام الوزن قليلاً، لكنني أتذكر كل التفاصيل. لن أستطيع الذهاب إلى القبر المقدس ورؤيته كما كان من قبل بعد وضع بلاطة رخامية في الأعلى، ولا يمكن رؤية القبو إلا جزئيًا، من خلال فتحة (محمية بزجاج مصفح). ولكني على يقين أنّ الصخرة هناك. وكنت اعتدت الركوع أمام قبر المسيح وأحياناً كنت أتساءل كيف ذلك ولا يوجد وجود مادي حقيقي. ولكن في القبر المقدس، أمام هذا القبر، لا شيء أقوى من الغياب الحقيقي.. هناك روح الغياب”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us