المنقوشة في لبنان..للأغنياء فقط

ترجمة هنا لبنان 1 نيسان, 2021

من منَّا لا يعرف المنقوشة؟! أشهر أنواع المعجنات اللبنانيَّة بشكلها الدائري، والمكسوَّة بالزعتر أو الجبن أو اللحم، يتم خبزها بالفرن ثم تطبَّق على بعضها لتصبح نصف دائرة شهيَّة جاهزة للأكل.
ها هو الخبَّاز المخضرم أبو شادي (54 عامًا) يحدثنا عن آخر فصولها الحزينة: “المنقوشة كانت أم الشعب اللبناني غنيِّه وفقيره، ومنذ أن بدأت العمل في فرني عام 1987م لم يكن الأمر سوى خير وبركة. لكن اليوم ذهب كل هذا”. فسعرها الذي كان يتراوح بين 1000 ل.ل و 1500 ل.ل (أي ما يعادل 0.6 $ إلى 1$ على سعر الصرف القديم) بات سعرها الآن 5000 ل.ل أية خمس أضعاف سعرها القديم. وبالتالي باتت لقلة محظوظة ممن يقبضون رواتبهم بالدولار، خلافاً لمعظم اللبنانيين الذين يحصِّلون أجورهم بالعملة المحلية.
يتحسَّر أبو شادي قائلاً: “للأسف في هذه اللحظة ، لم يعد الفقراء قادرين على أكل حتى هذا الفطور المتواضع.. فعلى مدار ثلاثة عقود، يتدفق الزبائن في عطلات نهاية الأسبوع، ويطلبون ما يصل إلى سبعة أو ثمانية مناقيش لتناول وجبة إفطار عائلية تقليدية. لكن خلال الأشهر القليلة الماضية، توقف هؤلاء الزبائن تمامًا عن القدوم. باتت المناقيش للأثرياء فقط”. فجراء الانهيار الاقتصادي عشرات الآلاف فقدوا وظائفهم أو جزء كبير من مدخولهم، كما خسرت العملة اللبنانية أكثر من 85 في المائة من قيمتها. و”من يكسب 30 ألف أو 40 ألف ليرة في اليوم لن ينفق 5000 ل.ل على منقوشة الزعتر في زحمة النفقات الأخرى.”
أبو شادي الذي اضطر مرغماً لزيادة أسعاره لتغطية التكلفة المتزايدة لجميع المستلزمات من الطحين والجبن، إلى الورق الذي يلف المنقوشة به. يحنُّ إلى الزمن الذي كان يتلقى بحرارة سلسلة من الطلبات. فيمزح مع أحد الزبائن وهو ينتظر إفطاره، ويلوِّح لأحد معارفه وهم يقودون سيارته، يحيِّي الكبار والصغار من المارَّ، ويلقي عبارات الإطراء على السيدة المسنة صاحبة الشعر الأشقر. لقد ولَّت منذ فترة طويلة الأيام التي كان يشعل فيها الفرن من الساعة 8:00 صباحًا حتى الساعة 3:00 عصراً، ففي الوقت الحاضر بات أبو شادي يخفِّض الحرارة في فرنه بمجرد أن يخبز ما يكفي من المناقيش لتوفير الغاز!!.
إصرار محمود (أحد الزبائن) على شراء مخبوزات أبو شادي الشهية مهما كان ثمنها. وتحفيزه بقوله: “من اعتاد مناقيش أبو شادي..واللقيمات المليئة بالجبن واللحم لا يمكنه استبدالها” لم يسعف أبو شادي كثيراً الذي تحسَّر بقوله: “لقد اعتدنا أن نعيش حياة مريحة، لكن أوضاع الناس المعيشية تراجعت بالفعل..لم نر شيئًا مثله من قبل!! نعم لم أُجبَر على الإغلاق مثل الخبَّازين الصغار الآخرين؛ لأني أقوم بهذه المهمة بمفردي. بعد كل هذه السنين لا زلت أعمل لنفسي، فالأموال التي يدفعها الآخرون لموظفيهم أعتاش منها” خاتماً بقوله: “لا أملك إلا يدي والله”.

THE DAILY STAR

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us