التغيرات الجيوسياسية والتحديات السياسية

كتب Charles Chartouni لـThis Is Beirut:
في سياق النزاعات الكبرى التي تعصف بالعالم، لا يمكننا إلا التوقف عند بعض الأحداث المفصلية التي طبعت الأسبوع الماضي: وفاة البابا فرنسيس وتداعياتها، وتطورات الحرب في أوكرانيا وآفاق المفاوضات الأميركية-الإيرانية والتحولات في واجهة السلطوية الإسلامية في تركيا، بالإضافة إلى سيناريوهات التطبيع في لبنان وغزة وسوريا.. والرابط المشترك هو التأثير على الساحة الدولية.
وبادئ ذي بدء، برهنت جنازة البابا فرنسيس حضور الكنيسة الكاثوليكية على المسرح العالمي بأبهى تجلياته، ودورها المحوري في مناصرة السلام وتسوية النزاعات عبر الحوار. وقدمت الكنيسة نموذجاً للسلطة الأخلاقية والقدرة على المشاركة بشكل أساسي في النقاشات المعاصرة حول حقوق الإنسان والقضايا البيئية والعدالة الدولية والتنمية المتكاملة والحوار بين الأديان. كما عكس حضور القادة السياسيين والدينيين من مختلف أنحاء العالم، وتحديداً من الغرب، الدور التوحيدي للكنيسة في صياغة السردية الفكرية للديمقراطيات الغربية وتوافقاتها المعيارية. وهذا ما ترجم في عناوين كما في صحيفة “لوموند” الفرنسية التي طوّبت عددها: “جنازة البابا فرنسيس تجعل من روما مركزًا للعالم”، وفي صحيفة “إل ميساجيرو” الإيطالية التي عنونت: “روما، مركز العالم”.
والحق يقال أنّ حبر البابا فرنسيس حمل الكثير من الإلهام، حيث جسد الدعوات الشافية والملهمة لوصايا الإنجيل في عالم مضطرب، وساهمت الكاثوليكية المعاصرة في تعزيز السلام والعدالة من خلال المناصرة الفعالة والخدمات الإنسانية. ويكمن التحدي الكبير أمام المجمع القادم، في الحفاظ على منجزات البابوية المعاصرة ومتابعة الديناميات التحويلية التي أطلقها مجمع الفاتيكان الثاني.
أما الصورة الرمزية التي جمعت بين الرئيسين ترامب وزيلينسكي، فعكست فعالية دبلوماسية الكرسي الرسولي، ورمزية كاتدرائية القديس بطرس كملتقى للسلام والمصالحة، والدور التوحيدي للبابوية في ترسيخ السلم في زمن التوترات الدولية. وعكست الجنازة الحزينة استمرارية رسالة البابا فرنسيس، ومن سبقه من الباباوات، في العمل من أجل السلام والمصالحة بين الشعوب والأمم، وهي رسالة محورية للكنيسة الكاثوليكية في العالم.
في المقابل، أبرزت هذه اللحظة أيضًا الانقسامات الثقافية بين الديمقراطيات الغربية من جهة، وخصومها التسلطيين كالأنظمة الاستبدادية من جهة أخرى، سواء على مستوى الحضور أو الغياب. فغياب ممثلي هذه الأنظمة شاهد على الاختلافات في القيم والمبادئ التي تحكم كل طرف، وانعكاس للنتائج الاستراتيجية المترتبة على هذا التباين في الرؤى والنُظم. وعلى الرغم من وجود اختلافات سياسية وأيديولوجية داخل العالم الغربي نفسه، يلتزم الفاعلون السياسيون والمدنيون هناك بشكل عام، بآداب وسلوكيات مدنية مشتركة تحكم التفاعل والاحترام المتبادل، على عكس الأنظمة التسلطية.
ومن ثم، لا بد من التوقف عند المراوغات والمناورات في المفاوضات الأمريكية-الإيرانية. وهي ليست مجرد صدفة ولا وليدة اللحظة، بل مرآة لاختلافات ثقافية واستراتيجية جوهرية بين الطرفين. فالحائط المسدود لا يرتبط بالتعقيدات فنية حصراً. وبعيدًا عن التفاصيل التكتيكية والفنية للمفاوضات، يكمن الخلاف الحقيقي في الاختلاف حول المبادئ والقيم كدور الدولة والحريات والشرعية السياسية. وتسعى الولايات المتحدة إلى حل شامل ينهي أسباب النزاع ويضع حدًا لديناميكيات التوتر التي تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار والدمار في المنطقة. وفي المقابل، يتشبث النظام الإسلامي في طهران بحماية مستقبله السياسي، تثبيت سلطته التسلطية على مجتمع داخلي متمرد، ومحاولة استعادة نفوذه الإقليمي الذي يتراجع.
ومن خلال محاولته حصر التفاوض في مسألة تخصيب اليورانيوم وآليات المراقبة، يسعى النظام الإيراني إلى تجنّب قضيتين مصيريتين: أولًا، تحرير المجتمع المدني الإيراني كمرادف عملي للتطبيع الدولي، وثانيًا، تفكيك عقدة الإمبراطورية في الشرق الأوسط. الأمر الذي يطرح السؤال حول جدوى تكرار السيناريوهات الفاشلة بينما ينهار المشروع التسلطي من الداخل.
التحفظات التي طُرحت بخصوص إيران تنطبق أيضاً على ازدواجية الموقف الاستراتيجي التركي، حيث تسعى أنقرة لترسيخ نظام إسلامي استبدادي من جهة، وتنتهج سياسة خارجية ذات طابع “عثماني جديد” من جهة أخرى، بمعنى التوسع والنفوذ في دول الجوار كما كان عليه الحال في الحقبة العثمانية. الاتهامات الملفقة بالفساد والاعتقال التعسفي لزعيم المعارضة التركية، إلى جانب التدخلات التركية في سوريا، كلها مظاهر واضحة للنزعة الاستبدادية والإمبريالية التي يتبعها النظام التركي الحالي. فهل…
مواضيع ذات صلة :
![]() ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام | ![]() “أبل” تعتزم نقل تجميع هواتفها التي تُباع في أميركا من الصين إلى الهند | ![]() بنك أوف أميركا: آيفون قد يرتفع 90% إذا تم تصنيعه محليًا |